10-يوليو-2024
الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي ناتو

قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن (رويترز)

بخلاف ما كانت تنتظره واشنطن من تنظيم قمةٍ مبهجة لحلف شمال الأطلسي، بمناسبة ذكرى تأسيسه الـ75، وانضمام السويد وفنلندا قبلها للحلف؛ تُنظَّم القمة التي تستضيفها العاصمة الأميركية لمدة 3 أيام وسط حالةٍ من الشك في قدرة الحلف على مواصلة الردع ومواجهة المخاطر التي تتهدّده داخليًا وخارجيًا، وذلك بسبب ما تمر به الدول الرئيسية في الحلف من صعوباتٍ، وحالة الغموض السياسي التي تعتري أوروبا بصفةٍ عامة في ظل موجة صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلدٍ عضو في حلف الناتو، الذي طالما شكل حجر الزاوية في أمن القارة العجوز، ضد التوسع السوفييتي، وذلك منذ تأسيسه عام 1949 بالتزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية ما تعرف بالحرب الباردة.

كبرياء سياسي مجروح للقادة الرئيسيين في الحلف

تنعقد قمة واشنطن بالتزامن مع تعرض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لهزيمةٍ قاسية في انتخابات المجلس الأوروبي من جهة، والانتخابات التشريعية المبكّرة من جهةٍ ثانية، كما تأتي القمة في وقتٍ يواجه فيه رئيس البلد المستضيف جو بايدن صعوباتٍ كبيرةً في حملته للفوز بعهدةٍ رئاسية ثانية، خاصّةً بعد مناظرته المخيبة للآمال في مواجهة ترامب، فما تزال تداعيات تلك المناظرة مستمرةً.

وأسفرت حتى اللحظة عن دعواتٍ صريحة في صفوف الديمقراطيين، في الحملة الرئاسية ومجلس النواب والكونغرس، لاستبدال بايدن بمرشحٍ آخر، يكون قادرًا على تحقيق الفوز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر القادم.

أما الزعيم الوحيد، من بين الدول الرئيسية في الحلف، الذي يشارك في القمة وهو في موقفٍ قوي، فهو رئيس الوزراء البريطاني عن حزب العمال، كير ستارمر، إلّا أنّ هذا الأخير "زرع الشكوك حول التزامه على المدى الطويل مع الناتو"، حيث ربط زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بسماح الموارد المالية العامة لبريطانيا بذلك، كما رفض وضع تاريخٍ محددٍ، عكس سلفه المحافظ الذي تعهد بزيادة الإنقاق العسكري إلى النسبة المحددة من طرف الحلف بحلول عام 2030.

تركز قمة الناتو على 3 ملفات هي: ملف تعزيز دفاع الحلفاء والردع، ودعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها، وتعزيز الشراكات العالمية لحلف شمال الأطلسي

يضاف إلى ما سبق ذكره، سريان حالة من الخيبة بين صفوف دول الحلف من نتائج حرب روسيا على أوكرانيا، خاصةً بعد الدعم الهائل الذي قدمه الحلفاء لكييف منذ بدأ الحرب شباط/فبراير 2022.

وكانت نتائج استطلاعاتٍ ودراسات أشارت، قبل انطلاق قمة الناتو في واشنطن، إلى ظهور خلافاتٍ حادة بشأن كيفية إنهاء حرب أوكرانيا التي دخلت عامها الثالث. 

وفي هذا الصدد، يؤكد مارك ليونارد، المدير المؤسس للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنّ "أحد التحديات الأساسية للقادة الغربيين سيكون تحقيق توافق للمواقف المتناقضة بين الأوروبيين والأوكرانيين بشأن كيفية انتهاء الحرب".

مضيفًا: "في حين يدرك الجانبان الحاجة إلى استمرار الدعم العسكري لمساعدة أوكرانيا في التصدي للعدوان الروسي، هناك فجوةٌ واسعةٌ بينهما بشأن تعريف النصر والغرض الفعلي للدعم الأوروبي لأوكرانيا". ذات الأصداء تتردد في الولايات المتحدة مع تراجع الدعم الشعبي والنيابي الأميركي لأوكرانيا. إذ "بدأ عددٌ من قادة الحزب الجمهوري إلى جانب ترامب يتساءلون عن جدوى الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات إلى أوكرانيا؟".

