- الإنسان عبقري فقط حين يحلم
هناك العديد من المخرجين التي يجب على أي شخص محب للسينما، ولدراستها، أن يدرس ويحلل أفلامهم. لكن في رأيي يعتبر المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا أهم مخرج يجب علينا دراسة أعماله، ليس دراسة إخراجه فقط، الذي يبرز لنا إبداع هذا الرجل بالرغم من الإمكانيات الضعيفة، ولكن أيضًا سيناريوهاته. كتب كوروساوا سيناريوهات كثيرة، تعتبر، دون إستثناء تقريبًا، من اعظم سيناريوهات السينما، والدليل أنه تم إعادة إنتاج معظم سيناريوهات افلامه في أفلام أمريكية ومصرية، وجنسيات آخرى: "الساموراي السبعة، العظماء السبعة، شمس الزناتي".
كان فيلم "راشومون" لأكيرا كوروساوا بداية انتباه العالم إلى السينما اليابانية
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "زينب تكره الثلج": عن الطفولة والهويّة
بدأ أكيرا كوروساوا كمساعد مخرج، لكن سرعان ما أصبح مخرجًا في وقت قصير، وكانت بدايته غير موفقة، أدت إلى وجود صعوبات في إيجاد منتج يوافق أن يغامر مع مخرج شاب جديد. لكن المخرج الشاب لم يستسلم، حيث أخرج عام 1950 فيلم "راشومون"، الذي يعد واحدًا من أمتع وأعظم الأفلام في التاريخ، والذي تم استخدام فكرته في ملايين من الأفلام والروايات بعد ذلك، وهي فكرة سرد قصة من أكثر من زاوية، لكن يظل "راشومون" متفردًا بنهايته العظيمة التي تتركك حائر بين النهايات.
صنع "راشومون" ضجة كبيرة في اليابان وخارجها، وكان بداية انتباه العالم إلى السينما اليابانية، وفاز المخرج بجائزة الأسد الذهبي في "مهرجان فينيسيا". وكان هذا الفيلم –وفيلمان آخران- بداية التعاون بين كوروساوا والممثل توشيرو ميفوني، الذي لعب ببطولة معظم أفلامه. وكان كوروساوا أفضل من قدم مشاهد القتال والحرب في تاريخ السينما، كما اعتبر أفضل من تناول قصص الساموراي.
بجانب السيناريوهات التي ألفها وأخرجها، قام بتقديم رواية "الأبله" لديستويفسكي عام 1951 بنسخة يابانية، من 3 ساعات، لكن الفيلم لم يلق نجاحًا، لكن حين شاهدته وشاهدت النسخة الروسية من الرواية، ونسخًا أخرى أجنبية إكتشفت أن نسخة كوروساوا كانت الأفضل! لا ننسى طبعًا أنه قدم أفضل فيلمين صنعا، الأول من مسرحية "ماكبث" بعنوان "عرش الدم" عام 1957، والثاني من "الملك لير" بعنوان "ران" عام 1985.
إيكيرو
فكرت أن أبدأ بالحديث عن فيلم شِبه منسي لهذا المخرج العظيم، لم أجد أن الناس احتفوا أو كتبوا عنه بقدر أعمال أخرى للمخرج. "إيكيرو" فيلم درامي، بدون قتال، أو مشاهد حربية. يحكي قصة موظف يكتشف في يوم ما أنه مصاب بالسرطان، و أن أمامه فقط أيام معدودة. لكن هذا الاكتشاف لا يلبث أن يكشف لبطلنا زيف حياته، فيكتشف أنه موظف لم يقدم أي إفادة لأي إنسان/ مجرد شخص يكتب ويوقع التقارير. وأنه –رغم ذلك- كان غارق في العمل، أو بمعنى أدق عمل اللاشيء، فيكتشف أن لا يوجد في حياته أي شيء بجانب عمله، حتى علاقته مع ابنه سطحية تمامًا بالرغم من أنه ضحى بكل شيء من أجله.
كم هو مأساوي ألا يدرك الإنسان جمال الحياة إلا حين يواجه الموت!
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "ديدبول".. البطل من المُنقذ إلى المُنتقم
يكتشف بطلنا أنه عاش حياة غير سعيدة أن ما تبقى منها لن يكون سعيدًا أيضًا، حالة من الاستسلام والخنوع أصابته. لكن سرعان ما قرر أن يسعد نفسه، لقد حرم نفسه من شرب الخمر طوال حياته، وبالرغم من أن الخمر سيتلف كبده أكثر ويزيد خلايا السرطان، يسحب بطلنا مبلغ كبير من البنك ويشتري أغلى الخمور، وينفق المال هنا وهناك، لكن بطلنا للأسف لا يزال حزينًا.
سيناريو الفيلم جميل جدًا، له إيقاع هادئ وجميل. يكتشف بطلنا الحقيقة، أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين، فيحاول وينجح ويفشل ويعامله البعض بالحب، فيما يعامله البعض بعجرفة، لكنه لا يهتم إذ لديه هدف واحد، هو إسعاد الجميع ومساعدة الجميع.
الفيلم في المجمل تجربة سينمائية ممتعة، و كان إخراجه مختلف عن بقية أفلام كوروساوا كلها، حيث تجد الكاميرا تواكب إيقاع السيناريو الهادئ فتتحرك ببطء محسوب. كم هو مأساوي ألا يدرك الإنسان جمال الحياة إلا حين يواجه الموت! هكذا قال بطل الفيلم.
اقرأ/ي أيضًا: