خطيئة
في المساء المجاور
أرواح حبلى بالقلق
بالجوع والفلفل المحشوّ بالبنادق
أنفاس
كالطلق
كالله
كأقحوان المساجد
مخفوقة بالصخب والعنف.
أيادٍ متناثرة كالأعواد المصلوبة
تتناهشها جرذان الموتى.
في هذه الدار
رجل أقام الصلاة ككرسيّ
ينهال كالأباريق
يطوف
مثل النار
كطفل
يلعن أمه كلّ صباح
وفي المساء
يضاجعها
هو المساء ذاته
في كل يوم
ينتعلُ بحرًا
ويتوسّدُ زورقًا بريًّا
بعجلات
تلهث خلف النار
مساء
يحتضن كلّ يوم عشراتِ الأطفال
وصندوقا أحمرَ
مثل تفاحة علِقتْ بها سنُّ عجوز.
فوّهة تبتلع
متى كان أوّل الوعد؟
وماذا التقطت الخفافيش من الحكايا؟
ها هي السنابل تعضّ الماء
كسحلية أوشكت على النهوض
وتسيل كالعقرب
لتصارع جيشًا من الكبريت.
اليوم
الكلُّ مدعوٌّ إلى العَشاء
الرجال المكورون كالأثداءِ
والنساء الواقفات مثل حذاءٍ
الأطفال
الذين يلعقون ما تبقى من قصص الزجاج
كمنديل أحمر يستريح.
قالت:
من أنا؟
ولمَ أنتفض كشعري الطويل
بكعك العيد وحلوى الأطفال؟
ولماذا أضيء للياسمين عتمة القبل؟
لماذا كلما قضمت أظافري
أَشْقَرُّ كالصراخ
وأبيتُ كالعنكبوت؟
- قالت:
من أنا حتى أقفز على وجوه الموتى
كنبضات الثعالب؟
- من أنا؟
- كفاك صراخًا
ارحل
ما عاد للمساء فوّهة تبتلع.
قمر يركل
في آخر الوقت
شمس
معقودة كالسلاسل
تبني حذاء
ليتربّص بكلتا شفتيّ
المتدلّيتين كالشرائط.
غريبٌ يقذفُ رمادًا
بلون الروح
أسرابٌ
تعانقُ أشباحًا من السراويل.
هناك كرسيٌّ طوى ملامحه
الزرقاء
وغاب
كما لو أن طفلًا
يركلُ قمرًا
فيصرخُ عصفور
ثم يمشي على ركبتيه
كهرم تجاوز السبعين
يمدُّ يدًا
ويطبق على فوّهة
في قبضته لسانٌ
من الخوف
وأرقٌ
يكنس به بقايا الماء
من جوفِ ذبابة ميتة
ممتلئ بكرات الياسمين
وطفلٌ
يغمغم في عتمته
كأنه إله ممتنًّا.
عارٌ يتقاطر بالأحلام
هنا
عند هذا الركام
أتى جيش كثيف ليقتحم البخار
يهم بالبنادق الميتة
يحمل عمامة الرمال
وأجسادا منتفخة
كأعقاب السجائر
فيلوذ فستان بالهرب
فستانٌ صغيرُ النهد
معتصِمُ الأرداف
ينُوص بين المسافة
وكبريتِ الأرق.
رجل ابتلع حبّات الوقت
ليمشط أسلاك العار الطويل.
وفي حداد الركام
أسفل المدينة
كؤوس ترتفع للصلاة
شارب نحيل يمتص الهواء
يسربل أبواب العتمة
المُحْدِقةِ بالجرافات.
بعض التفاح
يتقاطر كالأفخاذ
أحلام برداءة الحظ.
العرافات
رقيقة كالأسماء الموحدة
كأفواه الأطفال
المطلقة في الفراغ
بأيدٍ عاريةٍ ملطّخة بالدم.
قهوة جافة
- قال: أتتذكرين البحر القابع في فنجان قهوتنا؟
- قالت: جروح مكفنة بلون المارة.
كلما أضلّ الرماد طفلا صار أضحوكة
وكلما ازداد البحر بقعا صار جرحًًا
أخضرَ كفراشات الزوارق.
في البحر المجاور
كرسيٌّ طاف بالعطر والسمسم
بالذكريات المعلقة على أكتاف المشردين
الذين يركضون كلّ يوم في دُرجِ الهواء
بنظارات احتضنت أكياس الرمل
على شفاه مكسورة بالتين الرطب.
- يا لهذا الخوف!
كأكواخ صاعدة إلى الله
إلى عينين
احتدمتا بالموت والقبل
كطفل فقد خصلات شعره
عند أول جرعة مكفوفة عن الحياة.
- هو قبعاتٌ حملت أكتافًا من الجوع
وسريرٌ برّيّ يشبه الكرات
في الليل
أقضم الشيوخ المتدلين من رحم أمي
وأرى الإسفلت مطعونًا
بالفجوات.
هذا الليل عصيّ
كان خيطا مُحكمًا على أنفاسه
ليعاقب ما تبقّى من الرقص والأقدام.
تنهمر في وجهي كالمرآة
وخزا مفتونا
على الكرسي النائم أسفل الذقن.
في هذا الليل
أتكور
لأصير خزائن وعلاقات
أصير برميلا
يتربع كالمجارير
أصير وحلا ورديًّا
وجوربًا من نعاس.
اليوم نفسه يتكرر
كلّ يوم
نتراشق بالقبل
والبواخر
وبقايا الطعام
كأنّ العصافير ولدت بلا أسماء
كسيارات مدججة
بالمذابح.
وفي كل يوم
نقيس الوقت بأبواق البحر
ونقيس الأنفاس
بالأوحال
والأوهام
والإسفلت.
وفي أقدام الراقصات
نجره
كأكياس محطمة
فننتعل المطر
أسفل الضحك.
وفي الصباح
تلبس المآذن أصواتًا كالنائحات
لا بزغاريد الموت
ولا بالصراخ المتشقق
إنما كعاهرة بفستان مزرّر.
كل يوم
نباغت الأرق قبل موعده
بفتات الانتظار
والتحديق
بمن يتربّص بنا
على الوسادة
على حافة الديدان الجائعة
على الهرب والتوسّل.
طفلة
هناك حيث الله
طفلة
آثرت شبّاك الخبز
على وجه تسوده الفضلات
وجه يكنس الغبار عن أحذية المارة
ويصبغها بشارب رقيق
يخيط أطراف البحر
لتعود الطفلة سنبلة حمراء كالموج الرخيص
رامية ثوبها في موسم العنابر.
في أرجاء سرّتها
غبار المدن المطفأة
ونقّالات الموتى.
طفلةٌ عمرها مدافن
وعجلات قطار قديم
كانت تقفز
في المسافات نعشًا نعشًا
وتبصق رجالًا
ينطوون كالعقارب.