أقرّ المجلس النيابي اللبناني قانونًا جديدًا للانتخابات، ومدّد لنفسه للمرة الثالثة استعدادًا للمعركة الانتخابية التي يُفترض أن تُبدّل النسبية المعتمدة للمرة الأولى فيه من نتائجها. إنّه "قانون اللحظات الأخيرة" كما وُصف. ويختصر تجاذبات امتدت لسنوات بين القوى السياسية التي سعت في كل مرّة إلى تحقيق مزيد من المكاسب، لكن مبتغاها اصطدم بحسابات طبّاخي الجبنة الآخرين ومتقاسميها في آن، فاستُبدل إقرار القانون بالتمديد، لتلافي الفراغ الدستوري، تهدئة النفوس والدخول في جولة أخرى من الأخذ والرد. التقاسم والتقسيم.
يختصر قانون الانتخابات الجديد، تجاذبات امتدت سنوات بين القوى السياسية التي سعت في كل مرة لتحقيق مزيدٍ من المكاسب
خرج القانون إلى النور في جلسة مجلس النواب أمس الجمعة، بعد أن سبقه دخان أبيض، وأعقبته اعتراضات شكلية وتهانٍ "قلبية" من القادة السياسيين والمسؤولين الدوليين، كونه "يضع لبنان على سكة التمثيل الصحيح الذي تفرزه النسبية، ويضمن انتظامًا في عمل المؤسسات".
أفضل الممكن!
أفضل الممكن، عبارة/شمّاعة تجسد التفسير المناسب أو غير المناسب لما يكتنف ما تتوصل إليه الطبقة السياسية في لبنان من ثغرات وعيوب. وهي عبارة تتلازم في قاموس السياسة اللبنانية مع عبارة "الديمقراطية التوافقية"، التي تنتج عن معادلة تجمع الديمقراطية مع "هواجس" الطوائف في بلد التعددية وسلاح حزب الله الذي يقلب المعادلات وينسف التوازنات لصالح الحزب وحلفائه المحليين والإقليميين.
اقرأ/ي أيضًا: "الواجب الجهادي".. هكذا يواري حزب الله قتلاه في سوريا
وجاء القانون كـ"أفضل ما يُمكن" ومُجسدًا لـ"الديمقراطية التوافقية"، بعد أن تواصل عمل اللجان النيابية والسياسية المكلفة بدراسة مشاريع واقتراحات القوانين المقدّمة من الحكومة والنواب والكتل؛ لتقريب وجهات النظر وتذليل العوائق واختيار الصيغة التي ترضي العدد الأكبر من الأطراف.
من السلطة وإليها
اللافت في قانون الانتخابات الجديد الذي جاء باعتماد الصوت التفضيلي على أساس القضاء، أكثري في المضمون ونسبي في شكل، إذ اعتمد النسبية مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة؛ أنّ السلطة نفسها هي من وضعته. فمقدّمو اقتراحات القوانين هم الكتل النيابية ومن خلفها الأحزاب المتنافسة، ومن تدارسها و"بنى" القانون المُقرّ هي الأقطاب نفسها.
ما يعنيه هذا هو أنّ السلطة المنتخبة وضعت قانونًا انتخابيًا جديدًا ـتحت وطأة المطالبة بتغيير قانون 1960 الأكثري وفق مقتضيات إعادة انتخابها مجددًا في السادس من أيار/مايو من العام المقبل، بحسب الموعد النظري لإجراء الانتخابات النيابية وبموجب قانون التمديد الجديد.
علمًا بأنّ أصواتًا معترضة علت في الجلسة النيابية، بسبب الخطر الذي استشعرته من "مقصلة" هذا القانون، فيما خفتت أخرى لأنها وافقت على مضض بعد أن تمت مراعاة "خاطرها" بتقسيمات الدوائر دون أن يحميها ذلك في مناطق أخرى، حيث ستخسر مزيدًا من النواب.
التمديد الثالث.. ثابت
جرت الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان عام 2009، وقد انتهت الولاية الرسمية للمجلس بعد ست سنوات من حينه، ولا زال يعمل لسنتين إضافيتين قبل أن يُمدد لنفسه مرة أُخرى، دون أي مبرر منطقي أو داعٍ استثنائي، ففي كل مرّة كان تغيير قانون الانتخاب مادةً للتجاذب قبل أشهر من موعد إجراء الانتخابات، حيث تتشدد القوى في أطروحاتها وترفع سقف مغالاتها في مسعاها إلى تقديم صيغة "مثالية" تحقق التمثيل الأفضل للبنانيين، فتمرّ المدة الفاصلة ويدخل لبنان خطر الفراغ، الذي يلاقيه النواب بالتمديد.
انتهت الولاية الرسمية للبرلمان اللبناني منذ نحو عامين، إلا أنه مدد لنفسه 3 مرات كان آخرها مع إقرار قانون الانتخابات الجديد
كما تنافس المتنافسون قبيل التمديد السابق على المزايدة في موضوع إشراك المغتربين في الاقتراع من بلدان انتشارهم، في حين أن "طبخة الحصى" التي لانت بصورة مفاجئة قبل أيام، وباتت صالحة للأكل بعد أشهر، جاءت من دون إقرار الكوتا النسائية وتصويت المغتربين.
بيانات وبيض فاسد
قبل ما يقرب الأسبوع، انتشر شبان وشابات في أحياء عدة من العاصمة بيروت، يسيرون تحت شمس الصيف الحارقة وبأيديهم رزم من الأوراق البيضاء التي يمدون إحداها للمارّة ويبادرون إلى القول: "هل تعلم أن المجلس النيابي سيمدد لنفسه، هل توافق على ذلك؟". تبعًا لردود الأفعال، فإمّا أن يستجيب الشاب بضخ مزيدٍ من الأسئلة التي تتضمن رفضًا للتمديد أو يمضي في طريقه تاركًا لدى من حادثه ورقةً تعترض على التمديد باللغة نفسها.
اقرأ/ي أيضًا: الإقطاع السياسي اللبناني.. ع السكين يا جمهور!
بالأمس لم يغب الشباب المعترض على التمديد للمجلس النيابي عن مشهدية ساحة النجمة، حيث مقر المجلس في وسط بيروت، وقد عمد عدد منهم إلى رشق سيارات النواب عند مرورهم بالبيض الفاسد والبندورة والحجارة، وأظهرت مقاطع فيديو تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي اشتباكًا وتلاسنًا بين المحتجّين والقوى الأمنية المولجة لحماية ساحة النجمة.
اقرأ/ي أيضًا: