10-يناير-2020

ثمة نزوع طبي نحو التكثيف من استخدام العلاج الوهمي (Reader's Digest)

في إحدى الدراسات، أعطى الباحثون للمشاركين دواءً وهميًا، وأخبروهم أنه يحتوي مادةً منبهة. وجد الباحثون أن المشاركين عندما تناولوا الدواء، تسارعت نبضات قلبهم وزاد ضغط الدم لديهم وتحسنت سرعة ردود أفعالهم.

أثبتت دراسات علمية أن نحو 75% من المشاركين في التجارب السريرية لمكافحة الاكتئاب يستجيبون للعلاج الوهمي

ثم أعطى الباحثون نفس الحبوب لنفس الأشخاص، لكنهم هذه المرة أخبروهم بأنها حبوب منوّمة، فظهرت عليهم آثار معاكسة للمرة الأولى، وبدأ النعاس يحل عليهم!

اقرأ/ي أيضًا: الطب المخيف.. ماذا تعرف عن العمليات الجراحية لـ"الذاكرة"؟!

تخيل أن قطعة حلوى تتناولها على أنها دواء حقيقي، يمكنها تقليل الألم والقلق والاكتئاب وتهدئ من الربو وتعزز نظام المناعة لديك. ببساطة هذا ما يوضح بجلاء مدى تأثير توقعاتنا وأفكارنا العقلية على أجسادنا وتفعالاتها الفسيولوجية.

هذه القوة التي يمتلكها العقل، والتي يمكن الاستفادة منها لشفاء الجسد، تعرف بـ"قوة العلاج الوهمي". وهي من أساليب العلاج الموجودة منذ آلاف السنين. ورغم أننا نعرف بوجودها واستخدامها منذ القدم، إلا أننا لا نعرف عنها سوى القليل بالفعل، مثل أنه في ظل الظروف المناسبة، يمكن أن يكون العلاج الوهمي بنفس فعالية العلاجات التقليدية.

تأثير سلبي وإيجابي

وصل الأمر إلى العمليات الجراحية الوهمية، حيث يوضع المرضى تحت التخدير، ويقوم الطبيب ببعض الشقوق في الجسد، ثم يخيط الجرح، دون أن يكون قد فعل شيئًا حقيقيًا، لكن ما يحدث أن المرضى يتحسنون بعدها.

العلاج بالوهم
تناول حبة وهمية قد يكون أكثر فاعلية من تناول حبة دواء حقيقية

المثير للاهتمام أكثر، أن هذه الجراحات الوهمية، فعالة في العلاج أكثر من الحبوب، ففي دراسة وجد الباحثون أن الجراحات المزيفة أدت إلى تحسن صحة 75% من الحالات.

وكما يمكن أن تكون تأثيرات العلاج بالدواء الوهمي إيجابية، يمكن أيضًا أن تكون سلبية، فمثلًا اللبلاب السام الوهمي يمكن أن يسبب طفح حقيقي، فمجرد الخوف من الآثار الجانبية يجعل هذه الآثار أكثر احتمالًا.

ويمكن أن يؤدي لون الحبة إلى تغيير قوة تأثير الدواء الوهمي، إذ يرتبط اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي بالتأثير المنشط، بينما يرتبط اللون الأزرق والأخضر بالتأثير المهدئ. 

كما أن للأقراص الكبيرة تأثير أقوى وأكثر فاعلية من الأقراص الصغيرة. كما أن الحقن تؤدي إلى تأثير وهمي أكبر من تلك التي تسببها الأقراص.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الإبر الصينية الوهمية التي لا تخترق الجسد وتعرف باسم "إبر شام"، تماثل في تأثيرها وفاعليتها الإبر الصينية التقليدية.

لا يعالج الأمراض لكن يخفف الأعراض

تمثل الأمراض المزمنة الخطرَ الحقيقي في عالم الصحة، الأمر الذي قد يتطلب إجراء تغييرات في سلوكياتنا، مثل ممارسة التمارين الرياضية وتغيير النظام الغذائي. 

