كثيرة هي الأفلام التي تناقش قضايا نعرفها أو مررنا بها، لكن قليلة هي التي تعرف كيف تعبر عنها جيدًا، كيف تلمس فينا "هذا الشيء"، كيف تصف مشاعرنا تجاه هذه القضايا. من هذه القضايا "الموت" بكل ما يحمله من فقدان وحزن وألم، ويمكننا أن ندرك ببساطة أن معظم الأفلام تناولت هذه القضية من زوايا مختلفة وبردود أفعال مختلفة.
لكن "مانشستر على البحر" الذي صدر حديثًا في أواخر عام 2016 قد يكون مختلفًا بعض الشيء عن بقية الأفلام التي ناقشت قضية الموت. لا يقدم الفيلم حبكته من البداية، يظل يمهد لها ويعطيك بعض الرموز التي تؤكدها، ثم بعد ذلك، وفي الوقت المناسب يشرح لك حبكته.
لا يقدم فيلم Manchester by the Sea حبكته من البداية، يظل يمهد لها ويعطيك الرموز التي تؤكدها، ثم في الوقت المناسب يشرح لك حبكته
لدينا "لي" الذي يقوم بدوره "كيسي أفليك" ذلك الشاب الذي لا نعرف عنه الكثير في البداية، لكن ندرك جيدًا أنه حزين وغاضب وأن الجميع يكرهه وأنه وحيد وأنه يعمل في النجارة والسباكة وكل شيء، وأنه لا يطيق المعاملة السيئة، وأنه حين يَسكر يضرب أي أحد أمامه.
هذا الشخص غير القادر على التأقلم مع الحياة يجد أنه الوصي على ابن أخيه الذي مات فجأة. أداء عظيم جدًا من "كيسي أفليك" يستحق ترشح وفوز بالأوسكار، إخراج هادئ غير متكلف ليزيد من واقعية الأحداث. سيناريو الفيلم كان رائعًا حتى منتصفه، لكن في نقطة ما كان قد قال كل شيء، وبدأ يكرر ما قاله من جديد.
اقرأ/ي أيضًا: لالا لاند بين التأثر بالكلاسيكيات والروح الخاصة
هناك عدة عوامل تجعل من هذا الفيلم أحد أهم أفلام العام، منها مخرج وكاتب سيناريو الفيلم "كينيث لونيرغان" قد أعلن أنه مر بتجارب كثيرة تشبه تجربة "لي" في الفيلم وأنه يدرك تمامًا أن التعافي من هذه التجارب ليس بالسرعة والسهولة المتوقعة.
ومنها أيضًا "كيسي أفليك" الذي سيجبرك أن تركز بالكامل معه، ومع تعابير وجهه حتى في المشاهد التي يشاركه فيها شخصيات أخرى في الفيلم، أفضل ما في أداء "كيسي" أنه غير مبالغ فيه، مثلما حدث في بعض مشاهد فيلم "حيوانات ليلية" مع "جيك جيلنهال".
الإخراج العادي وحركة الكاميرا الهادئة أو الثابتة أكسبت فيلم Manchester by the Sea لمسة واقعية وحولته لواقع تعيشه وتتفاعل معه
إخراج الفيلم قد تظنه عاديًا في البداية، لكن لو تأملته ستدرك أنه مناسب تمامًا، فقصة الفيلم لا تحتاج لبرمجة إخراجية تجعله "فيلم". الإخراج العادي وحركة الكاميرا الهادئة أو الثابتة في معظم الأحيان أكسبت الفيلم لمسة واقعية وحولته من مجرد فيلم إلى واقع تعيشه وتتفاعل معه.
أهم نقطة في الفيلم، والتي أجدها ميزة عظيمة، نادرًا ما توجد في فيلم من هذه النوعية هي "لحظات الصمت". تتخلل المشاهد لحظات صمت تبدو واقعية تمامًا، معظمها من شخصية "لي" وتلك اللحظات تؤكد لك تمامًا أن هذا الشخص مرهق، ولا يعلم ماذا يفعل، لقد فقد كل ما يربطه بالحياة، وهو مستعد للاستسلام في أي لحظة، وأفضل دليل على ذلك نهاية الفيلم. فقليلة هي الأفلام التي تجعلنا أحد أبطالها.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "الأبرياء".. صناديق الأديرة البولندية السوداء
كل ما تريد معرفته عن ترشيحات أوسكار 2017