29-أكتوبر-2024
التصعيد الإسرائيلي

الدفاع المدني يعمل على رفع الأنقاض بعد الغارات العنيفة التي استهدفت منطقة البقاع في لبنان (رويترز)

في مشهدٍ مشابه لسلسلة الغارات العنيفة التي شنّتها مقاتلات الاحتلال في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، والتي كانت إشارة إلى توسيع جيش الاحتلال عدوانه على لبنان، شنّت مقاتلات الاحتلال غاراتٍ عنيفة، ليل الإثنين – الثلاثاء، مستهدفةً مدن وبلدات محافظتي بعلبك الهرمل والبقاع شرقي لبنان، مما أسفر عن سقوط 63 شهيدًا، وإصابة 58 آخرين بجروح، بينما لا تزال عمليات رفع الأنقاض مستمرة في حصيلة غير نهائية.

وجاءت سلسلة الغارات العنيفة بعد ساعات من إصدار جيش الاحتلال إنذاراتٍ بإخلاء أربعة أحياء في مدينة صور الساحلية بجنوب لبنان، المعروفة بكونها حاضنة لحركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب، نبيه بري؛ التصعيد الذي فسره مراقبون بأنه محاولة للضغط على بري، المفوض من قبل حزب الله لإجراء مفاوضات لوقف إطلاق النار ، للقبول بالتعديلات الإسرائيلية على القرار الأممي رقم 1701.

هذا التصعيد العسكري، الذي وُصف بأنه "مفاوضات تحت النار"، رافقه تطور على مستوى القيادة في حزب الله، حيث أعلن عن انتخاب نعيم قاسم أمينًا عامًا بناءً على توافق مجلس الشورى، وهو اختيارٌ وصفه محللون بأنه "انطلاقة جديدة للحزب نحو مرحلة جديدة"، رُبطت باستهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في قيسارية قبل نحو عشرة أيام، وما تبعه من  هجمات للحزب على القواعد العسكرية الإسرائيلية.

هذا التصعيد الذي وصف بأنه "مفاوضات تحت النار"، رافقه تطور على مستوى القيادة في حزب الله بانتخابه، نعيم قاسم، أمينًا عامًا

وكان قاسم قد صرح في منتصف الشهر الجاري بأن قدرات حزب الله تفوق بكثير ما يعلنه المسؤولون الإسرائيليون، مشددًا على أن سكان مستوطنات الشمال لن يعودوا إلى منازلهم إلا بعد وقف إطلاق النار باتفاق غير مباشر، ومؤكدًا في الوقت ذاته أن "المقاومة مشروعة ودفاعية، وتستهدف أمرين: رفض الاحتلال وتحرير الأرض".

مقترح هدنة لمدة 60 يومًا

وعلى وقع التقارير التي تحدثت عن عودة محتملة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، عاموس هوكشتاين، إلى بيروت حاملًا معه مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار، تناقلت وسائل إعلام عبرية، أمس الإثنين، مقترحًا من ثلاثة عناصر لوقف إطلاق النار بين حزب الله وجيش الاحتلال، وسط مبادرة روسية للمساعدة في تنفيذه.

يتضمن المقترح، الذي ترفض الولايات المتحدة تمريره عبر مجلس الأمن ليكون جزءًا من القرار 1701، خشية فيتو مزدوج روسي – صيني، بحسب ما ورد في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، على تنفيذ القرار 1701 بشكل موسّع، لضمان عدم وجود حزب الله مع سلاحه في جنوب نهر الليطاني، وكذلك إبعاده كثيرًا عن منطقة مستوطنة المطلة.

ويرافق هذا الانسحاب انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان بأعداد كبيرة، بين خمسة آلاف وعشرة آلاف جندي. كما سيتم تعزيز قوة اليونيفيل الحالية، ربما باستبدال بعض كتائبها بكتائب فرنسية، وبريطانية، وألمانية، وقد توجّهت إسرائيل إلى هذه الدول لمعرفة ما إذا كانت ستوافق على ذلك.

أما العنصر الثاني، فهو مرتبط بمطالب الاحتلال بإنشاء آلية دولية للإنفاذ والمراقبة، يمكن من خلالها للأطراف الإبلاغ عن "الانتهاكات"، مما يمنح "إسرائيل" ضمانة للتصرف بمفردها وبشكل متواصل لإزالة التهديدات. ويشمل ذلك إمكانية شن جيش الاحتلال غارات جوية إذا "أقدم حزب الله على انتهاك، كإنشاء بنية تحتية عسكرية في جنوب نهر الليطاني، ولم يتم التعامل معه بسرعة من قبل الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل".

وأخيرًا، العنصر الثالث الذي يطالب بـ"منع إعادة تسليح حزب الله" باعتباره جزءًا من التفاهمات التي ستنهي الحرب، ويتضمن ذلك منع دخول وسائل عسكرية محظورة من الجو والبحر والبر. وبحسب القناة الـ12 العبرية، تطالب حكومة الاحتلال بأن تشرف الولايات المتحدة على هذه الآلية، وهو ما يعني فرض حصار أميركي على لبنان، وفق ما ورد في التقرير.

وذكرت الصحيفة العبرية أن موسكو أبدت استعدادها للمساعدة في تنفيذ الاتفاق، ومن المتوقع أن تلعب دورًا في إرساء الاستقرار على جبهتي لبنان وسوريا، ونقلت عن مصدر أجنبي ضالع في الأحداث، دون أن تسمه، قوله: "ستتمتع روسيا بمكانة خاصة في تنفيذ الاتفاق ومنع المزيد من التصعيد"، مشيرةً إلى أن المحادثات بين الكرملين وتل أبيب جرت بشكل مباشر.

الاحتلال استنفد الأهداف العسكرية

عودةً إلى توسيع جيش الاحتلال خارطة استهدافه للمدن والبلدات اللبنانية، يرى العميد المتقاعد أكرم سريوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال استنفد الأهداف العسكرية كافة، وحتى تلك الاستخبارية، إذ لم يتبقَ هناك أهدافٌ مهمةٌ لضربها عند حزب الله، فالحزب لا يمتلك أساسًا ثكنات أو مراكز ظاهرة ومعروفة، إذ تعتمد المقاومة دائمًا على مبدأ السرية والتخفي".

وأوضح أن "الأهداف التي يعرفها الاحتلال قد قام بضربها، مما يجعله يتجه لطرق أخرى للضغط، منها قصف المدنيين وتدمير الحجر بهدف زعزعة ثقة البيئة الحاضنة للمقاومة في حزب الله، وجعل اللبنانيين يشعرون بأن الحزب يتحمّل مسؤولية ما يلحق بهم من أذى وخسائر ودمار".

وأردف سريوي أن "من أسباب لجوء الاحتلال إلى هذه الخطة أيضًا ما يحصل على الحدود، حيث حاول التقدم وحشد خمس فرق، ما يدل على نية إسرائيلية حقيقية باجتياح بري واسع، وليس محدودًا كما تدعي، إذ كان يريد الوصول إلى مجرى نهر الليطاني، لكنه واجه مقاومة شرسة كبدته خسائر كبيرة".

ورغم إعلانات جيش الاحتلال المتكررة يوميًا عن "حدث صعب في الشمال"، وما يرافقه من تقارير تتحدث عن إنهاء الاحتلال للعمليات البرية في جنوب لبنان خلال أسبوع أو أسبوعين، يرى سريوي أن هذه الأخبار "في الحقيقة كارثية على الاحتلال، مما يجعله يعيد حساباته بريًا" بعد فشله في التقدم من عدة محاور.

لكنه يضيف مستدركًا أن "هذا لا يعني أن العدو يتجه نحو وقف الحرب، لكن قد يعود للضغط أكثر بواسطة سلاح الطيران، أي القصف والتدمير على الأراضي اللبنانية، فهذا السلاح يلحق أضرارًا بلبنان دون أن يلحق ضررًا كبيرًا بالاحتلال، ومن المتوقع أن يستخدمه بكثافة للضغط على لبنان للقبول بشروط إسرائيل لوقف إطلاق النار التي تشبه شروط الاستسلام".

لبنان متمسك بالقرار 1701

أما بشأن الشروط التي تحاول حكومة الاحتلال إضافتها إلى القرار 1701، فقد نقل "العربي الجديد" عن مصدر في حزب الله قوله إن "المقاومة الآن في موقع قوة، وعلى العدو أن يدرك ذلك، صحيح أنه حصلت انتكاسات عند اغتيال كبار القادة، لكنها عادت بقوة إلى الميدان، بل زادت من عملياتها العسكرية، وها هي تحقق إنجازات على المستوى البري، وتكبّد جيش الاحتلال خسائر كبيرة، وهيكليتها سليمة، وقد تم انتخاب نعيم قاسم أمينًا عامًا للحزب".

وأشار المصدر إلى أن "حزب الله أعلن أنه يثق بالحراك السياسي الذي يقوم به رئيس البرلمان نبيه بري، ولن يقبل إلا ما هو في مصلحة لبنان"، مشددًا على أن "الأولوية تبقى لوقف إطلاق النار، ولا مفاوضات تحت النار". كما أكّد مصدر مقرب من بري لـ"العربي الجديد" أن الأولوية في المرحلة الراهنة تتمثل بـ"وقف إطلاق النار، والالتزام بالقرار 1701 دون أي تعديل، فهو المدخل الوحيد للاستقرار والحل، مع تأييد المبادرة الأميركية – الفرنسية، والهدنة المؤقتة لإجراء المفاوضات".

من جانبه، أوضح مراسل "التلفزيون العربي" في بيروت، رامز القاضي، أن الأطراف السياسية تترقب زيارة هوكشتاين المتوقعة خلال اليومين المقبلين، وتتعامل بحذر مع المقترح الأميركي الإسرائيلي للتهدئة في لبنان، مؤكدًا أن الموقف الرسمي اللبناني لا يزال متمسكًا بالقرار 1701، مع بعض المرونة حول آلية تنفيذه.

وأضاف القاضي أن السلطات اللبنانية تعتبر أن الإطار الأنسب لوقف إطلاق النار في لبنان هو القرار 1701 ولا شيء غير ذلك، مثل القرار 1559 أو قرار جديد يُطلق عليه "1701 بلس"، مشيرًا إلى أن الحكومة اللبنانية تعمل حاليًا على التحشيد الدولي وطلب الدعم الدولي، وتحديدًا الأوروبي.

وفي السياق، رأى الباحث علي حميه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن توافق مجلس الشورى في حزب الله على انتخاب قاسم أمينًا عامًا، يأتي ضمن أن "الحزب بات لديه مساحة كافية بعد الانتصارات التي حققها في حرب البر ضد العدو الإسرائيلي"، لافتًا إلى أن انتخاب قاسم يمثل "انطلاقة جديدة للحزب إلى مرحلة جديدة".

وذكّر حميه بما قاله قاسم حين توعّد العدو الإسرائيلي بـ"مرحلة الإيلام"، وربط بين هذا التوّعد واستهداف منزل نتنياهو في قيسارية، بالإضافة إلى استهداف القواعد العسكرية لجيش الاحتلال في شمال الأراضي المحتلة، بما في ذلك استهداف قاعدة بنيامينا في جنوب حيفا.