لكن فوائد هذه السلوكيات تعتمد على معتقداتنا بشكل كبير، فالدواء الوهمي لا يجعلنا نشعر بتحسن فحسب، بل ينتج مجموعة كاملة من الآثار البيولوجية العصبية، ففي دراسة وجد الباحثون تحسنًا في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ونتائج اختبار الدم، لدى بعض المشاركين في الأبحاث الذين استجابوا للعلاج الوهمي.

ووجد الباحثون أن الدواء الوهمي يحث على إطلاق المواد الأفيونية وغيرها من الإندورفينات، وهي مواد تقلل من الألم. لكن من المهم معرفة أن الدواء الوهمي لا يعالج الأمراض، وإنما يحسن من الأعراض التي يشعر بها المريض نتيجة المرض.

على سبيل المثال، لا يمكن للدواء الوهمي أن يخفض الكوليسترول أو يقلص الأورام، لكن في المقابل، وجدت بعض الأبحاث أن أعراض السرطان بما في ذلك التعب والغثيان والحرارة والألم، يمكن أن تستجيب للعلاج بالدواء الوهمي.

كما أن نحو 75% من المشاركين في التجارب السريرية لمكافحة الاكتئاب، يستجيبون للعلاج الوهمي، فتأثير مضادات الاكتئاب يعتمد إلى حد كبير على تأثير الدواء الوهمي.

العلاج بالوهم
كلمات الطبيب المطمئنة يمكن أن تؤدي لتحسن في الأعراض

بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسات أن انخفاض السعال يعتمد على تأثير العلاج الوهمي بنسبة 85% و15% فقط على المادة الفعالة. ووفقًا لإحدى الدراسات يمكن لتأثير الدواء الوهمي أن يستمر لفترة طويلة.

علاقة شرطية أم جينات؟

يعتقد البعض أن هناك علاقة ارتباطية شرطية لا شعورية، حيث اعتاد الناس تناول الدواء وانتظار الشعور بالتحسن، وعليه فحتى لو تناول الشخص عقارًا وهميًا، يمكن أن يشعر بالتحسن نتيجة لهذا الارتباط الشرطي.

وتعتمد فاعلية الدواء الوهمي على مجموعة من العوامل، منها طبيعة المرض، وإلى أي مدى يعتقد المريض أن العلاج سيعمل، ونوع الاستجابة التي يتوقع المريض رؤيتها، فقد يأمل المريض أن يتحسن عندما يبدأ في العلاج، ما يجعله يولي تركيزًا أكبر لإشارات التحسن ويتجاهل في المقابل علامات التدهور.

هذا إلى جانب نوع الرسائل الإيجابية التي ينقلها الطبيب حول فاعلية العلاج، ففي إحدى الدراسات وجد الباحثون أن كلمات الطبيب المطمئنة يمكن أن تؤدي لتحسن في الأعراض. وقد تؤثر الجينات أيضًا على كيفية استجابة الناس للعلاج الوهمي.

وعادة لا يعرف الأطباء أو المرضى، المشاركين في الدراسات، أيهم يتناول الدواء الحقيقي أو الدواء الوهمي، وفي نهاية التجربة تتم مقارنة المجموعتين. لكن الباحثين وجدوا أنه يمكن للوقت أن يكون في حد ذاته نوعًا من العلاج الوهمي، ففي إحدى الدراسات التي أجريت على مرضى الاكتئاب، وجد الباحثون أن حوالي ثلث المرضى يتحسنون بدون عقاقير أو دواء وهمي.

كذلك يختلف تأثير الدواء وفقًا لمقدم الرعاية، إذ وجد الباحثون أن المرضى بعد العمليات الجراحية، الذين يتلقون مسكنات الألم بواسطة مضخة روبوتية مخفية، يحتاجون ضِعف كمية الدواء للحصول على تأثير تخفيف الألم نفسه، مقارنة بالمرضى الذين يمكنهم رؤية الممرضة وهي تحقنهم بالمسكن. إذًا، فالوعي بالحصول على شيء من المفترض أنه يخفف الألم، يؤثر بالفعل على الألم.

