ما زال ينتظر فلاحيه حقلُ ما قبل الحدود
حزن كثيرًا حقل ما قبل الحدود وهو يرى حقل ما بعدها مخضرًا ومزهرًا مثمرًا. ظل طوال نهاره يتأمل حاله ويشاهد ما يحدث هناك بعد الحدود. كان الفلاحون والفلاحات هناك على قدم وساق. بعضهم يسقي الحقل، بعضهم يقتلع أعشابه الضارة، والبعض الآخر يقلب تربة ما لم يزرع بعد منه، وكانوا كلهم فلاحين وفلاحات يغنون له مبتهجين.
ظل طوال نهاره ينتظر فلاحيه وفلاحاته ليفعلوا مثلما يفعل فلاحو وفلاحات جاره. انتظر وانتظر دون جدوى..و.. بات ساهرًا باكيًا متألمًا. حين أشرقت شمس الصباح أيقظته وأيقظت جاره حقل ما بعد الحدود. كان متعبًا بائسًا يائسًا. حقل ما بعد الحدود كان نشطًا سعيدًا.
أفهمك أيها الحقل الحزين، قالت الشمس له وألقت بالكثير الكثير من أشعتها الدافئة على تربته اليابسة. لماذا أنا هكذا أيتها الشمس الطيبة؟ سأل.. لماذا؟ كرر. ولماذا هو هكذا؟ كان يجب أن تطرح سؤالك الثاني، قالت الشمس.. ثم راحت ترد عليه: إنه البترول يا صديقي.. هناك لا بترول.. هنا البترول.. لقد جعلوه فوقك يا صديقي الحزين وكان يجب أن تكون فوقه، فوق، فوق.
صدقت أيتها الشمس الكريمة، قال الحقل الحزين، وراح ينتظر فلاحيه وفلاحاته لعلهم يجعلونه فوق فوق.
في ليلته الثانية حاصره السهر.. في الثالثة.. في الرابعة.. في.. في.. في كل لياليه التي لم تنته بعد كان يأمل أن يرى فلاحيه وفلاحاته في صباح ما من صباحاتها الكثيرة.
*
ما زال حقل ما قبل الحدود حزينًا بائسًا يابسًا ينتظر فلاحيه وفلاحاته حتى الآن.. حتى الآن.
وأخيرًا نام الليل سعيدًا
فرح الليل عميقًا وهو يرى السحب الكثيفة تغزو سماء المدينة. قال: سأنام الليلة على وقع زخات الأمطار وأصوات الرعد.. سأنام سعيدًا..
تمدد على الأسطح المنزلية والمؤسسات.. على الشوارع الطويلة الفسيحة والأزقة الضيقة.. وأغمض عينيه الحالمتين.. كانت الابتسامة تعلو شفتيه.. وكان السكون البهي يعانق الروح فيه.. كرر: سأنام الليل هانئًا، حالمًا، سعيدًا.. سأحضن ليلتي وأنام.. لكن الأضواء اللعينة اشتعلت شمسًا أخرى تأتي من كل الجهات.. في المنازل أضاءت.. في الشوارع.. في الحدائق.. في.. في.. و.. فر النوم من عيون الليل الكثيرة.. صار الليل ساهرًا حزينًا.. مرت الريح، فاجأها حزنه الشديد.. لماذا كل هذا الحزن أيها الليل الرفيق؟ سألته حائرة.. مر الرعد ورأى حالة الحزن التي كان عليها.. ما هذا الحزن يا ليلنا؟ سأله أيضًا.. سحابات كانت تعبر السماء وجدران كانت هائمة سألته: ما بك أيها الليل الطيب؟ هي الأضواء كما ترون يا أصدقائي.. إنها من يحرمني النوم.. أجاب تائهًا.
*
قالت الغيوم الكثيفة للبرد: اشتد أيها البرد.. اشتد أيها الصديق الوفي.. واشتد البرد..
قالت الريح للغيوم: أيتها الحبيبة انهمري ثلوجًا غزيرة.. وانهمرت الثلوج، وتراكمت كما لم تتراكم من قبل أبدًا أبدًا.. ورأت الرياح والغيوم والثلوج والرعد والليل الأضواء وهي تنطفئ تباعًا..
شكرًا لكم أصدقائي الحقيقيين، شكرًا لكم.. حيَّى الليل الجميع.. ونام سعيدًا سعيدًا..
نام الناس والحراس.. وأيضًا نامت المآذن والأجراس.
أزهار حمراء
فوق الشجرة حوَّم العصفور.. على الغصن الجانبيِ حط.. كان الجو صباحيًا منعشًا والندى قطرات تشربها الأوراق.. قالت معدة العصفور: أشتهي طعامًا دسمًا.. منقاره قال: أشتهي جسدًا طريًا.
وجه العصفور عينيه إلى اليمين، لا شيء.. إلى اليسار، لا شيء.. إلى الأعلى، لا شيء.. إلى الأسفل، كانت الدودة.. فرحًا زقزق العصفور: أوووووه، يا لها من دودة.. حرك ببطء رجليه.. جائعة كانت الدودة تلتهم الورقة.. كانت في الجانب الأيسر من الغصن.. غرس العصفور منقاره في ظهر الدودة.. أيْيييي، صرخت الدودة.. رفع المنقار وغرسه مرة أخرى.. خارت قوى الدودة.. في الأرض كانت تتلوى.. مسرعًا كان العصفور في الأرض أيضًا..
هههههه زقزق العصفور: لن تفلتي مني أيتها الدودة.. من جديد غاص المنقار في جسد الدودة.
القطة كانت تتأهب.. سارت ببطء حذر.. وعلى الجسد العصفوري رمت مخلبها.. صرخ العصفور: أيْيييييي.. حرك جناحيه بقوة.. المخلب كان أقوى.. في بطن القطة كان العصفور وكانت الدودة.
رمى الطفل حجارته.. شَجَّ رأس القطة.. ماتت القطة.. بكى دم القطة، وتجمد.. بكى قبله دم العصفور، وتجمد.. قبلهما بكى دم الدودة.
في الغصن الآخر كانت دودة..
في الأعلى الشجريّ حوَّم العصفور..
في الأسفل كانت قطة.. وقريبًا منها كان الطفل يلم حجارته..
كان الدم أعشابًا، أزهارًا حمراء تضم نداها.
اقرأ/ي أيضًا: