يتساءل الكاتب والمعلّق السياسي البريطاني، أوين جونز، في مقال رأي بصحيفة "الغارديان"، عن قيمة الحياة الفلسطينية في إشارة إلى التعاطف الذي أبداه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع "محنة" المحتجزين الإسرائيليين في غزة، دون الإشارة إلى الفلسطينيين، بعد مرور 100 يوم على ما وصفه جونز بـ"الرعب الحالي".
ولفت الكاتب إلى عدم إقدام السياسيين ووسائل الإعلام على إخفاء ازدرائهم للحياة الفلسطينية، التي سيكون لها ما يترتب عليها، والواقع أن هذه الظاهرة ليست جديدة بحسبه، ولها آثار أصبحت الآن محسوسة بعنف.
أبدى الرئيس الأمريكي تعاطفه مع "محنة" المحتجزين الإسرائيليين في غزة، ولم يشر أبدًا إلى الفلسطينيين
وأشار جونز في حديثه إلى أنه لو لم تتجاهل الأمم القوية في العالم، بوقاحة، حياة ثلاثة أرباع مليون فلسطيني طردوا من ديارهم قبل 76 عامًا، وقتل منهم نحو 15 ألف شخص، لما كانت الحصاد مرًّا الآن.
ورأى أن النخب السياسية والإعلامية كانت تنوي الاستمرار في تجاهلها، على الرغم أن العديد منا يعلم بأن الفلسطينيين كانوا يُقتلون حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت. كما أشار إلى أن النخب تعتبر "الحياة رخيصة كما يقولون، ومن الواضح أن لا معنى لها إذا كنت فلسطينيًا".
وتابع جونز: "لو تم ربط بعض القيم بالحياة الفلسطينية، فإن عقودًا من الاحتلال والحصار والاستعمار غير القانوني والفصل العنصري والقمع العنيف والمذابح الجماعية ربما لم تحدث أبدًا، إذ يصعب على الآخرين أن يستمروا عندما تُقبل إنسانيتهم. حتى إن البعض شعر باليأس من اللامبالاة الغربية تجاه الحياة الفلسطينية".
وأشار إلى أنه من المفترض أن تحرك حالات القتل في صفوف الأطفال التي وصلت إلى 10 آلاف حالة، إضافةً إلى الأطفال الذين بترت أطرافهم، دون تخدير في حالات عدة، العواطف الإنسانية.
وتحدث المقال عن أوضاع النساء الحوامل اللواتي يلدن كل شهر، خصوصًا لجهة خضوعهن لعمليات قيصرية دون تخدير. كما تحدث عن أن الأطفال حديثي الولادة يموتون من انخفاض درجة حرارة الجسم والإسهال، بالإضافة إلى التوقعات التي تشير إلى أن ربع سكان غزة قد يموتون في غضون عام بسبب تدمير "إسرائيل" نظام الرعاية الصحية.
والانتقاص من قيمة الحياة الفلسطينية ليس افتراضًا، بل حقيقة إحصائية. فوفقًا لدراسة جديدة للتغطية في الصحف الأمريكية الكبرى، يتم ذكر الإسرائيليين مقابل كل حالة وفاة إسرائيلية 8 مرات، أو بمعدل 16 مرة أكثر من كل حالة وفاة للفلسطينيين.
واعتبر الكاتب أن كل هذا سيكون له تأثير عميق، فالادعاءات الغربية المستقبلية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي يتعامل معها الكثيرون عبر العالم بنوع من الازدراء. فعبر قرون من الاستعمار، الذي غالبًا ما سبب إبادة جماعية، عززت الدول الغربية من مصالحها الاستراتيجية على حساب بقية البلدان، وولدت سخرية دائمة، كما فعلت حمامات الدم في حرب العراق، أو الدعم النشط للطغيان المرن عبر قارات متعددة، وتسليح الغرب لإسرائيل ودعمها، حيث فرض الموت الجماعي على غزة من خلال القنابل والرصاص والجوع والعطش وتدمير المرافق الطبية.
ولفت جونز إلى أن البلدان الأخرى ليست هي من يجب أن تشعر بالذعر من النخب السياسية والإعلامية الغربية فقط، بل إن تلك النخب تواجه الانهيار الأخلاقي داخل معاقلها أيضًا، فقد نشأ جيل صغير السن، في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، يأخذ العنصرية على محمل الجد أكثر بكثير من الأجيال التي سبقته، وتظهر استطلاعات الرأي أنه أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين من الجيل الأكبر سنًا. إنهم مستخدمون متعطشون لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشاهدون الفظائع التي لا نهاية لها على ما يبدو في غزة، والجنود الإسرائيليون يتعاملون بفرح مع جرائم الحرب التي يرتكبونها للتسلية العامة.
وتساءل المقال: "ما الذي يصنعه هؤلاء الشباب بعد ذلك من التغطية الإعلامية، أو تصريحات السياسيين، التي لا يبدو أنها تعامل الحياة الفلسطينية على أنها ذات قيمة على الإطلاق؟ ما الاستنتاجات التي يتم استخلاصها حول الأقليات المتزايدة في البلدان الغربية التي لا تبذل وسائل الإعلام والنخب السياسية جهدًا كبيرًا لإخفاء ازدراءها للحياة الفلسطينية؟".
وقال جونز في ختام مقاله: "نعم، لقد رأينا كيف أن رفض معاملة الفلسطينيين كبشر جعل الكابوس أمرًا لا مفر منه"، وكشف لنا كيف يتم تمزيق الادعاءات الأخلاقية المستخدمة لتبرير الهيمنة العالمية الغربية بشكل دائم. ولكن لم يتم التفكير كثيرًا في كيفية جعل النخب السياسية والإعلامية في الدول الغربية تستخدم ضميرها الأخلاقي، وهي نقطة تحول، بالتأكيد، مع عواقب لن يتم فهمها إلا عندما يكون الأوان قد فات.