ربما يكون بيان منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) الذي بدأته بقولها: "ليست هناك كلمات بإمكانها أن تنصف الأطفال القتلى"، وخطت بعده أسطرًا فارغة، هو أكثر البيانات تنديدًا لحالة الصمت الدولي التي ترافق الهجوم الأعنف للنظام السوري على منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد انتشار مقاطع مصورة من المدن المحاصرة في المنطقة، يظهر فيها أطفالًا قضوا نحبهم جراء الغارات الجوية التي شنتها مقاتلات روسية سورية خلال اليومين الماضيين.
أصدرت اليونيسيف بيانًا بشأن ما تتعرض له الغوطة الشرقية من هجمات، قالت فيه: "ليست هناك كلمات بإمكانها أن تنصف الأطفال القتلى"
الغوطة الشرقية.. "مذبحة القرن 21"
واستهدفت المقاتلات الحربية الروسية والسورية، خلال الـ48 ساعة، بمئات الغارات الجوية التي استهدفت الغوطة الشرقية، يرافقها من الأرض قصف براجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة، يمكن وصفه بالأعنف منذ الهجوم الكيميائي في آب/أغسطس 2013.
اقرأ/ي أيضًا: حصار مطبق على الغوطة الشرقية.. وأطفالها يموتون جوعًا
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنه خلال يومي الأحد والإثنين الماضيين، تعرضت المنطقة لنحو 2400 ضربة جوية وبرية، قضى على إثرها ما لا يقل عن 231 مدنيًا، وأُصيب أكثر من ألف آخرين بجروح.
ووصف طبيب من الغوطة الشرقية لصحيفة الغارديان البريطانية ما يحدث بأنه "مذبحة القرن 21"، بعدما تعرضت سبعة مستشفيات للقصف.
وقبل يومين من الهجوم الجنوني الذي ينفذه النظام السوري، نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا يوثق مقتل 729 مدنيًا ما بين منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2017، ومنتصف الشهر الجاري، في الغوطة الشرقية، فضلًا عن ارتكاب النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي، نحو 40 مجزرة، رغم إدراج المنطقة ضمن مناطق "تخفيف التوتر" الموقع عليها في أيار/مايو الماضي في العاصمة الكازاخية أستانا.
هل تشهد الغوطة الشرقية سيناريو حلب؟
ويبدو أن النظام السوري بغطاء دولي روسي يسعى لتكرار سيناريو الشطر الشرقي لمدينة حلب، في الغوطة الشرقية، بعدما شن هجومًا عنيفًا نهاية عام 2016 على حلب الشرقية، دفع فصائل المعارضة للانسحاب منها لريف حلب ومحافظة إدلب، بعد اتفاق يضمن خروجًا آمنًا لمن يرغب من المدنيين، على غرار عملية التهجير القسري التي شهدتها مختلف مناطق الغوطة الغربية بريف دمشق.
وفي تصريح يعكس مضي النظام السوري مع حلفائه في العمليه العسكرية العنيفة، لاستعادة المنطقة من قبضة فصائل المعارضة السورية، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "عملية حلب واتفاقات انسحاب المسلحين منها، يمكن إعادة تطبيقها في الغوطة الشرقية"، مؤكدًا سعيهم لـ"تحقيق ذلك"، والذي بدا أنه ردًا على تحذيرات المبعوث الأممي لسوريا ستافان دي ميستوري من أن تصبح الغوطة الشرقية "حلبًا ثانية".
وقبل يومين نفت فصائل المعارضة المتواجدة في الغوطة الشرقية وجود مفاوضات أو أي اتفاق هدنة مع النظام السوري بحسب ما نقلت وكالة سمارت المحلية، بعدما قال موقع روسيا اليوم، إن هناك مفاوضات جارية بين النظام السوري وفصائل المعارضة.
يبدو أن النظام السوري وبغطاء روسي، يسعى لتكرار سيناريو حلب الشرقية، وهو ما صرح به وزير الخارجية الروسية
وجاء نفي المعارضة بالتوازي مع انتشار مقاطع مصورة على صفحات موالية، قالت إنها تعزيزات عسكرية لقوات العميد سهيل الحسن الملقب بـ"النمر"، قادمة من الشمال السوري لبدء عملية عسكرية برية في الغوطة الشرقية.
اقرأ/ي أيضًا: حلب.. معركة الأرض المحروقة
وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية فإن وفدًا مصريًا وصل إلى دمشق قبل أيام لإجراء اتصالات مع قيادات من جيش الإسلام، ووفق الصحيفة الللبنانية فإن المفاوضات تدور حول الدفع بجيش الإسلام لإجبار باقي الفصائل على الخروج من الغوطة اتجاه محافظة إدلب في الشمال السوري، والسماح لقوات النظام بالدخول للمدن التي تنسحب منها الفصائل.
ويتقاسم جيش الإسلام بالاشتراك مع حركة أحرار الشام الإسلامية وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام (هتش) السيطرة على المدن والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام في منطقة الغوطة الشرقية، ويعتبر جيش الإسلام أكبر الفصائل المتواجدة فيها.
"سربرنيتسا جديدة"
وفي تقرير منفصل، شبهت صحيفة الغارديان البريطانية ما يحصل في الغوطة الشرقية بأنه "سربرنيتسا أخرى"، بعدما انتشرت عشرات المقاطع المصورة التي تظهر انتشال الضحايا من بين الأنقاض، فيما غضت المستشفيات التي لا تزال يمكنها تقديم الإسعافات الأولية، بمئات الجرحى، كما وثق نشطاء بالصور تحليق الطيران المكثف على مدى 24 ساعة في سماء المنطقة.
وكانت الغوطة الشرقية أولى المناطق التي شن النظام السوري عليها هجومًا كيميائيًا، عندما قصفتها قواته في 21 آب/أغسطس 2013، بقذائف تحمل رؤوسًا كيميائية. ويقول خبراء إنها كانت محملة بغاز السارين السام، ما أسفر عن مقتل ما يزيد على 1200 مدني، وهو الهجوم الذي منح رئيس النظام السوري بشار الأسد، ضوءً أخضر لشن المزيد من الهجمات الدامية على مختلف المناطق الخارجة عن سيطرته، نتيجة الصمت الأممي الذي رافق الهجوم الكيميائي حينها، ودفعت ثمنه كافة الجيوب التي تقع ضمن نفوذ المعارضة السورية.
وشرع النظام السوري اعتبارًا من عام 2013 بفرض حصار خانق على الغوطة الشرقية. وخلال الأعوام الخمس الأخيرة، تعرضت لهجمات صاروخية مختلفة في محاولات لتقليص نفوذ المعارضة في المنطقة، قابلتها الأخيرة بشن هجمات خاطفة على مواقع النظام، حيث استطاع مقاتلو المعارضة الوصول أكثر من مرة لمناطق حساسة داخل العاصمة دمشق.
هذا وتقدر منظمات حقوقية وتقاري صحفية، وجود ما يزيد عن 400 ألف داخل الغوطة الشرقية، محاصرين من قبل قوات النظام السوري.
وشبهت الغارديان في تقريرها، ما يحدث في الغوطة بما سبق وحدث في سربرنيتسا منتصف تسعينات القرن الماضي، عندما قاد الجنرال الصربي راتكو ملاديتش تحت أعين قوات حفظ السلام الأممية التي كانت مكلفة بحماية المدنيين في المدينة، حيثُ تعرضت لعملية تطهير جماعي وصفها كوفق عنان بأنها أسوء عملية تطهير عرقي منذ عام 1945.
شبهت الغارديان ما يحدث في الغوطة بما حدث بسربرنيتسا منتصف التسعينات، حيث ارتكبت المجازر تحت مرأى ومسمع قوات حفظ السلام الأممية
وفيما يشهد الشمال السوري تطورات عسكرية متوالية من جانب العملية العسكرية التي تشنها القوات التركية بالاشتراك مع الجيش السوري الحر في منطقة عفرين، أو الاقتتال الذي اندلع مؤخرًا غربي حلب بين فصائل المعارضة من طرف، وهيئة تحرير الشام من طرف آخر؛ يبدو أن النظام السوري ماض في عمليته العسكرية العنيفة لاستعادة أكبر الجيوب المحاذية للعاصمة دمشق، ما لم يكن هناك قرار دولي يلزمه بإيقاف مذبحته التي يرتكبها بحق المدنيين العزل في الغوطة الشرقية منذ خمسة أعوام.
اقرأ/ي أيضًا:
سوريا.. حكايات أمل من الغوطة الشرقية
تحقيق دولي يدين إجرام الأسد.. 33 هجومًا كيميائيًا ضد المدنيين منذ 2011