كيف تختار أمريكا رئيسها؟ السؤال لم يقصد أبدًا التكنيك، فعلى الرغم من النظام المعقد الذي تسير وفقًا له الانتخابات الأمريكية، فإن السؤال كان يسأل في مساحة أخرى عن المزاج العام للأمريكيين الذي لا يحدد وحده هوية الناجح في الانتخابات.
لعل أبرز وأهم الأفلام التي تناولت هذه المساحة تحديدًا هو فيلم Man of The Year وهو الفيلم الذي أنتج عام 2006 وتم عرضه في السينمات الأمريكية، يتخيل باري ليفنسون مخرج الفيلم، أن رجل الكوميديا الأهم في الولايات المتحدة الأمريكية توم دوبس، وهو من يقابله في الواقع جون سيتورات، قد قرر أن يرشح نفسه للانتخابات.
رغم الطابع الهزلي لفيلم Man of the year إلا أنك تفهم من يحرك اللعبة الانتخابية بأمريكا ومن أين تأتي الأموال المتحكمة بالمشهد
الرجل الذي كان يرى أن الرؤساء في أمريكا كالحفاضات، وأنهم جميعا يتم تغييرهم بنفس الوتيرة ولنفس السبب قرر أن يخوض غمار التجربة السياسية جاعلًا من نفسه لاعبًا في نفس العملية السياسية التي لطالما سخر منها، ومقدمًا نفسه في الانتخابات على أنه "البديل العادل" للأمريكيين الذين سئموا خطاب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وكان مفتاحه إلى المزاج الأمريكي هو "النكتة"، كما دأب مساعدوه على انتقاده ومن بينهم كريستوفر واكن، الذي علق على أحد خطاباته بأنه ممل وأن الكوميديا "تبيع" أكثر.
اقرأ/ي أيضًا: بين فيلمي "saving private rayan" و"Hacksaw ridge"
كعادة وسائل الإعلام، بدا الرجل ممتلأً بالدعاية حتى الانتفاخ، وصور الكثير من الإعلاميين أنه يدعو إلى برنامجه السياسي من خلال الفكاهة، في حين اعتبر البعض أنه يهزأ بالمرشح الأمريكي، أو كيس البطاطس كما أسماه توم دوبس نفسه، الذي يقوم بالتصويت في النهاية كناية عن أنه غالبًا "رجل لا يعرف الكثير".
في الفيلم تكتشف إحدى الموظفات الدؤوبات اللاتي عملن في الشركة المصنعة لنظام التصويت خللًا في الجهازالذي يقوم بالتصويت، وكأي موظفة تحترم عملها أرسلت رسالة إلكترونية إلى رئيسها التنفيذي تنبهه، ويبدو أن الرسالة قد جاءت في وقت متأخر بعد أن انتهى موعد التصويت وتم اختيار الرئيس أخيرًا وهو "المهرج توم دوبس".
الرجل رأى الرسالة وتجاهلها، آملًا في أن يكون التجاهل وسيلة لدفن المسألة. لكن الموظفة الدؤوب التي لعبت دورها لورا ليني، التي كانت تتابع دوبس كساخر جيد، قررت أن تخبر السيد الرئيس أنه أخذ مكان غيره.
وعند نجاحها أخيرًا في الوصول إليه، وإخبارها بأن التصويت تم تحت تلاعب من جانب الشركة، وأنه على الرغم من كونها لا تصوت ولا تهتم بالتصويت لأن "رجال السياسية يقولون أي شيء لينجحوا" فهي مهتمة بأن تكون النتيجة صحيحة أي مطابقة لحقيقة التصويت الذي قام به الأمريكيون.
الفيلم في نهاية الأمر ورغم كل الصخب والجنون، ورغم ما بدا أنه منطقي أن ينجح وجه جديد في السباق الرئاسي، يجعل من لعبة الانتخاب غير مفهومة في أمريكا. فهل أقنع حقًا هذا الرجل الأمريكيين؟ كل الأمريكيين؟ على اختلاف انتماءاتهم وأطيافهم ومواقفهم؟ إن اتفقوا عليه فمن ذهب في النهاية وأتى بأقاربه وأصدقائه ورئيسه في العمل وجيرانه، إلى صناديق الانتخاب لتوم دوبس؟ من قرر الوقوف في الصفوف طويلًا بكل إيمان وصبر لينجح الرجل الذي آمن به؟ إنهم الذين عبسوا لدى رؤية الرجل.
فيلم Man of the Year من أمتع الأفلام التي يمكن مشاهدتها، وربما على مستوى فهم العقلية الأمريكية في الانتخابات، هو الأقرب
وكأن الفيلم يريد أن يقول لنا: إذا كنتم تظنون أنكم تفهمون أمريكا فهناك خبر سيئ.. أنتم لا تفعلون حقًا!
وعلى الطريقة الأمريكية ولدى تأكد الرئيس توم دوبس أنه نجح بالتزييف، يتنازل عن الرئاسة للرئيس الذي نجح بالفعل. والحقيقة أن ذلك أمريكي جدًا، باستثناء التنازل، لأنه في الواقع ينجح الرئيس حتى بعد ورود أقاويل عن تزييف التصويت له، ليعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: أوسكار أفضل فيلم أجنبي (1990-2016) لمن ذهبت؟
الأمر كان أكثر سخرية في فيلم The Campaign وهو صراع على مستوى أقل بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهو أكثر هزلية ويبدو وكأنه مجموعة من الـ"اسكتشات" التي ميزت معظم أفلام ويل فيرل، الذي يبدو وكأن لديه حساسية من الأفلام الجادة.
ولكن على الرغم من الطابع شديد الهزلية للفيلم، إلا أنك تستطيع أن تفهم من يحرك اللعبة الانتخابية من خلف الستار، ومن أين تأتي الأموال التي تتحكم بالمشهد، وكيف تُسير الانتماءات الحزبية مراكب المنتخبين.
هذه الأفلام ربما تخبر عن نوعية "أمريكا" التي تختار رجلها الأول، ربما تخبر أيضًا ألا ننخدع بأمريكا التي تضحك، وأمريكا التي تشاهد وتصفق وتضحك، لأن الأمور أحيانًا تكون أكثر جدية، الفكرة دومًا فيمن يضغط على زناد الفكرة القاتلة التي تحرك الناس بجدية لخوض عناء النزول من بيوتهم.
فيلم Man of the Year من أمتع الأفلام التي يمكن مشاهدتها، وربما على مستوى فهم العقلية الأمريكية في الانتخابات، هو الأقرب، فيما عدا مشهد استغناء الرئيس عن السلطة. فالأمور لا تحل بهذه الطريقة في العادة.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Me Before You": عندما تقتل السينما الأمل
5 دروس عن الحب من أفلام وودي آلن