يعتبر أدب الأطفال واحدًا من أهم مباحث الآداب الحديثة التي أوليت اهتمامًا خاصًا من قبل الكتاب، وكما أن لكل جنسٍ من الأجناس الأدبية خصائص معينة تميّزه عن غيره من الأجناس، فإنّ لأدب الأطفال كذلك خصائص يتفرّد بها عن غيره من الآداب، ويعود ذلك لكونه مقدمًا لشريحةٍ حساسة من المجتمع. وهي الأطفال مما يستدعي من الكاتب الانتباه الحذر، والتيقظ لكل ما يكتب تلافيًا لما يمكن حدوثه جرّاء أي خطأ، وتاريخ أدب الطفل زاخر بنماذج مميزة تعتبر من أروع ما كتب في عالم أدب الأطفال، فما هي خصائص أدب الأطفال التي على الكاتب استيفائها للحصول على قصةٍ متكاملة.
خصائص أدب الأطفال
نذكر الآن بعض أهم خصائص أدب الأطفال وهي:
-
الخيال الخصب
والخيال واحد من أهم خصائص أدب الطفل. وهو إشباع القصة بأحداثٍ غرائبية من شأنها تشويق الطفل لقراءة القصة دون مللٍ وبطريقةٍ تثير الدهشة لديه، وتعتبر قصة فرخ البط القبيح للكاتب المميز هانز كريستيان أندرسن من أعظم ما كتب في أدب الطفل، حيث استخدم فيها هذا الكاتب الفذ الخيال بطريقةٍ مبتكرة؛ إذ قدم القصة على لسان الحيوانات المتعددة. وحاكى من خلالها قضية نفسية عميقة تتمحور حول نبذ الفرد من المجتمع لكونه يحمل صفات مختلفة عن المحيطين فيه. كما يتعرض للتنمر والازدراء ومحاولات عديدة للاستغلال ليكتشف في النهاية أن هذه الصفات المختلفة ما هي إلا مميزات وسمات جمالية يتفوق بها على الآخرين.
قصة فرخ البط القبيح من أدب الأطفال
-
سلاسة اللغة ومناسبتها للفئة العمرية المقدمة إليها
أي بساطتها وسهولة فهمها، ومن أبرز الأمثلة على هذه الخاصية قصة الأم وطفلها الشقي لكاتبها باربرو ليندغرين وإيفا إريكسون. وهو نموذج مميز لواحدة من أهم خصائص أدب الطفل، وهي مناسبة اللغة وطول الجمل للمرحلة العمرية المقدمة إليها، وهي قصة مقدمة للأطفال من سن العامين؛ إذ تعتبر جملها مناسبةً لهذا العمر من حيث قصرها ولحنها، وتنتهج القصة ألحان التهاويد بشكلٍ ما، مما يجعل انسجام الطفل أكبر وأكثر متعةً.
تحول بينهما الأقدار مرةً أخرى عندما يلقي به أحد الأطفال في موقد النار فيبدأ بالذوبان متحسرًا على لذة الحب الضائعة التي لم يتذوقها.
-
الالتزام الأدبي والأخلاقي
أي تماشي القصة مع الضوابط الأخلاقية التي تحكم المجتمعات عامةً، وعدم التعرض للكلمات والتعابير التي تعتبر خدشًا لهذه الأخلاقيات العامة. ومن أفضل النماذج القصصية على هذه الخاصية قصة جندي الصفيح الثابت من تأليف هانز كريستيان أندرسون، حيث تعرض القصة نموذجًا لقصة حب بين دميتين هما: جندي الصفيح الرصاصي وراقصة الباليه، تحول بينهما العديد من الظروف دون أن يستطيعا الالتقاء معًا ولو لمرةٍ واحدة، حيث يعاني الجندي من بتر ساقه مما يجعله منبوذًا من قبل بقية الألعاب، ثم تدور أحداث كثيرة وشيقة ومغامرات يتعرض لها الجندي إثر القائه في بركة مياهٍ في الشارع، ليعود بقدرٍ غريبٍ إلى البيت مرةً أخرى، ويجد محبوبته ما زالت واقفة في انتظاره. بينما تحول بينهما الأقدار مرةً أخرى عندما يلقي به أحد الأطفال في موقد النار فيبدأ بالذوبان متحسرًا على لذة الحب الضائعة التي لم يتذوقها. لتلعب الأقدار لعبتها ثانيةً عندما يهب الهواء قاذفًا معه راقصة الباليه في الموقد بجانب الجندي فتحترق هي. أما هو فيذوب ليشكل من معدن الرصاص قلبًا مزينًا بدبوس الراقصة.
وعلى الرغم من تناول القصة لموضوع يعتبر حساسًا في مجتمعاتنا نوعًا ما إلا أن إيمان الكاتب بضرورة التعبير عنه للفئة العمرية المستهدفة مكنّه من تقديم القصة بهذا الطابع ذي الإحساس المرهف، وبإطارٍ أدبيًّ وأخلاقيًّ لا تشوبه شائبة.
-
محاكاة القصة لعالم الطفل الداخلي والخارجي
خلق الأدب ليحاكي واقع الإنسان وما يعيشه ويعانيه من منغصات بل ومعالجتها أيضًا، وقد عُني أدب الأطفال بمحاكاة عالم الطفل . وحاكى كذلك بعض المشكلات التي قد يصعب تقديمها بطريقةٍ مباشرةٍ للطفل فكان ورودها في الأدب بطريقةٍ مناسبة هو الحل لهذا الإشكال.
ومن أجمل قصص الأطفال وأكثرها قربًا للنفس قصة وداعًا سيد قاروض من تأليف الكاتب أولف ستارك، فهي قصة تعالج تقديم فكرة الموت للطفل بطريقةٍ سلسة ولبقة، محملة بالكثير من المشاعر المرهفة التي تتناغم مع ما يجول بخاطر الطفل بعيدًا عن الخوف.
-
أخذ الطفل على محمل الجد أثناء كتابة القصة
مما يعني عدم الاستخفاف بالبنية السردية، واستخدام السبب والنتيجة للوصول إلى الغاية المطلوبة.
ومن الأمثلة القصصية على هذه الخاصية قصة صابر وملابسه الجديدة من تأليف إلزا بسكوف؛ حيث تعتمد هذه القصة على المسببات والنتائج المترتبة عليها بطريقةٍ يسهل على الطفل فهمها وتطبيقها. يريد صابر صنع ملابس جديدة فكان عليه تقديم بعض المساعدة لأفراد الأسرة الذين سيصنعون له هذه الملابس من غسل الصوف وصبغه ونسجه وغيرها. وتحاكي القصة أهمية اعتماد الطفل على نفسه من خلال مساعدته للآخرين.
-
احتواء القصة على الحوار بجملٍ قصيرة نسبيًا
وهذا للأعمار من سنتين ثم جمل متوسطة الحجم للأعمار الأكبر ثم الجمل الطويلة. ومن الأمثلة التوضيحية لها قصة الطفل الشقي مغامر بحري من تأليف باربروليندغرين وإيفا إريكسون. حيث تستخدم جملًا قصيرة تناسب الأطفال بعمر العامين، بالإضافة لاستخدام الكاتبين للحن والترخيم أثناء كتابة القصة، وتتناغم القصة بأسلوبٍ لطيفٍ مع عالم الطفل المشاغب.
-
استخدام الصور بطريقةٍ لا تتعارض مع متن القصة
أي أن تكمل الصورة المتن دون تكرار سرده، ولهذا يفضل تواجد الكاتب مع الرسام أثناء كتابة القصة حتى يتمكنا من إخراج نموذجٍ مميزٍ للقصة المصورة، وفي قصة أين أختي من تأليف سفين نور ديكفيست. حيث اعتمدت القصة على الصور بطريقةٍ مبتكرةٍ، وقدمت نموذجًا حيًا رائعًا لعالم خيالي ترويه الصور، في حين تتماشى مع متن القصة بطريقةٍ متفردة.
-
استخدام عنصر المفاجئة
أي أن تكون النتيجة المترتبة على الحدث غير متوقعة بالنسبة للطفل فتكون القصة أكثر تشويقًا وإثارة، ومن الأمثلة على هذه الخاصية قصة سعد يقص شعره من تأليف أولف ولينا لاندستروم، حيث تعبر عن عالم الطفل الخاص واختياراته الشخصية التي غالبًا ما يرفضها الأهل، إلا أنها أحيانًا تجانب الصواب. مما يثير الدهشة عند الطفل والأهل معًا، مع أنها تبدو غريبة الأطوار إلى حدٍ بعيد.
أهمية مراعاة الكاتب لخصائص أدب الأطفال
يقولون: "أسهل عليك صناعة طفل ناجح من علاج رجال محطمين"، والأطفال أذكياء أكثر مما نعتقد وهم قادرون تمامًا بفطرتهم السليمة على تمييز من يأخذهم على محمل الجد، ويحاول صناعة الأفضل لهم ممن لا يعنيه الأمر كثيرًا.
إن الكتابة في مساق أدب الأطفال تحديدًا ليست بالشيء الهين، وليست أمرًا يمكن لأي شخص القيام به، كل ما سبق من الخصائص من شأنه جعل الطفل مقبلًا أكثر على القراءة ومتحمسًا للحصول على معلومات جديدة من خلال القصة أو الرواية أو مسرح الطفل، لذا يتوجب على من يخوض هذا المجال أن يعلم تمام العلم أنه يحمل على عاتقه أمانة الوصول بالطفل إلى بر الأمان وأنه بإمكانه أيضًا صناعة طفلٍ قارئ أو طفل عازف عن القراءة.
منذ فترة أعرت صديقتي كتابًا قبل أيام، في الواقع نحن معتادان على إعارة بعضنا للكتب، ما فاجأني في ذلك اليوم حقًا هو ردة الفعل العجيبة التي أبداها طفلها البالغ من العمر 14 عامًا، اعترض الولد بشدة مؤكدًا على أنه عندما يتزوج لن يسمح لزوجته بالقراءة أبدًا، إلا إن شاءت بأوقات فراغها!!!.
الآن، وبعيدًا عن كل شيء، ما أصابني بالدهشة هو هذه النظرة التي نمتلكها حول أن القراءة ما هي إلا هواية يمكن ممارستها أثناء أوقات الفراغ، ضرب من ضروب الرفاهية، الكارثة حقًا هو امتلاك أبنائنا لهذه الثقافة ونحن أصلًا أهل القراءة ومنبعها، الكارثة الأكبر هو أن إنكار الطفل لأهمية القراءة بالنسبة لذويه، وينطوي عليه بكل تأكيد عزوفه عنها كليًا.
برأيي، حتى نتمكن من رأب هذا الصدع الخطير الذي يهدد مجتمعنا بانهيارٍ وشيك يتوجب علينا إعادة النظر حول فكرتنا نحن أولًا بكل ما يتعلق بالقراءة عامةً وقراءة الأدب خاصةً، وبالذات أدب الطفل وإن كانت القصة السابقة مثالًا على نظرة طفلٍ اعتاد على رؤية مكتبة في بيته، فما بالنا بنظرة طفلٍ لا يكترث ذووه أصلًا بالقراءة.