طيلة السنوات الماضية، استطاع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أن يثبت أقدامه بسيطرته على مساحات واسعة في المجال العربي، لتبلغ بذلك المجموعات الجهادية ذروة انتشارها وتمكينها العسكري منذ بداية تفرّخها نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حيث زحف تنظيم الدولة كسرب أسود متمكنًا من الأراضي في المجال الشامي، فاُعلن عن "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ثم أعلن "دولة الخلافة"، وخرج من لقب نفسه بـ"خليفة المسلمين" طالبًا المبايعة، متجاوزًا القيادة التاريخية لتنظيم القاعدة وفصيله جبهة النصرة في سوريا، فلقد أعلنت الدولة عن نفسها!
وسيطر التنظيم على ثلاثة مدن رئيسية في المجال العربي، هي الرقّة الواقعة شرقي نهر الفرات شمال سوريا، والموصل ثاني أكبر مدن العراق وواحدة من أقدم الحواضر الإنسانية في المشرق العربي، ومدينة سرت ثالث أكبر مدن ليبيا، وذلك في نيسان/أبريل 2013، وحزيران/يونيو 2014، وحزيران/يونيو 2015 على التوالي.
وتمكّن التنظيم من تفتيت الحدود العراقية السورية وإعلان "الخلافة" الموعودة، وسيطر في معارك كرّ وفرّ على مساحات واسعة من محافظة حلب، وتمدّد في المجال المغاربي بالسيطرة على سرت قاطعًا الطريق الساحلي بين شرق ليبيا وغربها، فيما تنشط جماعات موالية له بين الحدود التونسية الجزائرية، إضافة لجماعات أخرى في شبه جزيرة سيناء بمصر وفي اليمن.
لم تدم سيطرة داعش على 3 مدن هامة في المجال العربي طويلًا، فقد خسر سرت الليبية، وقبل أيام خسر الموصل، وها هو على وشك خسارة الرقة
غير أن السيطرة على ثلاث مدن رئيسية حيوية في المجال العربي، لم تكن لتدوم طويلًا، فقد تحرّرت سرت من سيطرة داعش في كانون الأول/ديسمبر 2016، ولحقتها الموصل في تموز/يوليو الجاري، فيما لا يزال تحرير الرقّة، وهي مركز القيادة العملياتية للتنظيم، أو كما باتت مشهور بـ"عاصمة الخلافة"، على بعد مسافة يسيرة يظلّ زمن قطعها موقوف على مآل الحسابات الكردية والتركية والأمريكية.
الموصل.. سياق السقوط ومسار التحرير
بقدر ما استلزم تحرير الموصل زمنًا ومعارك ضارية وخسائر بشرية ومادية، بقدر ما كان سقوطها قبل ثلاث سنوات سريعًا بشكل دراماتيكي، ما طرح أسئلة لا زالت أجوبتها القاطعة معلّقة لليوم. وقد تزامنت سيطرة التنظيم على المدينة، في صيف 2014، مع حالة الغليان الشعبي تجاه سياسات حكومة نوري المالكي، حيث عرفت منطقة غرب العراق، ذات الغالبية السنية، عام 2014 احتجاجات شعبية واسعة ضد سياسات المالكي الموصوفة بالطائفية.
اقرأ/ي أيضًا: ليس داعش وحده داعش
وقد مثّل ذلك المزاج السني العام، قاعدة خصبة لصعود داعش، خاصة وأن الحالة الشعبية المناوئة للحكومة المركزية تزامنت مع مواجهات محدودة وقتها بين القوات العسكرية المركزية مع المجموعات المحلية المسلحة.
في تلك الأثناء استغلّ تنظيم الدولة هذا الحراك ليتمدّد بين العراق وسوريا، غير أن هذا التمدّد هو حقيقة استعادة للنفوذ الميداني في المركز التاريخي له، إذ تعود جذور التنظيم لـ"دولة العراق الإسلامية" بقيادة الزرقاوي، التي استطاعت السلطة المركزية في العراق من تحجيمها بشكل شبه كامل بدعم من مليشيا الصحوات، وهي مجموعات محلية عشائرية، وكذا القوات الأمريكية، وذلك قبل أن يبزغ التنظيم من جديد في سوريا مستغلًا عسكرة النظام السوري إبان الحراك الثوري، ليعلن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في نيسان/أبريل 2013، ومن ثمّ "الدولة الإسلامية" في حزيران/يونيو 2014، بعد السيطرة الكاملة والسريعة بشكل مريب على الموصل.
وسرعان ما أعلن التنظيم نواياه للزحف نحو بغداد وكربلاء، إذ مثل السقوط السريع للموصل محفزًا له لتوسيع رقعة دولته المعلنة، في ظل تبادل القيادات السياسية والعسكرية الاتهامات بالتقصير والتواطؤ. وفي خضم ذلك، تشكّلت مليشيا الحشد الشعبي بموجب فتوى من علي السيستاني المرجع الشيعي الأكبر في النجف، وأصبحت هذه القوات نظامية تابعة للحكومة العراقية، حيث صدر قانون خاصّ بها تشرين الثاني/نوفمبر 2016.
وقد مثلت مليشيا الحشد الشعبي رأس حربة، مع بقية القوات النظامية، في مواجهة تنظيم الدولة طيلة السنوات الثلاثة الماضية، ولعبت دورًا محوريًا في هزيمة داعش بالموصل. وإن ما كان الجدل دائمًا ما يُثار حول انتماء غالبية قوات الحشد للشيعة، وبأن إنشائها تم بفتوى دينية وليس بقرار سياسي، بل وبأن انتماءها وتمويلها يعود لـ"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، فقد ظلّ السؤال حول الدور المستقبلي للحشد في المشهد العراقي، فسبب إنشاؤها تهديد أصبح على وشك التلاشي تمامًا من الأراضي العراقية.
فدائمًا ما يأتي الحديث حول خشية القوى الإقليمية السنيّة وتحديدًا المملكة العربية السعودية من الحشد الذي يُنظر إليه كأداة إيرانية، غير أن هذه التخوّفات يبدو أنه تمّ معالجتها بصفة أولية منذ نشأة التنظيم. في حيث نستذكر في هذا الإطار، ما كتبه قبل ثلاث سنوات المغرّد الشهير "مجتهد"، وهو من المقربين من دائرة القرار في السعودية كما يتضح، بأنه حصل اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وإيران، يقضي بتدخلٍ إيرانيٍ غير مباشر عبر المليشيات الشيعية لإيقاف تقدم التنظيم، شرط عدم اقتراب هذه المليشيات من الحدود السعودية. وهو الاتفاق الذي يبدو أنه تم احترامه حتى الآن، ولكن يظلّ السؤال دائمًا عن دور الحشد في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، خاصة وأنه بات قوة نظامية ذات ارتباط عضوي وثيق بإيران، ويواجه سيلًا من الاتهامات بانتهاكات جسيمة يمارسها ضد المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها.
وفقًا للمغرد الشهير "مجتهد"، وقّعت السعودية على اتفاق مع أمريكا وإيران، يقضي بتدخل إيران عبر مليشياتها لمحاربة داعش وعدم الاقتراب من حدودها
وبالعودة لمسار تحرير الموصل، فيغلب التأكيد بأنه استغرق زمنًا طويلًا، حيث ظلّت مدينة الموصل، وهي ثاني أكبر مدن البلاد، خارجة عن سيطرة الدولة لثلاث سنوات كاملة. فقد عرّى سقوط المدينة مدى استفحال الأزمة العراقية الداخلية، وأثرها المكلِّف على الثقة في أجهزة الدولة وكفائتها، وهو ما جعل الولايات المتحدة وحلفائها تسارع لتشكيل التحالف الدولي، لتنطلق أولى ضرباته الجوية في آب/أغسطس 2014.
وتشكلت في الأثناء، حكومة جديدة في بغداد بقيادة حيدر العبادي، بعد توافقات عسيرة بين أهم القوى السياسية الفاعلة في البلاد، وهي توافقات واجهتها صعوبات، سواء من حيث سعي رئيس الحكومة لتحرير نفسه من حزامه السياسي الخانق عبر جملة قرارات منها تشكيل حكومة تكنوقراط سنة 2016، وكذلك من حيث استمرار الاحتجاجات الشعبية، ومنها احتجاجات 2015 والتي شملت المحافظات الوسطى والجنوبية بسبب ضعف الدولة وسوء خدماتها الاجتماعية.
اقرأ/ي أيضًا: موصل ما بعد داعش.. فرح عابر وخوف من المستقبل
في الأثناء، واصل تنظيم الدّولة قيادة خلافته المزعومة من الموصل، وعجزت السلطة على تحرير المدينة في ظلّ محدودية أداء القوات العراقية، وهو ما استلزم تدريبًا لها، كما عطّل السّجال حول مشاركة الحشد الشعبي، من التحشيد السياسي اللازم، فكان التأجيل عنوانًا دائمًا لتحرير المدينة، وذلك في ظلّ تأكيدات دائمة من السلطة على ضرورة وضع خطّة ناجعة تحمي المدنيين، يبدو أنها لم تنجح وفقًا لما تنقله تقارير عن انتهاكات مستمرة منذ بداية معركة الموصل.
وبعد أشواط من الانتظار، أعلن رئيس الحكومة حيدر العبادي إطلاق عملية "قادمون يا نينوى" في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2016، والتي ضمت الجيش والأمن العراقيين وقوات الحشد الشعبي ومجموعات شيعية موالية للحكومة، إضافة لقوات البشمركة الكردية، مع دعم عملياتي واستخباراتي من التحالف الدولي. وقد توزعت القوات المشاركة في العملية العسكرية، والمقدّرة بقرابة 65 ألف جندي، على محاور متعدّدة.
وتمكنت هذه القوات بعد أقل من شهر من انطلاق العملية، من دخول شرق الموصل، ولكن تعطّلت عمليات الزحف نحو المدينة بسبب استعمال تنظيم الدولة للانتحاريين والمفخخات، إضافة لاستعمال المدنيين كدروع بشرية، إذ ذكرت مصادر من الأمم المتحدة، بأن التنظيم اتخذ ما لا يقلّ عن خمسة آلاف عائلة كدروع بشرية في قضاء الشورة، خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وقد استطاعت القوات تحرير المدن والقرى شرق نهر دجلة، بنهاية شهر كانون الثاني/يناير 2017.
وفي شهر شباط/فبراير الماضي، انطلقت المرحلة الثالثة من العملية لتحرير غرب الموصل، وقد استولت القوات العراقية على قاعدة الغزلاني العسكرية، التي هي أكبر منشأة عسكرية في الموصل، ودخلت غرب الموصل للمرة الأولى، لتسيطر مع بداية شهر آذار/مارس على آخر طريق رئيسي إلى غرب المدينة.
واستمرّت العمليات بزحف القوات العراقية، وسيطرتها على القرى والمباني بدعم من التحالف الدولي، في ظل مقاومة شرسة من تنظيم الدولة، ومع تصاعد الكلفة الإنسانية، خاصة بنزوح مئات الآلاف من العائلات من الموصل والمناطق المحيطة بها.
واستطاعت القوات العراقية تطويق المدينة القديمة في الموصل، حيث أسقطت 500 ألف منشور يوم 18 حزيران/يونيو، أعلموا فيها المواطنين ببدء الهجوم من جميع الاتجاهات.
وفي خضم آخر معارك تحرير الموصل، دُمر مسجد النوري ومنارته الحدباء، في ظل تبادل الاتهامات بين القوات العراقية والتحالف الدولي من جهة، وداعش من جهة أخرى، حول المسؤولية في تدمير هذا المعلم التاريخي، والذي أعلن منه أبو بكر البغدادي دولته الإسلامية.
