09-يوليو-2024
غرافيتي لـ لوبان وترامب في باريس

غرافيتي لـ لوبان وترامب في باريس

أنهى آخر اقتراعين في فرنسا حالة النبذ التي ميزت حزب اليمين المتطرف الفرنسي منذ تأسيسه سنة 1972، فعلى الرغم من إخفاق الحزب، الذي هيمنت عليه عائلة لوبان لأكثر من نصف قرن، في تحقيق الفوز في انتخابات فرنسا التشريعية 2024، إلّا أنه بات يمثّل رقمًا صعبًا في المعادلة السياسية الفرنسية، نتيجةً لعدة أسباب داخلية وخارجية، تلتقي جميعها في ظاهرة "رهاب الأجانب والمهاجرين" التي اجتاحت أوروبا مع مطلع الألفية الثالثة.

ونرصد فيما يلي تاريخ صعود الحزب طيلة العقود الخمسة الماضية، وصولًا إلى المرحلة الحالية التي حقق فيها نتائج كبيرةً جعلته قاب قوسين أو أدنى من حكم فرنسا.

التأسيس والصعود التدريجي

شهد العام 1972 تأسيس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على يد جان ماري لوبان، وتشكّلت قيادة الحزب من قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب الجزائر، بمن فيهم زعيم الحزب الذي كان جنديًا سابقًا في الجزائر، وبالإضافة إلى هؤلاء ضم حزب الجبهة الوطنية المتعاونين الفرنسيين من نظام فيشي.

شهد العام 1972 تأسيس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف على يد جان ماري لوبان، وتشكّلت قيادة الحزب من قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب الجزائر

وكانت سنة 1974 هي السنة الأولى التي يشارك فيها الحزب في الاستحقاقات الفرنسية، حيث قدم زعيمه جان ماري لوبان للمشاركة في الانتخابات الرئاسية لكنه لم يتمكن من حصد نسبة 1% حتى من أصوات الفرنسيين.

ونظرًا للحالة المزاجية الرافضة حينها لليمين المتطرف، تعرض منزل حزب زعيم الجبهة الوطنية لوبان لهجوم بقنبلة سنة 1976، ولم تتمكن سلطات باريس حينها من تحديد منفذي الهجوم.

كما تعرض الأب لوبان لنكسة ثانية في العام 1981 عندما أخفق هذه المرة في جمع التأييدات الكافية لتأييد ترشحه للانتخابات الرئاسية التي فاز بها حينها اليساري فرانسوا ميتران.

لكن إصرار لوبان على فرض نفسه في المشهد السياسي الفرنسي، مكنه في السنين التالية لانتخابات 1981 من اجتذاب مؤيدين لحزبه اليميني ، ما مكنه في انتخابات 1986 من الحصول على أول مقعدٍ في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي).

اهتدى لوبان الأب، على الوصفة المثالية، للفت الانتباه، فطفق يلقي بالتعليقات المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، كلما سنحت له الفرصة، فتارةً يطلق الإهانات العنصرية بحق المهاجرين والفرنسيين من أصول إفريقية وعربية، وتارةً يلقي إهانات عنصرية تعد معادية للسامية والمثلية الجنسية في فرنسا.

وعلى الرغم من أنّ تلك التعليقات كانت تجرّ عليه مشاكل قانونية، لكنها أيضًا كانت تزيد من الرصيد الشعبي له ولحزبه.

وحصد لوبان الأب نتيجة ذلك في الانتخابات الرئاسية المنظمة عام 1988 التي ركز فيها هجومه على الإسلام والمهاجرين، حيث نال 14.4% من الأصوات، كما فاز حزبه (الجبهة الوطنية) في العام الموالي 1989 بأكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات الأوروبية.

ومن حينها، بدأ الحزب في جعل الإسلام والمهاجرين المسلمين إحدى قضاياه واهتماماته المركزية.

ومكنت انتخابات 1995 المحلية حزب الجبهة الوطنية من الفوز بثلاثة مجالس بلدية في الجنوب هي تولون وأورانج ومارينيان، في إشارة لا تخطئها العين على تنامي شعبيته.

وجاءت انتخابات 2002 الرئاسية لتؤكد تزايد شعبية لوبان عندما نجح في الذهاب إلى جولة ثانية أمام الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، حاصلًا على نسبة 16.86% من الأصوات.

وأمام هذا الأداء القوي الذي هزّ فرنسا من شمالها إلى جنوبها، تحالف سياسيون من اليمين واليسار معًا لمنع لوبان الأب من الانتصار في الجولة الثاني من الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جاك شيراك بأكثر من 80 % من الأصوات.

لم يتخل لوبان الأب عن عادته في إطلاق الإهانات، وجرّت عليه إحداها في العام 2008 حكمًا نافذًا بالسجن وغرامةً ماليةً، بعد أن قال "إن الاحتلال النازي لفرنسا لم يكن غير إنسانيٍ إلى حدٍّ كبير".

مرّت على الحزب بعد ذلك سنينٌ عجافٌ تراجع فيها أداؤه في استطلاعات الرأي وأوشكت فيها مصادره المالية على النضوب، وخفت فيها بريق لوبان الأب الذي أصبح موضع انتقادات حتى من ابنته مارين لوبان التي أزاحته من زعامة الحزب 2011، وطردته منه 2015 إثر وصفه المحرقة بأنها "تفصيلةٌ جزئية من الحرب العالمية الثانية". لكن البنت لوبان مُنيت بفشلٍ ذريع هي الأخرى في أول انتخابات رئاسية تخوضها 2012.

ولم يبدأ الحزب اليميني المتطرف بالتعافي فعليًا إلا في العام 2014، حيث حقق اختراقًا في الانتخابات البلدية بحصده 11 مجلسًا بلديًا، وحصوله على المرتبة الأولى في انتخابات البرلمان الأوروبي.

الانتعاشة والصعود القوي

تواصلت انتعاشة اليمين المتطرف بوصول ماري لوبان إلى الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة 2017 في مواجهة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون.

وتبنى الحزب استراتيجيةً جديدة أعطت مفعولها بسرعة، حيث سعت ماري لوبان "إلى النأي به عن ماضيه العنصري والمعادي للسامية"، كما كثّف الحزب من الظهور الإعلامي لنوابه على وسائط التواصل الاجتماعي. وتفيد المصادر بخضوع نواب الحزب حينها لدورات تدريب إعلامي مكثفة لإظهارهم بمظهر احترافي.

ولتعزيز القطيعة مع ماضي أبيها غيرت ماري لوبان في العام 2018، من اسم الحزب، حيث بات اسمه "التجمع الوطني".

وسلّمت ماري لوبان في العام 2022 قيادة الحزب لأحد تلامذتها "النجباء" وهو الشاب جوردان بارديلا البالغ من العمر حاليًا 29 سنةً.

وآتت هذه التغييرات أكلها بتصدر الحزب نتائج الانتخابات الأوروبية على مستوى فرنسا العام الجاري 2024. وهو تصدرٌ دفع الرئيس ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية ودعوة الفرنسيين إلى انتخاباتٍ تشريعية سابقة لأوانها، فاز حزب التجمع اليميني المتطرف بجولتها الأولى قبل أن يتراجع في جولتها الثانية لصالح اليسار الذي استجمع قواه في "تحالف الجبهة الشعبية الجديدة".