أضيف إلى الحرب الروسية الأوكرانية معلم جديد يوم 21 أيلول/ سبتمبر؛ الإعلان عن التعبئة الجزئية في الاتحاد الروسي. كان من المفترض أن يكون خطاب زعيم الكرملين نوعًا من التقرير حول مسار الأحداث على أراضي أوكرانيا على خلفية تقارير حول الهجوم المضاد المستمر للقوات المسلحة الأوكرانية والخطط الروسية المستقبلية. لكن من المفارقات أن يشمل الخطاب الإعلان عن التعبئة الجزئية، وهو ما يشير على أقل تقدير إلى الضعف الذي يشعره الروس على جبهات القتال.
على مدى فترة الغزو الروسي لأوكرانيا، كان المسؤولون في روسيا يرددون أن "كل الأمور تسير حسب الخطة"، وفجأة بعد النكسات أو الهزائم في شرق أوكرانيا بدأوا الحديث عن إعلان التعبئة
على مدى فترة الغزو الروسي لأوكرانيا، كان المسؤولون في روسيا يرددون أن "كل الأمور تسير حسب الخطة"، وفجأة بعد النكسات أو الهزائم في شرق أوكرانيا بدأوا الحديث عن إعلان التعبئة، أي الحاجة لتعبئة ثلاثمائة ألف جندي لإرسالهم إلى جبهات القتال في أوكرانيا؛ جنوبًا إلى خريسون وشرقًا على جبهات خاركوف والدنباس. تلقى المواطنون الروس الخبر كالصدمة بمجرد افتراض حصوله قبل ذلك بأسبوعين من الإعلان الرسمي. وعلى الفور، انفجر الجمهور الروسي بمنشورات سلبية بلغة بذيئة ضد المبادرين والسلطات ككل.
كان الدافع وراء غضب المواطنين الروس بيان أدلى به عضو لجنة الأمن بمجلس الدوما ميخائيل شيريميت، والذي أعلن فيه أن "التعبئة في روسيا ضرورية لتحقيق نصر كامل في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا". وبحسبه، لن تتمكن موسكو من تحقيق النتائج المرجوة دون "الانتقال إلى سكة عسكرية، بما في ذلك الاقتصاد". هذا على الرغم من أن السيناتور الروسي أندري كليموف حاول على الفور تحييد تصريح شيريميت في ذلك الوقت، إلا أن المجتمع الروسي لم يطمئن. وقال كليموف: "لا توجد مؤشرات في روسيا على أن الأحكام العرفية والتعبئة العسكرية ضرورية على خلفية الوضع في أوكرانيا"، مضيفًا أن التعبئة ستكون مفيدة لخصوم روسيا، الذين يتوقعون "أن يبدأ الشعب بالتعبير عن عدم الرضا".
التقديرات الأوكرانية قبل الإعلان عن التعبئة
من جهتهم، قال الخبراء الأوكرانيون "إن استطلاعات الرأي حول التعبئة الجزئية في روسيا تشير إلى أن حوالي نصف السكان فقط كانوا مؤيدين له. وهذا يعني أنه حتى في مثل هذه المجموعة الروسية الكبيرة من مؤيدي العمليات العسكرية، لا يدعم الجميع التعبئة"، بحسب قراءة أندريه يرمينكو Andrey Yeremenko، مؤسس شركة Active Group الأوكرانية للعلوم الاجتماعية. وعليه كانت تقييمات يرمينكو، قبل أسبوعين من قرار التعبئة الجزئية أن السلطات الروسية لن تقوم بتلك الخطوة، حيث "بذلت كل الجهود لتظهر للناس أنه لا توجد حرب". واستخدم يرمينكو مثالًا على ذلك "أنه في الوقت الذي كانت القوات الروسية تُمنى بالهزيمة في الجبهة، كان يجري في موسكو افتتاح "عجلة الملاهي" وأطلقت الألعاب النارية. وهذا لجعل الناس يديرون ظهورهم لتقارير الحرب".
أما الخبير العسكري الأوكراني دينيس بابوفيتش Denis Popovich، فقد كان يقدر أن احتمالية إعلان التعبئة في روسيا منخفضة. وإذا تم الإعلان عن ذلك، فقد يكون الأمر في روسيا أسوأ مما هو عليه الآن. ويعتبرُ الخبير العسكري "أنه من أجل تحقيق أكبر قدر من أهمية إعلان التعبئة، فعليهم أن يضعوا البلد بأكمله في حالة حرب. إذ من الضروري إعلان الأحكام العرفية والبدء بالتعبئة. لقد أثاروا بشكل متكرر قضية التعبئة. ولكن اليوم، كما يقول بعض الخبراء في روسيا، قد فات الأوان بالفعل لتنفيذ إجراءات التعبئة".
وحدد بابوفيتش سببين وراء فوات الأوان وعدم وجوب ذلك. أولًا، ليس لدى روسيا خبرة في مثل هذه الأحداث، وبالمقارنة في أوكرانيا، "جرت أحداث مماثلة (التعبئة) في الأعوام 2014-2015. حصلت ستة موجات من التعبئة الجزئية، ونحن نتذكر ذلك، في حينها جمعنا بعض الخبرة التي كانت مفيدة لنا بعد بدء الغزو الروسي واسع النطاق، لقد نفذنا التعبئة بسرعة كبيرة. بينما مثل هذه التجربة غير موجودة في روسيا، إنهم يحاربون جيشًا في وقت السلم. من أجل التعبئة، حتى بدون الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التنظيمية التي ستظهر بالتأكيد، نسبة لحجم البلد، سيواجهون عدم رغبة الناس، والبيروقراطية، ونقص البيانات عن بعض المجندين. سيستغرق إكمال هذا العمل شهرين أو ثلاثة، وبعد ذلك سوف يستغرق الأمر بعض الوقت لإعداد هؤلاء الأشخاص بطريقة أو بأخرى مثل تسليحهم وتدريبهم، لذلك، يمكنهم الحصول على نتائج معينة للتعبئة، ربما بحلول العام الجديد". أما السبب الثاني بحسب بوبوفيتش رئيس تحرير مجلة "سفودنيا" الأوكرانية، يتمثل في عدم وضوح الوضع في المجتمع الروسي.
رد الفعل الأوكراني بعد إعلان التعبئة
وإذا كانت تلك التقديرات قبل الإعلان الروسي، فإن ثمّة رأي آخر بعده. ففي تحليله لقرار التعبئة الجزئية الروسي، يرى النائب الأول لرئيس لجنة البرلمان الأوكراني للأمن القومي والدفاع والاستخبارات، الفريق ميخايلو زابرودسكي: "إن استخدام أي عدد إضافي من الوحدات العسكرية التي تم تجديدها أو تشكيلها حديثًا على أراضي أوكرانيا سيمنح القيادة الروسية فرصةً موسعة لتطبيق مفضلاتها من مبادئ استراتيجية كلاوزفيتز العسكرية؛ أي تركيز القوات في نقطة محددة. إن مثل هذه الضخامة قادرة على إبعاد قضية التحفيز ومستوى التدريب والمعدات للقوات الروسية إلى الخلفية".
مع ذلك، يرى زابرودسكي أن العواقب المحتملة لذلك مدمرة للغاية على القوات المسلحة لأوكرانيا، قائلًا: "سيكون من المناسب لنا اتخاذ تدابير وقائية بالفعل اليوم. الواضح تمامًا أن التعبئة الجزئية في المستقبل القريب من غير المرجح أن تؤثر على الوضع على خط المواجهة. كل ما قيل لا يمنحنا بأي حال من الأحوال الحق في أن نكون راضين أو رافضين لقرار روسي آخر شبه مغامر. نحن نُهاجم من عدو قوي ماكر ومصمم على تحقيق هدفه. إلى جانبه ميزة الموارد، وإمكانات اقتصادية ضخمة ومبرر أيديولوجي كبير لأفعاله. في بحثه عن طرق لتنفيذ خططه العدوانية، لا يدرك، وربما لا يعرف الحدود".
كانت تقييمات الخبراء الأوكران، قبل أسبوعين من قرار التعبئة الجزئية، أن السلطات الروسية لن تقوم بتلك الخطوة، حيث "بذلت كل الجهود لتظهر للناس أنه لا توجد حرب"
المرجح أن قرار التعبئة الجزئية يعني إعلان حالة الحرب، ولكن ذلك قد لا يحدث غدًا، فالأمر بحاجة إلى ثلاثة أشهر على الأقل حتى تصبح القوات المستدعاة جاهزة للحرب، وعليه تستعد أوكرانيا وروسيا ومعهما أوروبا إلى مرحلة جديدة من الصدام المدمر، قد تكون المرحلة الأولى فيه مجرد حكاية من حكايات المغامرات البسيطة.
