المقال التالي هو ترجمة لمقال "بول بيلر" في مجلة "ذا ناشيونال انترست" عن استحاقات ما بعد نهاية داعش
ـــــــــــــــــــ
لطالما كان أحد أوجه القصور الرئيسية في تاريخ خوض الولايات المتحدة لصراعٍ مسلح بالخارج هو عدم الانتباه إلى أيٍ ما كان سيتبع هزيمة بعبع اللحظة. المثال الذي يفرض نفسه هنا هو، بالطبع، الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث كان المسؤولون عن تلك الحرب متهاونين بشدة في تصور أن ما سيعقب إسقاط النظام العراقي سوف يكون أي شيء عدا حكومة ديمقراطية مستقرة. وقع خللٌ مشابه عندما تبعت الولايات المتحدة مبادرة أوروبية لإسقاط معمر القذافي في ليبيا. عندما تنشب الفوضى ويستمر الصراع، تكون العواقب الأوسع سيئة بالنسبة للمصالح الأمريكية والأمن الدولي. يتضمن هذا تحديدًا توفير أرضٍ خصبة للتطرف والإرهاب، كما فعل غزو العراق بإنجاب التنظيم الذي نعرفه اليوم بإسم داعش.
الكثير من مخاطر الإطاحة بالأنظمة ينطبق أيضًا على هزيمة داعش نفسها، التنظيم الذي لا يمثل دولة بشكل كامل، ولكنه سيترك فراغًا خلفه
اقرأ/ي أيضًا: وثائق بنما تطال المغرب أيضًا
الكثير مما ينطبق على الإطاحة بالأنظمة ينطبق أيضًا على هزيمة داعش نفسها، التنظيم الذي لا يمثل دولة والذي استولى على مساحة كبيرة من الأراضي وظل يحاول العمل كدولة. هناك بالتأكيد اختلافات كبيرة بين الأنظمة التي تمثل دولًا حقيقية وبين داعش، التي تمثل ظاهرة عابرة شديدة البربرية وعديمة الشرعية تمامًا. سوف يكون من الصعب تبرير استراتيجية تتمحور حول ترك داعش قائمة إلى ما لانهاية، لكن يمكن بالتأكيد تقديم حجة قوية على أننا كنا سنكون أفضل حالًا إذا لم نهاجم نظام كالذي كان في العراق. لكن هناك مشاكل مشابهة لما يعقب كليهما.
تلك المشاكل يتعين مواجهتها قريبًا. داعش تتراجع. فقدت داعش في العراق ما يقرب من نصف الأراضي التي سيطرت عليها في هجومها في 2014، والقوات النظامية في المرحلة المبكرة لحملة لاستعادة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق. في سوريا عانى التنظيم مؤخرًا من هزيمة كبيرة بخسارته تدمر لصالح القوات النظامية، وقد خسر المزيد من الأراضي لصالح مجموعات المعارضة في شمال غربي البلاد. في تلك الأثناء تتراكم التقارير عن صعوبات التنظيم المالية المتزايدة والمشاكل التي يعاني منها في محاولة إدارة دولته المصغرة.
اقرأ/ي أيضًا: سلمان في القاهرة..السعودية تحاول ضرب إيران من مصر
في مقابل تلك التطورات الإيجابية تستمر الضبابية فيما يتعلق بسؤال "ماذا بعد". سوف يكون على الدبلوماسية الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن مستقبل سوريا السياسي عمل الكثير للتخلص من تلك الضبابية. ولكن بينما ما يزال الدبوماسيون يتفاوضون، تفرض سرعة تحرك الأحداث على الأرض المشكلة. تجعل التطورات الأخيرة في تدمر من الصعب الهروب من استنتاج أن نظام الأسد سوف يملأ بعضًا من المساحة التي كانت تحتلها داعش. يجعل ذلك من المستبعد تحقق أي صيغة سياسية تتمحور حول مغادرة النظام. تضيف المزيد من انتكاسات داعش في الشمال الغربي إلى الأراضي التي تضعها مجموعة متنوعة من المتنافسين في تلك الحرب الأهلية المعقدة نصب أعينهم.
في العراق، يصف توماس فريدمان وضعًا مشابهًا في مقالٍ كُتب خلال زيارة إلى شمال البلاد. ينقل فريدمان على لسان محافظ كركوك: "المشكلة في العراق ليست داعش. داعش هي عارض سوء الإدارة والطائفية". بدون المزيد من التغيرات السياسية والإدارية "قد يصبح وضع العراق أسوأ" بعد هزيمة داعش. يتابع فريدمان ليشرح السبب: "ببساطة ليس هناك إجماع هنا حول كيف سيتم مشاركة السلطة في المناطق السنية التي سيطرت عليها داعش. لذا فإذا سمعت يومًا أننا قد قضينا على خليفة داعش أبو بكر البغدادي وأنزلنا علم داعش عن الموصل، فلا تتعجل بالتصفيق". الطموحات المتنافسة للأكراد والعرب السنة هي أكبر جزء من الصراعات غير المحسومة في ذلك الشأن، لكنها ليست الوحيدة.
التراجع الملحوظ لداعش، في ظل السياسات الحالية للولايات المتحدة وآخرين، هو أحد الأسباب التي تجعل الدعوات المتكررة إلى انخراطٍ عسكريٍ أمريكيٍ أكبر في محاربة داعش غير مبررة. تضم الأسباب الأخرى النواحي ذات النتائج العكسية لبعض محاولات استعمال القوة العسكرية الامريكية ضد التطرف، ومخاطر الغوص أكثر في حربٍ معقدة كالموجودة في سوريا. يضاف إلى ذلك أن نغمة الإلحاح المرتبطة بتلك الدعوات إلى التصعيد تقوم أيضًا على افتراضاتٍ خاطئة بشأن ارتباط الأحداث فيما يدعى بخلافة داعش بالإرهاب الدولي في الغرب. ليس هناك الكثير من الأدلة على وجود دعمٍ مالي أو مادي، على سبيل المثال، من داعش للهجمات الأخيرة في باريس وبروكسل.
سببٌ آخر لكون الدعوات إلى تصعيدٍ عسكري أمريكي غير مبررة هي أنه حتى إذا كان من شأن ذلك التصعيد أن يعجل بأفول داعش، فإن كل ما سيفعله ذلك التعجيل هي أنه سوف يجلب إلى المقدمة المزيد من المشاكل الجوهرية على نحوٍ أسرع. إن تجاوز التطورات العسكرية على الأرض للتقدم في حل النزاعات والمشاكل التي تعد داعش، كما أشار المحافظ العراقي، عارضًا لها لن يشكل تحسنًا فيما يتعلق بالأمن الدولي. أما فيما يتعلق بارتباط الأحداث في سوريا والعراق بخطر الإرهاب في الغرب، فإن ذلك الخطر لن يعتمد كثيرًا على سرعة هزيمة داعش وإنما على ما سيتبقى بعد هزيمتها.
اقرأ/ي أيضًا: