تعامل فيلم split مع مرض اضطراب الهوية الفصامي بأسلوب لا يخرج عن تفسيرات علم النفس للمرض، من حيث الفصل التام بين الشخصيات أو الهويات حين ظهورها، وهذا أمر يحسب لقدرة جيمس ماكافوي "كيفن" الذي تنقّل كممثل بين شخصيات باري، هيدويغ، دينيس، وباتريسيا بمهارة ملحوظة.
حتى عندما كان هيدويغ الصغير يتعرض لمقاومة عنيفة من قبل المختطَفات، كان دينيس يتدخل لإعادة السيطرة والتحكم التامّين، تمامًا كما يتحدث علم النفس عن استناد هويات المريض على بعضها، للخروج بحلول تعجز عنها البقية، كما يظهر هذا في رسائل بريدية تدفقت إلى بريد الطبيبة النفسية فليتشر، للإشارة إلى وجود تبدلات خارجة عن قدرة الهويات الأضعف للمريض.
أفضل الحوارات هي التي يندر أن تجدها بين الطبيب النفسي والمريض كما هو الحال بين فليتشر ودينيس في فيلم "Split"
أفضل الحوارات هي التي يندر أن تجدها بين الطبيب النفسي والمريض كما هو الحال بين فليتشر ودينيس، حين تحفزه على الظهور من خلال إيمانها بما تقول لا لأنها تتصنع ذلك، فليتشر آمنت حقيقةً بأن دينيس لا يمثل الشر وإنما الضرورة، ردة الفعل، الحماية المفقودة من حياة المضطهَدين.
متفقًا وتحليلات علم النفس لأسباب ظهور مرض اضطراب الهوية، يشير الفيلم إلى الاضطهاد الذي تعرض له الطفل صاحب الاضطراب، لهذا نجد "هيدويغ" يتحدث بأسلوب الطفل ذي التسع سنوات، وكيف أنه غير مدرك تماما لمحاولات استدراجه من قبل إحدى الفتيات الثلاث المختطَفات "كيسي"، وهو في الوقت ذاته خائف من العقاب الذي سيلحق به في حال قدّم المساعدة.
اقرأ/ي أيضًا: الأوسكار.. عام "لالا لاند" غير المتوّج
الأمر الذي يدل على إدراك الإنسان المضطرب لهوياته المتعددة، وأنه يتحكم بظهورها واختفائها وفقًا للموقف الذي يواجه. السؤال هنا: ما هي درجة العنف الأسري/المجتمعي التي بمقدورها أن تنتج مرضا خطيرًا مثل هذا؟ إنّ جميع الضحايا بداية من الطفل "كيفن" ومن سيُعذَّبون بيد هوياته المتعددة، كل هؤلاء ذنبهم في حالة الفيلم هو ذنب الأم المضطهِدة لطفلها.
ليس من الضروري تصنيف فيلم split للمخرج م.نايت شيامالان من بين أفلام الذعر، صحيح أن الاختطاف بحد ذاته أمر مرعب لأنك في مواجهة مباشرة مع الإيذاء والموت في حال وجدتَ أم لم تجد مخرجًا، لكن الفيلم يضعك أمام حوارات أوسع من مسألة المرض النفسي، وإن كان يشير إلى قدرة علم النفس على التفكير بالحلول ومحاولة السيطرة، الأمر الأكثر أهمية هو محاولة الخلاص من الاضطهاد أيًا كان نوعه.
إن المجتمع العنفيَّ لن يُضمن مقاومته بصورة أقل عنفًا/أكثر إنسانية
فحتى شخصية الوحش التي اعتبرتها الطبيبة فليتشر الشخصية الرابعة والعشرين، حتى هذا الوحش كان مدفوعًا للظهور بهدف الدفاع عن الشخصيات الضعيفة، لكنه لم يتصرف بالفكرة على نحو له علاقة بالدفاع عن المجتمع، إنما دفع قدراته العنفيّة باتجاه المجتمع نفسه المتجسد بالمختطَفات الثلاث، وبالطبيبة الأكثر قربا ل "كيفن" وهوياته الأخرى.
قد تكون شخصية الوحش هي ردة الفعل الجنونية على الاضطهاد المجتمعي، بهذا فإن المجتمع العنفيَّ لن يضمن مقاومته بصورة أقل عنفًا/أكثر إنسانية، هذه المقولة الأخطر للفيلم، والتي نجد لها إشارات يمكن الأخذ بها، فمن خلال حوار الشخصيات/الهويات المتعددة لـ"كيفن" تظهر الحاجة لشخصية تؤمن بقدراتها، شخصية قادرة على فرض وجودها أمام الجميع، لكنها للأسف تكشّفت عن وحش يقدم على أفعال لا تقل وحشية عن المجتمع الذي اضطهده ثم أمعن في تجاهله.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Manchester by the Sea": هل يستحق المشاهدة؟
فيلم "Snowden": وهم الحرية في عالم الفاشية الذكية