04-نوفمبر-2016

الفنان الراحل محمد فوزي

الأسبوع الماضي حلّت الذكرى الخمسين لرحيل الملحن والمطرب والممثل الكبير محمد فوزي. وقد احتل هذا الفنان مكانة مرموقة في تاريخ الموسيقى المصرية الحديثة بما قدّمه من إبداعات متنوعة في مجال الغناء المصري، والذي كان رائدًا في العديد منها.

كان محمد فوزي رائدًا في تقديم أغاني الأطفال ولحّن لهم ثلاث أغنيات 

فقد كان محمد فوزي رائدًا في تقديم أغاني الأطفال ولحّن لهم ثلاث أغنيات هي "ماما زمانها جايّة"، و"طلع الفجر ذهب الليل"، و"كان وإنّ". وكذلك فقد كان محمد فوزي رائدًا في تقديم شخصية المسحراتي في بدايات التلفزيون المصري، وأيضًا قدّم محمد فوزي تجربة لم تتكرر في الغناء المصري عندما قدّم أغنية "كلّمني طمّني" بمصاحبة كورس من النساء والرجال وبدون أية مصاحبة من الآلات الموسيقية، حيث قسَّم الكورس إلى مجموعتين، الأولى تقوم بدور الفرقة الموسيقية بآلاتها المتنوعة ذات الطبقات الصوتية المختلفة من حيث حدّة الصوت أو غلظته، أو في طبقته الصوتية المتوسطة، فجاءت الأغنية فريدة في الغناء المصري.

اقرأ/ي أيضًا: حمزة نمرة.. راوٍ يتجول بالأغاني

قدّم محمد فوزي الأغاني ذات الطابع الساخر مثل "كان بدري عليك..عليك بدري" التي غنّاها في مشهد حفل زفاف أحد أصدقائه في فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل"، محاكيًا فيها بسخرية أسلوب العديد المصري على الموتى، وكذلك غنّى "جنينة الغرام" بالمشاركة مع صباح وإسماعيل ياسين، وهما أيضًا شاركاه غناء "أبطال الغرام" التي استعرض فيها محمد فوزي بصورة ساخرة أشهر قصص الغرام في التاريخ من خلال مجنون ليلى وكليوباترا ومارك أنطونيو وروميو وجولييت. كما قدم محمد فوزي في بعض أفلامه صورًا غنائية شاركته فيها بطلة الفيلم، ومنها "مملكة النساء" و"سلطان الجنّ"، كما قدم ثنائيات غنائية ناجحة مع بطلات بعض أفلامه من المطربات نذكر منها ثنائيات "شحّات الغرام" مع ليلى مراد، وهو أحد أشهر ثنائيين في تاريخ الغناء المصري مع ثنائي "حكيم عيون" الذي قدمه محمد عبدالوهاب مع الفنانة راقية إبراهيم. وقدم محمد فوزي أيضا مع ليلى مراد ثنائي "خايفة وفرحانة" و"فيه حاجة شاغلاك". كما قدّم مع صباح ثنائيات "مثلاً" و"شاغلني بعين" و"إنت حبيبي". وقدم فوزي أغنيتين فرانكو-آراب هما "فاطومة" و"يا مصطفى يا مصطفى"، التي اشتهرت بعد ذلك بأداء بوب عزام.

كان محمد فوزي يتمتع بعقلية رجل أعمال، حيث أنشأ في نهاية الخمسينيات أول شركة للأسطوانات في مصر والشرق الأوسط، في وقت كانت صناعة وإنتاج اسطوانات الموسيقى والغناء حكرًا على الأجانب، وألحق بها أستوديو لتسجيل الألحان والأغاني، ومثّل تأميم رجال "ثورة يوليو" 1952 لهذه الشركة في أوائل الستينيات صدمة كبرى للفنان العظيم لم يتعاف منها حتى وفاته إثر إصابته بمرض غامض. كان اسم الشركة "مصر فون"، ولم يطلق عليه اسم "فوزي فون" نسبة إلى اسمه، وبعد تأميمها أصبحت تُعرف باسم "شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات". كما كوّن أيضًا شركة للإنتاج السينمائي في عام 1947، ويذكر له تاريخ السينما المصرية أنه أول من أنتج الفيلم الملوَّن، كان ذلك مع فيلمي "نهاية قصة" و"بابا عريس" وقد مني محمد فوزي بخسارة مادية كبيرة بسببهما، لكنه خطا بالفن السينمائي العربي خطوة هائلة الى الامام. 

نجمات وأفلام ومبدعون

قدّم محمد فوزي للسينما 36 فيلمًا خلال 15 عامًا، ما بين عامي 1944-1959، نذكر منها "مجد ودموع" و"صباح الخير" وفاطمة وماريكا وراشيل" و"الآنسة ماما" و"الحب في خطر" و"ورد الغرام" و"كل دقة في قلبي"، وقد شارك فوزي بطولة أفلامه مجموعة متنوعة ومميزة من الممثلات والمطربات والراقصات. فمن المطربات هناك صباح ونور الهدى وليلى مراد ورجاء عبده، أما الممثلات اللاتي شاركنه بطولة بعض أفلامه فهن مديحة يسري وتحية كاريوكا وعقيلة راتب ونعيمة عاكف وفاتن حمامة وسامية جمال وكاميليا وليلى فوزي وزينات صدقي وماري كوين، كما أخرج أفلام فوزي كل من حلمي رفلة وعبد الفتاح حسن وعاطف سالم وعباس كامل وأحمد بدرخان وهنري بركات ونيازي مصطفى ويوسف وهبي وعز الدين ذو الفقار وإبراهيم عمارة، وكتب الأغاني التي لحّنها محمد فوزي كل من علي محمود وأحمد رامي وبيرم التونسي وبديع خيري ومأمون الشناوي وبديع خيري وفتحي قورة وأبو السعود الأبياري وعبد العزيز سلام وحسين السيد. وقد أنتج محمد فوزي 25 فيلمًا من أفلامه الست والثلاثين من خلال شركته الخاصة للإنتاج السينمائي.

مطرب السيد البدوي

ولد محمد فوزي في 28 آب/أغسطس عام 1918 بقرية كفر الجندي التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية في وسط دلتا النيل. كان والده جميل الصوت فعشق الصبي الغناء منذ نعومة أظفاره، وورث جمال الصوت عن أبيه. وفي عام 1931 حصل محمد فوزي على الشهادة الابتدائية وبعدها التحق بالمرحلة الثانوية، وأثناء ذلك تعلّم قراءة التدوين الموسيقي "النوتة الموسيقية" وجذبه حبه للموسيقى والغناء، حتى شغله عن الاهتمام بدراسته، فقد كان يغني لزملائه في المدرسةالثانوية، كما كان يغني محمد فوزي في مولد العارف بالله سيدي أحمد البدوي بمدينة طنطا، وفي موالد غيره من أولياء الله الصالحين، مما أدى في النهاية إلى فشله في الحصول على شهادة البكالوريا، وهو ما تسبب في سوء العلاقة مع والده.

أممت "ثورة يوليو" شركته "مصر فون" ومصنع أسطواناتها العائدين إلى محمد فوزي

ذات ليلة، وأثناء غنائه في أحد الموالد سمعه أحد عازفي آلة القانون المعروفين، مصطفى العقاد، فأعجب بصوته واستعداده الموسيقي، ونصحه بالسفر إلى القاهرة والالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية (معهد الموسيقى العربية حاليًا) لصقل موهبته بالدراسة. وبالفعل سافر فوزي إلى القاهرة عام 1935، وهو في السابعة عشرة من عمره، بدون رضا والده أو مساعدته، والتحق محمد فوزي بالمعهد بعد اجتيازه اختبارات القبول بنجاح. أثناء دراسته في المعهد عمل في الفرقة التي مرّ عليها أغلب أساطين الغناء والموسيقى في النصف الأول من القرن العشرين، فرقة "بديعة مصابني"، إلا انه ترك الفرقة تضامنًا مع الراقصة "لولا" التي كان يحبها وفصلتها بديعة من الفرقة، ثم عمل مع فرقة "فاطمة رشدي"، وبعد عام التحق بالفرقة القومية المصرية (التي أطلق عليها فيما بعد المسرح القومي)، وعُيّن فيها فوزي ليكون بديلًا للمطرب إبراهيم حمودة الذي كان يقوم ببطولة المسرحية الغنائية "شهر زاد" لسيد درويش. كان عمل فوزي أن يكون جاهزًا ليحل محل المطرب إبراهيم حمودة إذا حدث له أي طارئ غير متوقع، ولم يخطر على بال أحد أن إبراهيم حمودة سوف يمرض فعلا ليلة الافتتاح. وهكذا لعبت الأقدار لعبتها وكان على محمد فوزي أن يقوم ببطولة المسرحية الغنائية بدلًا من المطرب المشهور. 

اقرأ/ي أيضًا: حكايات عن عمر الشريف في ذكرى رحيله

ونظرًا لأن المفاجأة كانت أكبر من توقّع محمد فوزي فإنه ما إن صعد على خشبة المسرح حتى نسي أجزاء من الحوار، واضطر للارتجال، ورغم تقبُّل الجمهور له إلا أن محمد فوزي قرر ترك المسرح الغنائي وعاد للعمل كمطرب مرة أخرى. لكن هذه التجربة "الفاشلة" في المسرح الغنائي قادته إلى العالم الكبير الذي حقق له نجاحًا وشهرة، فقد انتبه الى موهبته يوسف بك وهبي فتعاقد معه على القيام بدور ثانوي في فيلم "سيف الجلاد" عام 1944، الذي أخرجه ولعب بطولته يوسف وهبي نفسه، وفي العام التالي مباشرة اختاره المخرج أحمد بدرخان للبطولة الثانية في فيلم "قبلة في لبنان" وبعدها صار من نجوم الصف الأول.
 

الإذاعة والثورة والموت كمدًا

ورغم شهرته في ذلك الوقت إلا أن محمد فوزي لم ينجح كمطرب في اختبارات الإذاعة المصرية. وربما كان ذلك يعود لاعتبارات فنية لا ندركها، إلا أنه تم قبوله كملحن لدى الإذاعة. بعد الثورة، سيتم اعتماده كمطرب في الإذاعة، ولكن ليس كل ما تأتي به الثورة جميلًا، فقد تم تأميم شركته "مصر فون" واستولت الدولة عليها وعلى مصنع الأسطوانات، وكانت هناك غلظة وقسوة في التعامل معه: حدّدوا له مكتبًا صغيرًا يجلس فيه، بدلًا من مكتبه، وقدروا له راتبًا معينًا، كأي موظف. أصابه الغمّ والمرض، وكان مرضًا نادرًا. سافر محمد فوزي إلى الولايات المتحدة لعلاجه دون أن يتحقق الشفاء. نقص وزنه حتى صار 40 كيلوغرامًا، ولم يتمكن الأطباء من تحديد ذلك المرض، حتى أنه سُمّي في المراجع العلمية باسمه. بعد فوات الأوان، صدر قرار علاج له على نفقة الدولة، وحاولت الدولة أن ترعاه كقيمة فنية، ولكن الموت كان أسرع إليه من قرارات الدولة البيروقراطية، ووافته المنية في 20 من تشرين الأول/أكتوبر 1966.

اقرأ/ي أيضًا:

بديع خيري.. موليير المصري

"المهرجانات".. في مدونة الموسيقى المصرية