يباس
الغيمةُ التي ضاقَت بها تنهيدةُ الأفقِ
كانَت تُوسّعُ الأرضَ لسُنبُلتَين،
وتَحنو على ظَمئي.
الغيمةُ التي رحلَت عن الحقلِ
بلا أن تحفرَ اسمها على قَدَمَيهِ،
كانَت تُوسّعُ الأفقَ لجناحِ سنونوةٍ هائِمَة.
وحدَهُ المسجونُ يُراقبُ ظلّها يَمتدّ فوقَ رموشِهِ،
غيرَ مكترثٍ لغيمةٍ تُوسّعُ أُفقًا
لأجنحةِ السنونواتِ وأرضًا للسنابلِ
ثمّ لا تَجدُ قلبَ سجّانهِ ضيّقًا.
الغيمةُ التي في قلبي يَنهبُها الجفافُ
وما مِن عصافيرَ أو سنبلاتٍ تُخفّفُ فيها اليباس.
جوع
يا أُمَّنا الله،
أنجبيني اليومَ كما أنجبتِني من قبلُ.
أنجبيني الآنَ لا دليلَ ولا نبيّا،
لا كاهنًا، لا رسولًا أو غفور.
أنجبيني وليَكُن في بلادي صليبي، قبرَ هذا الحصار.
شاهقًا قدرَ جوعي، واضحًا مثلَ فجرٍ لا يَخيب،
وقريبًا مثلَ خفقَةِ قلبي من ضُلوعي.
أنجبيني،
وليَكُن خُبزًا في بلادي جسميَ المَغدور.
يأس
- إلى سمير قصير
كيف كنتَ تحفِرُ الصخرَ يا صديقي
والأزاميلُ التي بين يديكَ يُحاصرُها الصدأ،
أشدّ هشاشةً من ريشةِ الطائر الذي أتعبَتهُ الريحُ
ثمّ رَمَتهُ على كتفِ صخرةٍ صمّاء؟
يا للظمأ الذي يَنهشُ عينيّ.
كيف لَم أنتبه أنّ في يدَيكَ حفنةَ ماءٍ
تكفي لتسدّ الرمق،
ثم تفلقُ كلّ جدرانَ اليأس؟
قصيٌّ هو اليأسُ عنكَ
وأنتَ عصيٌّ على الموتِ فينا.
هنالكَ بيروتُ أجملُ من تمتماتِ الضغائنِ،
أجملُ من إثمها الساحليّ،
لا تُشبهُ غيرَ حلمٍ يُضيءُ الوصايا
ويعلنُ "هذا أوانُ الوردِ يا دمشق"
هذا أوانُ الورد.
هنالكَ بيروتُ رغمَ الشظايا التي اختطفتكَ أجملُ،
تلكَ التي شلحت عباءات الوصاية
لتنهلَ من خُطاكَ الطريقَ.
وبيروتُ،
بيروتُ قد وهَبَتكَ سريرَ الأبد.
طريق
بكيتُ لأنّ حذائي ضيّق
ونصفُ الطريقِ إليكِ ازدحامٌ ووعرُ
ونصفٌ فلاةٌ وقفر.
بكيتُ لأنّ الوصولَ إليكِ مراوغةٌ في الصلاةِ
سجودُ المحبّين فوقَ سجاجيدَ كفر.
بكيتُ لأنّكِ تنأينَ عنّي
وفأسُ الخرابِ تُحطّب جذعي
تُهيّئني للمواقدِ قوتاً،
ألَم تحترق في لهيبي كفٌّ تحاولُ إخمادَ قلبي!
أكونُ الطريقَ، أكونُ الصلاةَ، الشجر،
أكونُ المواقِدَ، كلّ المواقِدِ أن يدفأ القلبُ فينا،
وأن تبرأ النارُ مِن أوجُهِ الاحتراقِ
وتَبقى على وَهجِها
رسولةَ ضوءٍ
وتَبقى على جَمرِها
رسولةَ دفءٍ.
أكونُ الطريقَ،
أكونُ الصلاةَ، الشجر.
- من مجموعة "لا ينتصف الطريق" الصادرة حديثًا.
اقرأ/ي أيضًا: