في ظل ما تشهده المنطقة من توترات متصاعدة، من أبرز أبطالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، توقفت مجلة الإيكونوميست عند صعود ابن سلمان للحكم، في محاولة لتحليل مُوجز لمآلات هذا الصعود السريع، سواءً على بلاده أو المنطقة، أو حتى نفسه وطموحه. وفي السطور التالية ننقل لكم مقال الإيكونوميست مترجمًا بتصرف.
جمعت السعودية العديد من كبار المسؤولين في فندق ريتز كارلتون، الذي احتُجزوا فيه، حتى أنه لا يكاد يتسع للمزيد من المحتجزين. ومنذ الرابع من تشرين الثاني/نوڤمبر، اعتقل أكثر من 200 من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال، حتى أن فنادق أخرى قد يتم تخصيصها لتلقي الفائض. ورغم الإعلان عن أن حملة الاعتقالات تلك تأتي بدعوى "مكافحة للفساد"، إلا أنها تبدو وكأنها محاولة من أجل التخلُص من الأعداء السياسيين.
رغم أن حملة اعتقالات الأمراء في السعودية تأتي تحت عنوان "مكافحة الفساد"، إلا أن غرضها تخلص ابن سلمان من خصومه السياسيين
بالإضافة إلى ذلك، تشهد السعودية جملة من التغيرات التي تقود لنفس الهدف، فقد صدر الأمر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة أخيرًا، وتُنشأ مرافق سياحية جديدة الآن، وتسعى السعودية لبناء مدينة اقتصادية تكنولوجية (مشروع نيوم) بتكلفة 500 مليار دولار. جميع هذه التغيرات، يقودها ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان، بهدف تهيئة الأوضاع لاعتلائه العرش رسميًا. فكيف تسنى له الحصول على كل هذا النفوذ؟
اقرأ/ي أيضًا: اعتقالات الأمراء في السعودية.. كل شيء مباح لوصول "السفاح" للعرش
كان الملك عبدالعزيز، مؤسس الدولة السعودية الحالية، لديه عشرات من الأبناء الذكور. ولتقليل التنافس في أسرته مترامية الأطراف، وضع خطًا أُفقيًا لتولي الحكم، عن طريق انتقال السلطة من أحد أبنائه إلى الآخر.
أحد أبنائه، وهو الملك سعود، أول من حكم بعده، أُطيح به في 1964، على خلفية مخاوف من أنه أراد أن يُورّث الحكم لابنه. وحصل الأمراء الآخرون على مناصب، فأحد الأمراء أشرف على الجيش، وآخر تولى وزارة الخارجية. لكن أبناء الملك عبدالعزيز تقدم بهم العمر، فأصغرهم يبلغ من العمر الآن ما يزيد عن السبعين عامًا. والملك الحالي، سلمان، يزداد ضعفًا.
وقد عانى الحكام المُسِّنون من مهمة إدارة دولة حديثة، إذ إنّ 59% من المواطنين البالغ عددهم 20 مليونًا، تقل أعمارهم عن 30 عامًا. وقد بدأ العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، بتعيين ابن أخيه محمد بن نايف وليًا للعهد في 2015. لكن يبدو أن ذلك كان تمهيدًا لتصعيد نجله محمد، فقد عُزل ابن نايف ووضع تحت الإقامة الجبرية، ليصعد مكانه محمد بن سلمان وليًا للعهد. لتكون هذه المرة الأولى التي يسعى فيها ملك سعودي وبشكل رسمي لنقل السلطة لولده.
ولم يُضيّع محمد بن سلمان الكثير من الوقت، ليبدأ في تعزيز نفوذه، فبدأ باسم والده في السيطرة على الفروع الثلاثة للأجهزة الأمنية. وللمرة الثانية فقط في تاريخ السعودية يُعيّن مواطن عادي، ليس من آل سعود، وزيرًا للخارجية، وهو عادل الجبير.
وفي أيلول/سبتمبر، اعتقلت السلطات عشرات من أصحاب الرأي، بينهم دعاة دين بارزون. وقد كانت الرسالة واضحة، فلم تُثر أيٌّ من قرارات التغريب معارضة من المؤسسة الدينية، كما لم تفعل حملة اعتقالات الأمراء ورجال الأعمال.
وفي حين كان الملك السعودي، ومن بعد وفاة الملك عبدالعزيز، يُعتبر الرجل الأول بين أنداد ومتنافسين داخل الأسرة الحاكمة، إلا أنّ ابن سلمان كسر هذا التوازن. ورغم أنّه يسعى للظهور في صورة المُصلح الشاب، إلا أنّه في الحقيقة يُحوّل بلاده إلى ملكية مُطلقة بمعنى الكلمة.
بتحركاته في الداخل والخارج، يزيد ابن سلمان من قائمة أعدائه التي أصبحت طويلة بما يكفي لتهديد طموحه واستقرار بلاده
يأتي ذلك كله إلى جانب محاولات تدخل سافرة، كانت سببًا في زعزعة الاستقرار في الداخل والخارج، فقد أظهر محمد بن سلمان شهوة للمغامرات الخارجية غير المحسوبة، كانت سببًا في التصاق لقب "الأمير الطائش به"، وذلك في اليمن التي يقود فيها حربًا مُكلّفة لم تُؤتِ أُكلها، ثُم تزعمه -إلى جانب أبوظبي- حصار غير ناجح ضد قطر، والذي لم ينل من ورائه سوى تشظي مجلس التعاون الخليجي، وأخيرًا، فإنه بتحركاته الداخلية يُنهي فترة طويلة من السياسات التوافقية التي كانت تكفل الاستقرار للبلاد.
يومًا تلو الآخر، يزيد الأمير الشاب (32 عامًا) قائمة أعدائه التي أصبحت طويلة كفاية بما يُهدد طموحه، سواءً في الداخل، أو حتى في الخارج المحيط بالسعودية.
اقرأ/ي أيضًا:
هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