وقد أعلن حيدر العبادي في الأول من تموز/يوليو، انتهاء "دويلة باطل الداعشية"، مع تواصل عمليات الكرّ والفرّ مع ما تبقّى من قوات التنظيم، وليعلن بعد 10 أيام، تحرير المدينة بالكامل، مشيرًا بأن المرحلة القادمة هي تطهير ما تبقى من خلايا داعش، وهو ما يتطلب "جهدًا استخباريًا وأمنيًا"، حسب قوله.
أبو بكر البغدادي.. مقتل خليفة موهوم
صعد على منبر مسجد النوري في 29 حزيران/يونيو 2014، ليعلن نفسه خليفة على المسلمين، ومطالبًا إياهم بمبايعته. إنه إبراهيم عوّاد، أو أبو بكر البغدادي كما اتّخذ لنفسه كنية. وبالعودة للمعطيات المتعلّقة به والتي تتناقلها وسائل الإعلام، فالخليفة المزعوم من مواليد السمراء ببغداد سنة 1971، ودرس القرآنيات بكلية الشريعة الإسلامية في بغداد، حتى حاز على درجة الدكتوراه سنة 2006، وقد عمل قبل غزو العراق كإمام خطيب.
وانضمّ للتشكيلات الجهادية المسلّحة مباشرة بعد غزو العراق، حيث ساهم في تأسيس جماعة "جيش أهل السنة والجماعة"، قبل القبض عليه ليقضي 10 أشهر في سجن "بوكا"، وهو سجن حرب أمريكي جنوب العراق. وبعد خروجه من السّجن، انضم لتنظيم القاعدة في العراق، وتقدّم في المراتب حتى بات أميرًا لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" سنة 2010، بعد مقتل أميرها السابق أبو أيوب المصري، والذي خلف الزعيم المؤسس أبو مصعب الزرقاوي، الذي اغتيل بضربة عسكرية في حزيران/يونيو 2006.
وبعد سنة من صعوده للإمارة، استغل عسكرة النظام السوري للثورة سنة 2011، ليجد أرضية خصبة للانتشار، وليؤسس "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في ربيع 2013، وليفكّ الارتباط لاحقًا بجبهة النصرة والقيادة التاريخية لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري.
وتتالت في الأثناء طيلة السنوات المنقضية، أخبارٌ حول مقتله بين الحين والآخر، وذلك قبل أن تعلن وزارة الدفاع الروسية ذلك، وهو ما لم تؤكده قوات التحالف، فيما أعلن مؤخرًا المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه تلقى معلومات مؤكدة عن مقتل البغدادي، وذلك في ظل تواتر الأنباء بشكل كثيف حول صحة الخبر، خاصة مع عدم نفي تنظيم الدولة لهذا المعطى، وفي ظل حديث تقارير إعلامية عن وجود صراعات داخل التنظيم لخلافته.
ويظلّ السؤال الآن حول هوية الخليفة القادم لما تبقّى من تنظيم خسر عاصمته في الموصل، كما خسر قبلها مركزه الرئيسي في شمال إفريقيا، بسرت الليبية، فيما لم يبق له إلا مدينة الرقة التي تعدد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، العدة، بدعم أمريكي، للسيطرة على المدينة ودحر داعش.
فناء التنظيم والسيناريوهات الممكنة
هل فنت الدولة المزعومة بدون رجعة أم ما زالت مستمرّة مستقبلًا؟ وماهي الخيارات أمام ما تبقّى منها؟
نعم تحرّرت الموصل وسقطت عاصمة داعش في العراق، ولكن ما زالت قواته تقاوم في محيط المدينة، بحيث لم تسيطر القوات العراقية على جميع أراضي البلاد، وذلك في ظلّ تعدد السيناريوهات المتوقعة، وهي إما أن يركز قواته في مدينة مركزية وهي الرقة، بالعودة شرقًا ليحول دون سقوطها منه، وما يعنيه من خسارة جميع مراكزه الحيوية، وهو ما لا يمنع مواصلة مرابطة بعض قواته في عمليات كرّ وفرّ مع القوات العراقية في القرى الحدودية بين سوريا والعراق.
إلا أن المسار الأخطر والمُرجّح، هو أن تفككّ القيادات الميدانية للتنظيم في الموصل ومحيطها، المجموعات المنتظمة، وتوجّه أفرادها للاندساس ضمن المدنيين كذئاب منفردة في عمليات انتقامية ضد القوات العسكرية وكذلك ضد المدنيين. ويكتسب تنظيم الدولة خبرة في هذا التكتيك، خاصة عبر استعمال الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وذلك منذ سنوات عديدة. ومواجهة هذا التحدّي يستلزم جهدًا استخباراتيًا وأمنيًا مكثّفًا من قبل الأجهزة العراقية.
اقرأ/ي أيضًا: كيف أصبح الدهس بالسيارة سلاحًا مفضلًا لدى الإرهابيين؟
ولكن هل فنيت "الدولة الإسلامية" في النهاية؟ من الصعب أن يُعلن التنظيم من تلقاء نفسه عن فناء "الدولة الإسلامية" التي تطورت من دولة العراق، إلى دولة الشام والعراق، ثم باتت "الدولة" التي أعلنت "الخلافة الإسلامية". فإعلان الفناء هو هزيمة أيديولوجية قبل أن تكون عسكرية، وبالتالي يُرجَّح أنه لا رجوع عن مرحلة "الدولة" التي كان يقول أنصارها إنها "باقية وتمدد"، فيما قد يقولون مستقبلًا إنها "باقية" فقط.
إلا أن عدم إعلان عدم فناء "الدولة"، لن يمنع من فنائها المادي كدولة تضمّ دواوين وأجهزة وولاة، كما حكم التنظيم في السنوات الثلاث الماضية في المناطق التي سيطر عليها، غير أن هذا يستلزم دحره عسكريًا بشكل يحول دون وجود سلطة له على أي أرض، وهو ما قد لا يمكن تحقيقه إلا على المدى المتوسط، وربما البعيد، خاصة في سوريا.
فناء "دولة" داعش يستلزم دحرها عسكريًا بشكل كامل، وهو ما قد لا يتحقق إلا على المدى المتوسط، وربما البعيد خاصة في سوريا
إذ يكتسب التنظيم خبرة عسكرية منذ سنوات عديدة، وهو ما تعزّز في السنوات الأخيرة منذ سيطرته على أراضي شاسعة، وانضمام الآلاف لصفوفه، وبعد خسارته في سرت والموصل، ستكون الرقة، وهي معقله الرئيسي والأخير، مركز رباطه للمقاومة والحيولة دون تحريرها. وعلى فرض ذلك، على الأرجح أن يواصل التنظيم سيطرته على أراضٍ على الحدود السورية والعراقية في مناطق وعرة خبرها سابقًا، بل ربّما قد تتجه "قسد" نحو طرده من الرقة وتأمين هذه المدينة، وذلك دون ملاحقته التي قد تمثل استنزافًا لهذه القوات التي ستعطي الأولوية لتأمين المدينة على دحر التنظيم من سوريا. وتتعلق نفس الصورة بالنظام السوري الذي لا طالما استغلّ التنظيم كبعبع للترويج لنفسه أمام الرأي العالمي، بأنه يواجه مؤامرة كونية تقودها جماعات إرهابية.
بالنهاية، تحرير المدن هو نصر بإنهاء شبح غراب أسود اقتات من فشل الدولة والطبقة السياسية في تسوية نزاعاتها، فلم تكن الجبهة الداخلية الهشّة في العراق وسوريا وليبيا، إلا الأرضية المهيئة لانتشار تنظيم الدولة. فكان التحرير مُكلفًا، خاصة في الموصل التي هي واحدة من أقدم الحواضر التاريخية للعرب والمسلمين، ولكنه نصر بطعم المرارة، وتحرير بسمّ التدمير، إذ تتلاشى "الدولة الإسلامية" اليوم رويدًا رويدًا على الأرض، ولكن أسباب ومهيئات انتشارها ما زالت موجودة بتواصل فشل "الدولة الوطنية" في إرساء وحدة جامعة في العراق، وفي إنهاء حرب أهلية في سوريا وليبيا.
اقرأ/ي أيضًا: