إعداد: عزمي عبد الرازق وعز الدين التميمي
فاجأت زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى إسرائيل الأوساط السياسية والشعبية التشادية، إلى درجة إعلان أحزاب وحركات سياسية رفضها تلك الزيارة، واعتبار أنها تمثل ديبي وحده، إذ هدُف من ورائها إلى الحصول على ضمانات دولية بعدم تعرضه للمساءلة جراء الاتهامات التي ظلت تلاحقه بالفساد والقمع، بجانب استئناف عملية استيراد الأسلحة لمواجهة المعارضة التشادية المسلحة، والتي تتهم الرئيس إدريس ديبي أيضًا بالهيمنة على السُلطة وتعديل الدستور أكثر من مرة بالقوة الجبرية، للمواصلة في الحكم.
من الملاحظ أن ثمة شبكة واسعة من العلاقات البديلة، التي تساهم إسرائيل في تأسيسها، بين نظام ديبي المدان حقوقيًا وبين أطراف فاعلى في "المجتمع الدولي"
تشاد في صف المقاومة الفلسطينية
أصدرت حركة الخلاص الوطني التشادية بيانًا تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، أدانت فيه زيارة ديبي إلى تل أبيب، وقال البيان إن "حركة الخلاص الوطني باسم الشعب التشادي تدين بشده وترفض كافة مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني"، مشيرًا إلى أن الشعب التشادي بكافة انتماءاته الدينية وألوانه السياسية يدعم ويساند المقاومة الفلسطينية، وكل حركات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني. مضيفًا أن "ما يقوم به إدريس ديبي المجرم لا يمثل إرادة الشعب التشادي بل يمثل شخصه"، على حد وصف البيان الذي مضى للتأكيد أن 50 عامًا من مقاطعة الشعب التشادي لهذا الكيان هو دليل دامغ على أن هناك موقفًا شعبيًا موحدًا ضد ممارسات العدو الصهيوني، واحتلاله للأراضي الفلسطينية ومقدساتها الدينية كافة.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية ومسلسل التطبيع.. متى سيرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض؟
فيما استنكر بيان حركة الخلاص الوطني الزيارة، معتبرًا أنها تمثل خرقًا لحالة الإجماع الشعبي الموحد حول تلك القضية، وأنها "تفتح الباب للتعامل السلبي مع طريقة فرض الأمر الواقع التي اتبعها الكيان الصهيوني منذ أن اغتصب أرض فلسطين"، فضلًا على أنها تأتي في الوقت الذي تزداد فيه العربدة الصهيونية ضد أشقائنا الفلسطينيين. وفقًا للبيان الذي دعى الشعب التشادي بكافة مكوناته لرفض مثل هذه الزيارات أيًا كانت مكانة القائمين بها، فإن كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوضة على كافة المستويات.
استدعاء مواقف هبري
أجرت صفحة تشاد 24 ساعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مقارنة بين الرئيس إدريس ديبي والرئيس التشادي السابق حسن هبري، حول الموقف من دولة الكيان الصهيوني، وعرضت الصفحة صورة للرئيس التشادي ديبي بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصورة أخرى جمعت بين الرئيس التشادي السابق هبري مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقالت الصفحة التي يديرها ناشطون تشاديون، إن الفرق شاسع بين الصورتين منددة بمواقف بعض الدول العربية التي تبنت ما يعرف بصفقة القرن، قائلة "وما إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني إلا الخطوة قبل الأخيرة"، مع محاولة التذكير بموقف الزعيم التشادي الأفريقي حسين هبري؛ "رغمًا عن الحكم الشمولي الذي كان يحكم به، فهو يظل صاحب أيادٍ بيضاء علي القضية الفلسطينية العادلة وظل منافحًا ضد الاستعمار الفرنسي والهيمنة الغربية".
جولات حفيد ديبي وماعوز السرية
من الجدير بالذكر أن الزيارة سبقتها جولات سرية، إذ حط وفد إسرائيلي في تشاد خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتقى مع مسؤولين بارزين في الحكومة التشادية، وكذلك مع ابن الرئيس التشادي زكريا ديبي الذي يتحفز لوراثة الحكم عن والده، وهدفت الزيارة السرية للتمهيد لزيارة الرئيس إدريس ديبي، واستئناف العلاقات التي قطعتها تشاد مع إسرائيل في سبعينات القرن المنصرم، ضمن مواقف الدول الإسلامية. وردًا على ذلك أرسلت تشاد بالمقابل وفدًا برئاسة نجل الرئيس، على أمل توطيد العلاقة بين البلدين، واستئناف عملية شراء الأسلحة من إسرائيل، وفتح تشاد الغنية باليورانيوم أمام الشركات الاسرائيلية.
الهدف المستتر وراء الزيارة
تعليقًا على الزيارة وأصدائها الداخلية، أوضح الكاتب والناشط السياسي التشادي محمد طاهر أورديمي أن التشاديين بمختلف أحزابهم ودياناتهم يقفون ضد التطبيع مع إسرائيل، ومواقفهم من القضية الفلسطينية جلية وناصعة، وقال أورديمي في حديثه لـ"ألترا صوت"، إن ديبي فشل في إدارة البلاد وشعبيته انخفضت بشدة بسبب ما وصفه بـ"تردي الوضع المعيشي والصحي والإداري والفساد والمحسوبية"، كذلك فإن سجل علاقاته مع فرنسا ليس جيدًا، وبالتالي فهو يهرول إلى نسج علاقة ما مع إسرائيل مقابل مساعدات مالية او أسلحة.
وبخصوص الهدف الخفي من وراء الزيارة، بين محمد طاهر أن الهدف الخفي هو "تكريس السلطة بأي طريقة ممكنة حتى لو ذهب الأمر إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، بالرغم من رفض معظم الشعب التشادي لمثل هذه العلاقات"، بجانب أن المعارضة التشادية المسلحة، والداخل يضيقون الخناق على نظام ديبي ويهددون سلطته، لذلك "يطلب المساعدات العسكرية والمالية من إسرائيل مقابل السماح له بنهب خيرات الوطن ونشر شركات عسكرية إسرائيلية تجسسية لمراقبة الدول المجاورة لنا".
رفض سوداني للتطبيع
في السودان الجارة الغريبة لتشاد، تصاعدت ردود الأفعال بصورة واسعة بعد تسرب معلومات عن فريق إسرائيلي خاص يقوم بالنظر في تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم، من المتوقع أن تفضي إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى السودان في وقت قريب. وكانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية/شبكة مكان، قد ذكرت أن نتنياهو يعتزم زيارة السودان، قائلة إن "هنالك طواقم إسرائيلية تعمل على بناء علاقات مع الخرطوم".
وفي الحال أبدت قيادات سياسية سودانية رفضها لخطوة التطبيع مع إسرائيل، مشككين في أن الحكومة السودانية لديها تواصل خفي مع تل أبيب، لكنها تتنكر عليه خشية غضبة الشارع السوداني، واعتبر ناشطون أن زيارة الرئيس التشادي إلى إسرائيل خطوة لها تأثيراتها على العلاقة مع السودان، فإما أن يلتحق بالجارة الغربية أو أنه سيدخل في مناوشات عسكرية على الحدود، بسبب المواقف العدائية الإسرائيلية لكل من يخالف سياساتها وتحركاتها المشبوهة.
في السياق عينه، نفي قيادي في الحزب الحاكم السوداني صحَّة الأنباء التي أوردتها هيئة البث الإسرائيلية، عن نية نتنياهو، زيارة الخرطوم. وقال عبد السخي عباس القيادي في المؤتمر الوطني، إن نتنياهو لا يمكنه زيارة السودان، ولا حديث لهذه الزيارة في الأوساط الرسمية السودانية، معتبرًا ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية عاريًا من الصحة، مشددًا على أن موقف بلاده واضح حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويرتبط ارتباطًا جذريًّا بالقضية الفلسطينية. وأضاف عبد السخي: "متى ما كفت إسرائيل عن ممارساتها العدائية تجاه فلسطين، يمكن للسودان تأسيس علاقة معها بعيدًا عن التأثيرات الدينية".
اقرأ/ي أيضًا: العلاقات الهندية الإسرائيلية.. كيف انتهى فجأة تاريخ من "عدم الانحياز"؟
دعوات تطبيع متقطعة
ظلت دعوات التطبيع تتردد بين الحين والآخر في الشارع السوداني الذي ينظر إلى إسرائيل باعتبارها دولة معادية، منذ ما عرف بقمة "اللاءات الثلاثة" الشهيرة في الخرطوم عام 1967، وهي "لا صلح، لا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني"، بخلاف أن إسرائيل نفذت أكثر من غارة داخل الأراضي السودانية، آخرها قصف مصنع اليرموك الحربي جنوب الخرطوم في تشرين الأول/أكتوبر 2012، وأحالت ليالي العاصمة السودانية إلى جحيم. وهددت الحكومة السودانية وقتها بالرد على تل أبيب بالطريقة المناسبة، غير أن لهجة العداء تراجعت قليلًا بين الجانبين مؤخرًا، حيث تنظر إسرائيل للسودان باعتباره دولة مهمة ومفتاحية لأفريقيا والبحر الأحمر، يمكن أن تؤمن لها العديد من المنافع الاقتصادية والسياسية، مع الإشارة أيضًا إلى تقارير صحفية تحدثت عن دور تل أبيب في رفع العقوبات الأمريكية عن السودان.
استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتتالية، من خلال لوبياتها المؤثرة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، أن تكون واجهة لعشرات الأنظمة الديكتاتورية
من بين الشخصيات التي تؤيد التطبيع جهارًا نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار السابق مبارك الفاضل المهدي، ورئيس حزب الوسط المثير للجدل يوسف الكودة، كما انطلقت الدعوات من داخل فعاليات الحوار الوطني الذي ابتدرته رئاسة الجمهورية في الخرطوم، ومن قبل فجرت الناشطة السودانية تراجي مصطفى التي تعيش في كندا وشاركت في ذات الحوار الوطني دعوة مماثلة، وأعلنت تكوين جمعية سودانية للصداقة مع إسرائيل، إلا أن تلك الدعوات لم تلق تأييدًا في الشارع السوداني.
لماذا أفريقيا؟
دأبت إسرائيل منذ تأسيسها فوق أنقاض مئات آلاف الفلسطينيين ومجتمعهم، على السعي إلى تطوير علاقاتها مع دول أفريقية عدة، فيما بقيت هذه العلاقات مرتبطة دائمًا بالتطورات الإقليمية والدولية. وفي الفترة الأخيرة، يترافق تنامي التطبيع بين دول عربية عدة وتل أبيب، مع توجه واضح عززته إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو خلال السنوات الماضية، نحو فتح آفاق جديدة لصادراتها العسكرية ومبعوثيها الدبلوماسيين في أفريقيا، بالإضافة إلى شرق وجنوب آسيا.
يرتبط فهم هذا التطور بعدة متغيرات إقليمية ودولية، وكذا محلية متعلقة بالصراعات بين النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية. حيث إن التنامي في هذه العلاقات، والانتقال النوعي من التعاملات الاستخبارية والاقتصادية السرية، إلى الزيارات الرسمية العنلية، لا يحقق جزءًا من طموح إسرائيلي قديم فقط، ولكنه مرتبط أيضًا، بواحدة من النجاحات القليلة للإدارة اليمينية في إسرائيل، بزعامة نتنياهو، ودعايتها العامة. وقد أصبح من المعروف، أن "اختراق" إسرائيل لما يسمى بالمحور "السني المعتدل"، وتحقيق تقدم في التعاون مع دول أفريقية وآسيوية، أصبح جزءًا رئيسيًا من سردية نجاح نتنياهو "القوي في الخارج".
الاستثمار في الإجرام
تتنوع الأسباب التي تسعى إسرائيل من أجلها إلى توطيد العلاقة بالقارة الأفريقية، حيث يُحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق كثيرة تسودها النزاعات الأهلية. غير أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، طالما استطاعت استغلال تجاوزاتها للقوانين الدولية، التي يتم غض النظر عنها، لتحقيق إنجازات دبلوماسية واقتصادية. وليس بعيدًا عن ما يحدث اليوم، فإن علاقات تل أيب مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، كانت المثال الأبرز على هذه السياسة. إذ سعت إلى اختراق العزلة الدولية التي كانت مفروضة على نظام الفصل العنصري آنذاك، من خلال تزويده بالأسلحة والصادرات الأمنية وعقد صفقات الماس الأفريقي المهرب من مناطق النزاع بأشكال غير شرعية.
اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل.. 3 مراحل و3 أهداف
تفعل إسرائيل الأمر نفسه مع عدد غير قليل من الدول الأفريقية والآسيوية، التي تسود فيها صراعات أهلية، حيث تتجنب غالبًا الدول الأوروبية تصدير الأسلحة إليها. وتشير عدة تقارير، في هذا السياق، إلى أن إسرائيل دأبت على تصدير الأسلحة إلى هذه الدول، في نوع من المساومة على المواقف السياسية، وكذا على الموارد الطبيعية. ولعل تجارة الماس المصقول، الذي تُعد أفريقيا مصدرًا بارزًا لمادته الخام، هي المثال الأوضح على ما تجنيه إسرائيل من تصدير الأسلحة لمناطق النزاع.
تل أبيب.. قبلة الاستبداد الدافئة
لقد استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتتالية، من خلال لوبياتها المؤثرة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، أن تكون وجهة أساسية لعشرات من الأنظمة الديكتاتورية في العالم الثالث. إذ أن هذه الأنظمة تسعى إلى حل أزماتها السياسية والحقوقية، من خلال التصالح مع إسرائيل، وبناء تحالفات معها. وعلى ما بدا من وقائع أخيرة، مثل جريمة اختطاف واغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، أن إسرائيل تمارس ضغوطات واسعة على الدول الغربية، دفاعًا عن الأنظمة المتحالفة معها، على اعتبار أن الاستقرار والمساهمة في إرساء السلام، أهم من المسائل الحقوقية.
ليس من باب المصادفة، أن الدول التي غالبًا ما تتأثر سياساتها الخارجية بالمال السياسي السعودي والإماراتي، هي الدول التي تقيم علاقات مستجدة مع تل أبيب
تتنافس هذه الأنظمة على كسب ود الولايات المتحدة تحديدًا، والغرب بشكل عام، من خلال كسب ود إسرائيل. غير أن هذه العلاقات لا تقتصر على هذا المسار. فمن الملاحظ أن ثمة شبكة واسعة من العلاقات البديلة أيضًا، التي تساهم إسرائيل في تأسيسها، بين الدولة غير الآبهة بقضايا الحريات، في مواجهة عامة ضد الضغوطات الحقوقية، التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني. يعزز ذلك، ما تتداوله تقارير يومية عن تحول إسرائيل إلى رمز لليمين الشعبوي في كثير من الأماكن في العالم.
شعوذة السعودية والإمارات في خيمة تل أبيب
تلعب السعودية والإمارات، دورًا مهمًا في التوسع الإسرائيلي في أفريقيا. وليس من المصادفة، أن الدول التي غالبًا ما تتأثر سياساتها الخارجية بالمال السياسي السعودي والإماراتي، هي الدول التي تقيم علاقات جديدة ووثيقة مع تل أبيب. تنطبق هذه الحال على تشاد، وكذا على الجهود الواضحة التي تبذلها أبوظبي والرياض بوساطة مصرية في السودان.
يسعى بنيامين نتنياهو بشكل واضح، إلى تمرير عملية التسوية القسرية، التي تطلق عليها الإدارة الأمريكية صفقة القرن، قبل الدخول في مسار انتخابي جديد، وتحاول السعودية المساهمة في استقطاب عدد كبير من الدول والعلاقات الجديدة لإسرائيل، لتعزيز سردية نتنياهو عن دوره في تقوية المكانة الاستراتيجية لإسرائيل، في مقابل الدور الذي يلعبه نتنياهو في جعل عملية السلام، تظهر ابن سلمان كرجل مسالم، وهو ما يمكن أن يخلصه من عواقب ملف اغتيال خاشقجي، والضغوط التي تخضع لها إدارته باستمرار.
اقرأ/ي أيضًا: