30-نوفمبر-2017

لاجئون يجمعون المياه بعد عبورهم إلى الأراضي الأردنية، بالقرب من بلدة الرويشد، شرق العاصمة عمان في آيار 2016 (محمد حامد / رويترز)

تعاني الأردن من أزمة مالية حرجة، وحالها لا يختلف عن دول عدة في العالم. في هذا التقرير المترجم عن الرابط التالي، تتوضح الصورة أكثر عن واقع المياه في الأردن، وأسباب التدهور وإمكانيات الحل التي بدأ العمل عليها والانتظارات منها.


دائمًا ما يكون الصيف مستعرًا في عَمّان، الأردن، ولكن كان شهر تموز/ يوليو الماضي فترةٌ قاسية ولا سيما بالنسبة لطارق القيسي، الذي يعمل بمجال إصلاح السيارات (ميكانيكي) ويعيش مع أسرته في الجزء الشرقي من المدينة. اخترقت عصابةٌ من اللصوص خطوط الطاقة على الجانب الآخر من منزله وانقطع التيار الكهربائي عن الشارع بأكمله لمدة أسبوعين. ودون أي مراوح أو ثلاجات أصبحت المنطقة الخرسانية الخالية من الأشجار مثل فرن الصّهْر.

على الصعيد العالمي، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الماء بنسبة تصل إلى 50 بالمائة تقريبًا بحلول عام 2050

وفي اليوم التالي، امتلأت إحدى حفر الصرف بالقرب من شقته وأحاطت به رائحة مقززة للغاية. وأحب الذباب ذلك، ونتج عن ذلك مرض أطفال القيسي الثلاثة الذين هم في عمر الدراسة. وقبل أن يُخفِض رئيسه راتبه، مشيرًا إلى تراخيه في العمل، اعتقد الميكانيكي الشاب أنه ليس هناك أمر يمكن أن يزعجه أكثر. وصاح قائلًا: إن "الأمر أشبه بالجحيم، ولكن يبدو أنه ليس أمامنا خيارٌ آخر".

ومع ذلك، تسبب الفقدان المفاجئ لمصدر المياه في إصابته باليأس. فدون مصدر المياه التابع للبلدية، اضطر القيسي وجيرانه إلى الاعتماد على الخزانات من أجل ملء خزاناتهم وتوفير حاجياتهم. ولكن الإنشاءات الجارية عند أسفل التل قطعت مصدر المياه الذي يعيشون عليه والذي كان بمثابة شريان الحياة بالنسبة لهم. ولذا يعتمدون حاليًا على ما يمكنهم حمله عبر الطرق الوعرة غير المُمهَّدة. ونتيجةً لعدم قدرتهم على غسل ملابسهم بالشكل المناسب أو حتى تنظيف الأطباق، يحاولون التأقلم مع عالم دون ماء تقريبًا. ويقول القيسي، الذي يمتلئ ذراعه ووجهه بآثار العرق وزيت المحرك: "أرجع إلى منزلي متسخًا ولا يمكنني الاغتسال في بعض الأحيان. يا له من أمر مهين. فلا ينبغي على أحد أن يحيا مثل هذه الحياة".

اقرأ/ي أيضًا:  عطش في الجنة! نظرة على واقع شح المياه في أجمل جزر العالم

عرض وطلب

دون اتخاذ إجراءاتٍ جذرية، قد يشارك العديد من الأردنيين هذه المحنة مع القيسي. ويعتبر نهر الأردن، المجرى المائي الوحيد في الدولة، مليئًا بالقاذورات فضلًا عن نُضُوبه، في حين أن بعض طبقات المياه الخاصة به لم يعد بالإمكان إصلاحها. ومن المقرر أن ينخفض معدل سقوط الأمطار السنوي في الأردن بشكلٍ كبير بسبب التغير المناخي، هذا مع استمرار سكانها في النمو بشكلٍ كبير. وتجد الأردن صعوبات مادية للتحول بشكلٍ كبير إلى نظام تحلية المياه عالي التكلفة - أو كي تقوم بإصلاح بنيتها التحتية المتهالكة.

ويُظهر نمو السكان داخل الأردن مؤشرات قليلة على التباطؤ، ولذا لا يمكن التراجع عن الحاجيات من المياه، كما فعلت بعض البلدان ذات الكثافة السكانية المنخفضة. لقد أصبح نقصان المياه من الأمور السيئة للغاية، فقد أثار ذلك اشتباكات بين اللاجئين والأردنيين، وأصاب ذلك المسؤولين المكلفين بتلبية الطلبات المتزايدة، في ظل الموارد المتضائلة، بالهلع. ويقول علي صُباح، الأمين العام للتخطيط الاستراتيجي بوزارة المياه والري الأردنية: "علينا أن ننظر خارج الأردن. فلم يعد هناك المزيد من الموارد المائية هنا".

ويمكن أن تصبح الأردن أُولى الدول التي تنفذ منها المياه، ولكن من المرجح أنها لن تكون آخرها. فعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الماء بنسبة تصل إلى 50 بالمائة تقريبًا بحلول عام 2050. كما يعتبر الوضع الحالي حرجًا حيث يمضي 21 مستودعًا للمياه الجوفية من بين أكبر 37 مستودعًا على مستوى العالم قُدمًا نحو نقاطٍ حاسمة، حسبما ذكرت وكالة ناسا NASA، ويرجع هذا جزئيًا إلى الإفراط في استخراج مياه الشرب والتعدين. وفي الوقت ذاته، يبدو أن الاحتباس الحراري العالمي يتسبب في تقليل سقوط الأمطار في بعض الأماكن. فسوف يواجه اثنين من بين كل ثلاثة أشخاص نقصًا في المياه بحلول عام 2025، حسبما تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وربما يضطر مئات الملايين من الناس إلى التعامل مع المياه ذات الجودة الرديئة التي تعتبر خطيرة.

الحاجة للمياه من أجل الإنسان والحيوانات أيضًا (ديفيد سيلفرمان / Getty)

وسوف تتعرض العديد من المدن الكبرى على الكوكب للخطر بشكلٍ خاص نظرًا للتحدي المتمثل في توفير بُنيةٍ تحتية غير مطابقةٍ للمواصفات لسكانها المتزايدين. وفي الوقت الحالي، يعيش أربعة مليارات شخص في المناطق الحضرية، وهو العدد الإجمالي الذي من المتوقع أن يتضاعف تقريبًا بحلول منتصف القرن. وعانت كُلٌ من نيروبي، وكينيا، من الجفاف خلال هذا الصيف، فيما تقبع كيب تاون، في جنوب إفريقيا، في خِضم أسوأ جفاف على مدار سنواتٍ عديدة. ويبدو أن طهران، في إيران، مستعدة لإدخال ترشيد المياه قريبًا.

وفي الولايات المتحدة، أيضًا، يتوقع المسؤولون عن المياه في أربعين ولاية حدوث أزمات مائية على مدار العقد القادم. وفي أفضل الظروف، يمكن لنقصان المياه أن يتسبب في إحدات تراجع في الاقتصاد العالمي تصل قيمته إلى 500 مليار دولار سنويًا، حسبما ذكر البنك الدولي. وفي أسوأ الظروف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اندلاع الحروب وانتشار الإرهاب. وكما أوضح تقرير شامل أصدرته الاستخبارات الأمريكية عام 2012: "سيصبح استخدام الماء كسلاح أو لدعم الأهداف الإرهابية أكثر احتمالًا في غُضون عشر سنوات".

تنفذ المياه الجوفية حول العالم تدريجيًا ويفسر ذلك بالإفراط في استخراج مياه الشرب والتعدين إضافة إلى انخفاض سقوط الأمطار بسبب الاحتباس الحراري

ففي الشرق الأوسط، يعتبر هذا التحذير مثيرًا للقلق بشكلٍ خاص في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011. وكما هو حال معظم دول المنطقة  - والعالم - تذهب معظم مياه الأردن، 65 بالمائة على الأقل، إلى الزراعة. ويقول بعض المسؤولين إن هذه النسبة مرتفعةٌ على نحوٍ غير مستدام. وصرح أحد رجال الحاشية الملكية الذي رفض الإفصاح عن اسمه لعدم السماح له بالحديث في الصحافة: "لا يمكننا إخبار الجيل القادم بأننا فقدنا كل الماء المخصص لكم لأننا زرعنا الكثير من الطماطم". وفي القصر الملكي الأردني، عكف فريق من المستشارين المتخصصين على خيارات الدولة فيما يتعلق بمنطقةٍ كثيفة الأشجار وسط عمّان. ولكن في منطقةٍ غير مستقرة، لا يرغب واضعو السياسات في التخلي عن إنتاج المحاصيل الغذائية. ويقول آرون وولف، أستاذ الجغرافيا وخبير المياه الشهير بجامعة ولاية أوريغون: "حدث هذا بطريقةٍ ما منذ زمن سحيق. فإذا كنت ثريًا، ستتخطى الأزمة. وإذا كنت فقيرًا، فسوف تموت".

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

ولم تحظ الأردن بنفس هذا القدر من الماء في السابق. وفي معظم الأوقات عبر تاريخها، كان عدد السكان أقل نسبيًا. لكن مر مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين عبر الحدود عقب عام 1948، بعد عامين من تأسيس المملكة، ما ضاعف الاحتياجات الجديدة للدولة من المياه إلى ثلاثة أضعاف بين ليلة وضُحاها. وبعدها جاءت موجاتٌ من اللبنانيين والعراقيين والمزيد من الفلسطينيين على مدار العقود التالية، وهو ما ضخم العبء. كما انتقل العديد من اللاجئين في ليبيا واليمن، اللتين تعصف بهما الحرب، إلى عمّان خلال السنوات الأخيرة. وقبل أن تزداد الحرب حِدةً في سوريا عام 2013،  التي أثقلت في النهاية على جارتها الجنوبية بمليون مواطن من مواطنيها العطشى، لم تكن هناك جنسية شرق أوسطية لم تستضفها الأردن. كما لعب الأردنيون دورهم في ازدياد عدد السكان أيضًا إذ تتمتع الدولة بمعدل خصوبة يصل إلى 3.38، وهو أحد أعلى المعدلات في المنطقة.

ومع ذلك، لم تقرر هذه الطفرة السكانية وحدها مصير الموارد المائية في الأردن، حسبما يقول الاستراتيجيين الحكوميين. على الرغم من إصرارهم على أن اللاجئين السوريين، الذين أتوا من أراضٍ قاحلة، يتمتعون بفهمٍ ضئيل للممارسات المتعلقة بالحفاظ على الماء. ولكن في ظل النمو المتزايد المتدفق في صورة تيارات مفاجئة، عجزت السلطات عن التخطيط بشكلٍ مناسب من عامٍ لآخر.

ولذا، ففي الوقت الذي استمر خلاله النمو السكاني بالأردن في تخطي كل التوقعات، متفوقًا على تلك التوقعات المتعلقة بعام 2035 والتي تصل إلى 9 ملايين في مطلع عام 2015، لجأ المسؤولون المندهشون إلى استغلال جميع مصادر المياه المتاحة أمامهم، ما أحدث تأثيرات مدمرة. وصرحت ميسون زوبي، رئيس المجلس الأعلى للسكان والأمين العام السابق لوزارة المياه والري، أن هناك 10 مستودعات للمياه الجوفية من أصل 12 قد نضُبت تقريبًا في الوقت الحالي. وفي بعض الأماكن، يقوم مهندسو المياه بالحفر لأعماق تصل إلى ميل لتحقيق اكتشافات جديدة. ويقول بعض الخبراء أنه لم يعد لدى السلطات خيارًا آخر. ويقول رائد نمري، أحد خبراء المياه بوكالة Mercy Corps ونائب رئيس برنامج ابتكارات وتكنولوجيات المياه Water Innovations and Technologies، أحد البرامج التي تمولها الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على المياه: إن "جودة المياه تنخفض فضلًا عن انخفاض كمياتها، ولكن أنت بحاجة إلى توفير المياه لهؤلاء"، وأضاف قائلًا: "إنها قضية أمن قومي".

من المنتظر أن يواجه اثنين من بين كل ثلاثة أشخاص نقصًا في المياه بحلول عام 2025، حسبما تقول المنظمة العالمية للأرصاد الجوية

بمعدل استهلاك يصل إلى 90 متر مكعب لكل شخص في العام، وهو أحد أقل حصص المياه المخصصة لكل فرد على مستوى العالم، يتمتع الأردنيون بمعدل استهلاك يصل إلى 3 بالمائة من استهلاك الأمريكيين. ولكن لا تعتبر الدولة بعيدة عن اللوم فيما يتعلق بأزمة المياه. فمن المحتمل أن نصف المياه التي يجري استخراجها تُفقَد بسبب الأنابيب التي تتسرب منها المياه؛ ومن ناحيةٍ أخرى في بعض المناطق الجافة في عمّان، تُستخدَم نافورات المياه العذبة في ري الخرسانة. إنه جرحٌ ذاتي إلى حد كبير. وبسبب وجود بعض الثقوب في شبكة التوزيع، يضطرّ عمال تشغيل محطات المياه إلى الضخ بغزارةٍ لاستمرار عملية الضغط في الأنابيب، ولذا تُهدر نسبةٌ كثيرة من المياه أثناء عملية النقل.

ففي الحقيقة، يذهب 20 بالمائة تقريبًا من الطاقة الكهربائية في الأردن إلى ضخ وتدوير المياه في الدولة، حسبما ذكرت وزارة الري والمياه. وعلى الرغم من هذه النفقات الكبيرة، يعتبر التدفُق ضعيفًا في الغالب قبل أن يصل إلى المقيمين، حيث يتلقى العديد منهم المياه التابعة للبلدية فقط كل بضعة أسابيع، ولا يتسنى لهم ملء الخزانات الموجودة على أسطح المنازل التي يستخدمونها في إمداد أنفسهم بالمياه حتى يحين الموعد القادم للحصول على المياه. ويقول سمير كوخ، موظف متقاعد يعيش في منطقة بيادر الواقعة في العاصمة: "تحصل الشوارع على المياه التي نحتاج إليها!".

كما تسببت السرقة في خسائر فادحة. فعلى مدار عقود، استغلت شبكة من العائلات الرئيسية الثرية ذات الروابط القوية وزعماء القبائل الموارد المائية في الأردن. فمن خلال إدراكهم لاعتماد النظام الملكي على دعمهم السياسي، ساعدوا أنفسهم في الحصول على قدرٍ كبير من المياه المجانية دون الخوف من اللوم. وتقول زوبي: "هناك تدخل سياسي لأن بعض العائلات الكبيرة لديها مزارعها"، ويُفقد على الأقل 30 مليون متر مكعب إلى الآبار غير القانونية كل عام، حسبما ذكرت وزارة الري والمياه، على الرغم من تشكك الخبراء المستقلين في أن الإجمالي يتخطى ذلك بكثير.

وفي الوقت الذي يتسبب خلاله نقص المياه في إحداث صراعٍ بين اللاجئين السوريين والأردنيين، وخاصةً حول الرمثا في الشمال، يقوم مُلاك الأراضي ذوي النفوذ باستهلاك كمياتٍ كبيرة من المياه الجوفية. ويقول محمد عطية، أحد المزارعين في وادي الأردن الجنوبي: "في دولةٍ من المحتمل أن تنفذ فيها المياه مثل هذه، هناك قانون يجري تطبيقه فقط على الضعفاء والفقراء".

تساهم سرقات المياه من القبائل والعائلات الثرية في مزيد تأزيم وضع المياه في الأردن ويساعدهم في ذلك الإفلات من العقاب

نظام ري يعمل بالطاقة الشمسية ويقع في الصحراء الشرقية في الأردن (جون زادا / Alamy)

"الصلاة لله من أجل المساعدة"

تقع مزرعة عطية في وادٍ ذات تربة معروفة بخصوبتها، والذي يقع تحت مستوى الماء بمئات الأمتار، لذا فينبغي أن تكون مزهرة في ظل كل هذه العوامل. ولكن في ظل موارد المياه التي تصل ملوحة خُمسها نفس مستوى ملوحة مياه البحر، لا يستطيع أن يزرع أي شيء إلا أشجار النخل الهزيلة. ونظرًا لأن أحد جيرانه، سليلُ إحدى العائلات الكبيرة، يدخر المتبقي من المياه العذبة لري أشجار الموز التي يتملكها؛ فإن عطية ينتابه القلق من أنه لن يتمكن في القريب من زراعة أي شيء.

يواجه آخرون وضعًا أكثر بؤسًا. على بُعد أميال ناحية الجنوب، على امتداد البحر الميت، أهلكت المجاري بعض المزارع. وفي ظل قلة مياه نهر الأردن والتي يصل تأثيرها إلى البحيرة في الوقت الحالي، وهي أدنى نقطة على وجه الأرض، تنخفض مستويات اليابسة بحوالي متر كل عام، وتأخذ في طريقها كل شيء من الطرق ومحاصيل الأرز.

قد تسوء أزمة شُح المياه في الأردن أكثر من ذلك جراء التغير المناخي. إذ يُتوقع أن تنخفض كمية الأمطار التي تسقط في البلاد بنسبة 30 في المائة بنهاية القرن الحالي، حسبما يشير مشروع مياه الأردن التابع لجامعة ستانفورد. سوف تجف التربة مما يتسبب في قلة المحاصيل. ولما كانت مستويات العرض تسجل انخفاضات جديدة بينما تتزايد مستويات الطلب في المقابل -ولا سيما في قطاع الزراعة؛ نظرًا لأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى مزيد من التبخر وتعطيش المحاصيل- فحتى العائلة المالكة تعد العُدة لمواجهة الأزمة.

يقول الأمير حسن بن طلال، ابن عم الملك عبدالله الثاني، والرئيس السابق للمجلس الاستشاري للأمم المتحدة المعنيّ بالمياه والصرف الصحي: "على الرغم من أن الأردن لا تسهم كثيرًا في أسباب الأثر الوشيك للتغير المناخي، فهي مع ذلك يُتوقع أن تعاني بمستوياتٍ أعظم عند مقارنتها مع بلاد أخرى". وحتى في ظل مستويات هطول الأمطار الحالية، لم يسبق أن تمكنت الأردن من ملء أكثر من 60 في المائة من شبكة السدود والخزانات التي تمتلكها.

قد تسوء أزمة شُح المياه في الأردن أكثر من ذلك جراء التغير المناخي إذ يُتوقع أن تنخفض كمية الأمطار التي تسقط في البلاد بنسبة 30 في المائة بنهاية القرن الحالي

ومن ثمّ تُوجد تداعيات متواصلة تؤثر على التضاريس البائسة للمملكة (الطبيعة الطبوغرافية). في ظل مصبات سُوريا وإسرائيل، وفي ظل وجود أكبر حصة من المياه الجوفية على امتداد حدودها مع سوريا والسعودية، كانت الأردن دائمًا تحت رحمة سياسات المياه لجيرانها. منذ خمسينات القرن الماضي، تسببت أعمال تشييد السدود والتوسع الزراعي في سوريا في خفض مستوى نهر اليرموك، وهو الرافد الرئيسي لنهر الأردن، بنسبة 60 في المائة على الأقل. نادرًا ما امتلأ سد الوحدة، وهو الخزان الكبير الذي تمتلكه الأردن على نهر اليرموك، بأكثر من ربع سعته. بيد أن السلطات في عمان لم تر أي شيء حتى الآن، حسبما يقول باحثو ستانفورد.

ويمكن أن يتسبب الجفاف على مستوى المنطقة وأيضًا نمو التعداد السكاني لمناطق المنبع في خفض نسبة الأردن من نهر اليرموك بنسبة تصل إلى 75 في المائة بحلول 2050، فيما يُتوقع حدوث مزيد من الحد من قدرتها على الوصول إلى مياهها الجوفية. ونتيجةً لانخفاض الأمطار، وقلة مياه الأنهار، وزيادة عدد السكان واعتلال مصادر المياه الجوفية، فلن يكون هناك حاجة لمزيد من الحسابات. يقول صبحي العبادي، سائق من بين 30 ألف سائق يقودون سيارات حمل خزانات المياه لنقلها إلى المنازل والشركات التي لا تصل إليها المياه عبر العاصمة: "إننا نصلي لله من أجل مساعدتنا؛ لأننا لا نملك شيئًا آخر لنفعله".

في الرابعة من صباح كل يوم، ينتظر العبادي مع سائقي الشاحنات الآخرين خمس ساعات حتى تمتلئ خزانات المياه في أحد الآبار الواقعة جنوب عمان. يبدأ السائقون من هذا المكان في الانتشار حول المدينة، في انتظار هواتفهم حتى تدق. تمتلك معظم المناطق خمس إلى ست محطات انتظار، حيث يمكن للسائقين التوقف والحصول على قسطٍ من النوم الخفيف. لكن العبادي وزملاؤه يقولون إن صعوبات العمل تزيد كل عام. فقد ارتفعت أسعار الوقود ورفعت من التكاليف، وفي الوقت ذاته تتسبب "العائلات الكبيرة" التي تمتلك آبارًا خاصة في إضعاف السوق. ويبدو أن فترة الصيف شديد الحرارة هي التي ترتفع خلالها الطلب، وهو ما يمكنهم من الوصول إلى نقطة التعادل والخروج بلا خسارة، ولكن أيضًا بلا مكسب. يقول العبادي: "كنا نعتقد أنها مهنة آمنة لأن أي شخص تنفذ لديه المياه سيفعل أي شيء لشراء مزيد منها. لكننا لم نعد مُطمئِنين".

مواجهة الأزمة

لا تمتلك الأردن سوى قليل من الحلول الواقعية. تبدو الدولة أكثر جديةً لمواجهة أسباب الأزمة؛ بدءً من تدشين حملات تنظيم الأسرة، ومرورًا برفع أسعار المياه، وملاحقة كبار ملاك المياه. يقول الأستاذ بجامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن وعضو مشروع ستانفورد للمياه، سامر طلوزي: "سوف يظل البعض فوق القانون، ولكن ثمة سبب لتقليل عددهم على أمل الحد من تأثيرهم". ارتفعت أسعار المياه السكنية بالفعل من حوالي 8 دولارات إلى 25 دولارًا كل ثلاثة أشهر، رغم أن البنك الدولي يقول إن المياه لا تزال تُسعَّر بأقل من أسعارها. ضمت منظمات التنمية والإغاثة، مثل ميرسي كوربس، أئمة من أجل التشجيع على تناول قضايا المياه في خطب الجمعة.

من الحلول التي تعمل عليها الأردن لمجابهة نقص المياه حملات تنظيم الأسرة، ترفيع أسعار المياه، محاولة التصدي للفساد وإدماج الأئمة في التوعية

وتوجد بعض الملامح التي تشير إلى أن الدولة تدرك أخيرًا ضرورة إصلاح قطاع الزراعة. إذ أن ربع المزارع حاليًا تروي محاصيلها بمياه الصرف المعالجة، وثمة خطط لمضاعفة هذا الرقم. من المؤكد أن الابتعاد عن طرق الزراعة التقليدية والتوجه نحو الزراعة المائية وتقنيات الزراعة الأخرى التي توفر المياه - وهو ما يعتقد معظم الخبراء أن الأردن ينبغي عليها أن تفعله - سيكون معقدًا من الناحية السياسية، لكن الأردن لديها نظام الإدارة والحكم من القمة إلى القاعدة المطلوب لاقتلاع هذه الأساليب التقليدية من جذورها. يقول صباح، مسؤول المياه والري: "إذا أيد الملك شيئًا، يعني هذا أن مجلس الوزراء يؤيده أيضًا".

قناة مياه ومياه للصرف الصحي في عمان (جورغ بويتلينغ / Alamy)

في الجزء الصخري العاصف بالرياح من جنوب الصحراء الأردنية، يقدم مشروع غابات الصحراء، وهو مشروع نرويجي،  شيئًا من أحد النماذج المتعلقة بما يمكن أن تفعله الأردن للمحافظة على إنتاج الغذاء رغم شُح المياه. يعد هذا النموذج الأول من نوعه حول العالم، ويتضمن ضخ المياه من البحر الأحمر، وتحليتها بتكنولوجيا تعمل بالطاقة الشمسية ثم إعادة تدويرها بين الصوبات الزراعية. على الرغم من عدم وجود مياه جوفية أو مياه أمطار أو مياه سطحية، تشير التصورات إلى أن هذه الغابات سوف تنتج كبداية 130 طنًا من الخضروات سنويًا.

تُعتبر هذه الإصلاحات ضرورية، ولكن على المدى الطويل، لن يكون ثمة شيء كافٍ لمواجهة شح المياه في الأردن، ولا سيما إذا لم يعد جزء من اللاجئين إلى أوطانهم. تبلغ ميزانية المياه في الأردن ما يقرب من مليار متر مكعب من المياه، ويتوقع أن يصل هذا الرقم في عام 2025 إلى 1.4 مليار متر مكعب. ويبدو أن الحل الوحيد لإعطاء المملكة فرصةً لتلبية احتياجاتها يكمن في الحصول على جزءٍ كبير من ميزانية المياه الخاصة بها عن طريق تحلية مياه البحار. يقول نيمري من ميرسي كوربس: "في مرحلةٍ ما، لا بد أن يحدث ذلك. إذا أردت ألا تصل إلى مرحلة نفاذ المياه، ينبغي أن يحدث هذا".

تتضمن إحدى الخطط الطموحة، والتي تُسمَّى (مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت)، سحب المياه من البحر الأحمر، وتحليته وضخ الماء المالح إلى البحر الميت لإبطاء اختفائه.

ولكن من أجل تنفيذ هذه الخطط الكبيرة، سوف تحتاج الأردن، وهي بالفعل أحد أكثر الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية، إلى مزيد من المساعدات الخارجية. لقد أنفقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أكثر من 800 مليون دولار على مشروعات المياه في الأردن منذ عام 2000. فالحكومة في عمان مُفلسة تقريبًا، فيما لا يتناسب تصميم البلد - بسواحلها القصيرة التي تقع أسفل التل وتبعد عن مراكز التجمعات السكانية- مع تنفيذ خطة لتحلية المياه تكون فعالة من حيث التكلفة. يقول الأمير حسن: "يتطلب الاستثمار الكبير التحرك.. وهو يتجاوز موارد الأردن بكثير. إن مساعدة المجتمع الدولي ضرورية لتجاوز مشاكل المياه".

ومع هذا، قد يراهن قليلون أن المملكة لن تستطيع النجاح. لكنها أظهرت قدرات غريزية استثنائية على النجاة في الماضي، لتبقى مستقرة رغم تذبذب أوضاع جيرانها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر على حافة العطش.. وإسرائيل تشرب نخب السلام

حرب العطشى.. 15 مليون يمني يعانون من نقص مياه الشرب