هل يجب خداع المريض؟

لا توجد سوى نتيجتين محتملتين للعلاج الوهمي، فإما أن يفوق الدواء الحقيقي في تأثيره الدواء الوهمي، وهو أمر صعب للغاية إذ لا تتعدى نسبة هذه الأدوية 10%، وإذا حدث ذلك لا يعطى لتأثير الدواء الوهمي قيمة. وإن لم يتفوق العلاج الجديد على الدواء الوهمي، يصبح الدواء الوهمي هو الشرير هنا.

مما سبق، نستنتج أن تأثير الدواء الوهمي يعتمد على الخداع، أي يجب ألا يعلم المريض بأن الدواء الذي يتلقاه وهميًا. ومع ذلك، لا يزال بإمكان المرضى الذين يعلمون أنهم يتلقون علاجًا وهميًا، تحصيل فوائد هذا العلاج الوهمي، فالخداع ليس ضروريًا طوال الوقت لتحقيق أثر العلاج الوهمي.

في دراسة شملت أشخاصًا يعانون من متلازمة القولون العصبي، تلقت إحدى المجموعات علاجًا وهميًا، ولم تتلق المجموعة الأخرى أي شيء على الإطلاق. وعلى الرغم من علم المجموعة الأولى بأنها لم تتلق أي دواء فعال، وإنما مجرد قطع حلوى، لكنها أظهرت تحسنًا كبيرًا فيما يخص أعراض المرض.

العلاج بالوهم
يبحث العلماء دمج الأدوية الوهمية بالطلب السائد

الأكثر إثارة من ذلك، أنه في دراسة أجريت على دواء لمكافحة أعراض مرض الشلل الرعاش، قرر الباحثون في أحد الأيام إيقاف دواء مكافحة الألم، وتحويل المريض بشكل سري إلى دواء وهمي، فوجدوا أن المريض مستمر في التحسن كما لو أنه يتناول الدواء الحقيقي.

وفي دراسة أخرى، حصل المشاركون على مشروبٍ حلو، به دواء يثبط المناعة. وبعد أيام ودون سابق إنذار، جرى استبدال الدواء الحقيقي بالوهمي، لكن المشاركين استمروا في الاستجابة المناعية المنخفضة. 

بالإضافة إلى ذلك، أنه عندما يرى الشخص مريضًا بدأ يتحسن بواسطة العلاج الوهمي، فإن هذا الشخص يكون أكثر استعدادًا للاستجابة الإيجابية للعلاج الوهمي.

يبدو إذًا أن تأثير الدواء الوهمي على الدماغ مماثل لتأثير الدواء الحقيقي. والأمر يشبه أن تُعلم كلبًا الربط بين الطعام وصوت الجرس، فما يحدث أنه مباشرة عندما يسمع الكلب صوت الجرس سيفرز جسده اللعاب استعدادًا للطعام. وهكذا، تربط أدمغتنا بين تناول حبة، حتى لو كانت وهمية، وبين الراحة والشفاء. ويبدأ الدماغ في إفراز مواد كيميائية لتعزيز هذا الشعور بالراحة.

تربط أدمغتنا بين تناول حبة، حتى لو كانت وهمية، وبين الراحة والشفاء. ويبدأ الدماغ في إفراز مواد كيميائية لتعزيز هذا الشعور بالراحة

وعليه، لا تتعجب إذا وجدت الأدوية الوهمية تغزو الأسواق قريبًا، إذ يتساءل الأطباء حاليًا عما إذا كان ممكنًا إدخال الدواء الوهمي في نظام الطب السائد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدماغ.. ساحة حروب المستقبل القريب

أكثر من فن.. كل شيء عن العلاج بالرقص والتصوير والرسم