وفي شهر نيسان/إبريل الماضي "أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 31 % من الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر مما يجب على الحرب في أوكرانيا، في حين كانت هذه النسبة في أوائل 2022، 7% فقط".

كما يشار في هذا الصدد أيضًا إلى ما نقلته شبكة "سي أن أن"، اليوم الأربعاء، عن مصادر "بإدراج روسيا قواعد وأفرادًا أميركيين كخياراتٍ للهجوم عبر وكلائها، ما استدعى حالةً من التأهب في صفوف الجيش الأميركي".

شبح ترامب

يخيّم القلق من شبح عودة ترامب على المجتمعين في واشنطن، حيث أظهرت آخر استطلاعات الرأي تقدمه على بايدن في نيات التصويت. ومن المعروف عن ترامب تبنّيه لمواقف معادية لحلف شمال الأطلسي، وخلال حملته الحالية تعهد في حال انتخابه "بعدم احترام التزامات الولايات المتحدة تجاه الناتو بما في ذلك مبدأ الدفاع المشترك عن الدول الأعضاء". فأكثر من مرة قال ترامب إنه في حال "تعرض دولةٍ عضو في الناتو لا تدفع التزاماتها المالية لأي عدوان من جانب روسيا مثلًا فسأسمح لموسكو بأن تفعل ما تشاء".

صعود تيارات اليمين الشعبوي

شهدت أوربا وما تزال تشهد انتخاباتٍ وطنيةً وإقليميةً، كان المعطى السياسي البارز فيها هو صعود اليمين الشعبوي المتطرف، الذي دأب على إثارة الشكوك حول أهمية حلف شمال الأطلسي، ففي انتخابات المجلس الأوروبي تصدر اليمين المتطرف، ممثلًا في حزب التجمع الوطني بزعامة جوردان بارديلا، النتائج في فرنسا، وحلّ حزب البديل ثانيًا في ألمانيا. وفي بروكسل التي تحتضن مقر الحلف، تفوق اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، وبالمجمل حققت معظم أحزاب اليمين الشعبوي تقدّمًا في عموم الدول الأوروبية.

ومما زاد الطين بلّةً بالنسبة لحلف شمال الأطلسي التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، حيث دعا أوربان من كييف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى "القبول بوقفٍ لإطلاق النار مع روسيا" بناءً على شروط يرفضها الأوكرانيون.

وبعد محطة كييف زار أوربان موسكو، في زيارةٍ أعلن الاتحاد الأوروبي عدم مباركته لها، وعلّقت عليها أوروسولا فون دير لان، رئيسة المفوضية الأوروبية، بالقول إن "الاسترضاء لن يوقف بوتين".

ليس صعود اليمين المتطرف وحده ما يثير المخاوف، بل ألقى أيضًا فوز اليسار في بريطانيا وفرنسا بحالةٍ إضافية من الغموض السياسي، دفعت صحيفة واشنطن بوست إلى القول إن قمة الناتو في واشنطن "ستتحول من مشهدٍ مُنسقٍ إلى المشهد الأكثر إثارة للقلق في العصر الحديث". فلا إجماع أو اتفاق على الحد الأدنى من القضايا المصيرية التي تطرحها.

أبرز ملفات القمة

تركز قمة الناتو في واشنطن على 3 ملفات هي تواليًا ملف تعزيز دفاع الحلفاء والردع، وملف دعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها، وأخيرًا ملف الاستمرار في تعزيز الشراكات العالمية لحلف شمال الأطلسي خاصةً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث المنافسة مع الصين وروسيا على أشدّها.

وبشأن الملف الأوكراني الذي يُعدّ الأكثر إلحاحًا بالنسبة للحلف، لم يتمكن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في الأسابيع الأخيرة من تأمين تعهداتٍ كافية "بتمويلٍ يستمر لسنوات لأوكرانيا"، وحصل بدلًا من ذلك، على موافقةٍ من الحلفاء مقتضاها إنفاق ما لا يقل عن 43 مليار دولار سنويًا على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لكن مع الإشارة إلى مراجعة هذا الهدف في العام المقبل.

ومن المستبعد أن تتلقى كييف في قمة الناتو بواشنطن "الدعوة التي تريدها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي"، ويرى متابعون أنّ حصولها على أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت"، ستكون أكثر مساعدةٍ واقعية يمكن أن تحصل عليها كييف في هذه القمة المصيرية للحلف.