* إلى يعرب العيسى
1
من لهذا العالم غيرُ العتابا؟؟
الجدّاتُ المتعباتُ في ظلالِ النّخل
أمِ النخّل المستفيءُ ظلالَهنّ؟؟
نساءٌ لهنّ شكلُ الأبياتِ رباعيّةِ الإيقاع،
ثنائيّةِ المعنى..
وشجراتٌ بقامات تحاكي الآهاتِ
في أوّل الأبيات
على أول ربابٍ..
من للعالم غير العتابا؟
العتابا التي لا نعرفُ أهي نخلاتٌ أم جدّاتٌ!
ومن للعتابا؟
2
هجروني حين ملأتِ البثور وجهي،
تركوني وحيداً في الخيمة مع الكلب
مثل الخيمةِ والكلبْ
فانتقلت عدوى البثور إلى قلبي.
وحيدَيْنِ في الخيمة الأخيرة
يا شِيْر،
يا كلبي وصاحبي،
وليس سوى الخيمةِ ونباحكَ..
لو تستطيع حمل الربابة
لتنضح منها عتاباً لأهلٍ هجروا الابن المريض
ومضوا تاركين
من خلفهم
أبياتَ عتاباته تتبدّ مثل نباحٍ
في زوايا هذا الليل.
تركوني مثل ناقةٍ
جمّالهُا الشيطانُ وضع على ظهرها الأرضَ هودجاً
فترنّحت وتوكأت على ريح تترنّحُ هي الأخرى
وتوازنت بالعض على الأسنان
حتى كسّرتها.
يا شِيرْ
لا تبك،
لا تنبح،
ليس لنباحك أن يبلغ صحراء حمصَ وحماةْ..
لنجرحْ يدينا
لنمزجْ الدّم
على عادة أهل هذه الصحراء..
أو دعك من هذا،
ماذا فعل دمي الذي فيهم؟
سوف نتآخى بالنّباح.
3
من صنعَ الرّبابةَ الأولى؟؟
كيف خطرتْ على بالِهِ؟؟
لتفهمْ ذلك الغريب،
فكّر؛
ماذا تفعل حين لا يكفيك البكاء؟
يا ليتني ربابةٌ لذلك الهاربِ من الثّأر،
بوترٍ يتيم يعلن ثأره على كل آدميّ،
متى أوقع الجميع في كمائنه،
يبكون طلباً للغفران..
يا ليتني ربابةٌ،
ربابة فقط،
تحبو محمومةً على الرّمال،
وفي وسط الصحراء،
تطلق عواصفها
لتجلب الأطفال مسرنمين،
وتمضي بهم بعيداً إلى كوكب مجهولٍ.
4
يا أطلالُ، يا جسدي المريض، يا بثوري،
يا كلماتي البدوية، يا لحنَ البيات؛
سوف أرتدي ثيابي بالمقلوب
بينما يداي تلطمان الرأس
وتهيلان تراباً عليّ.
أنا من أدفن نفسي
وأنا من يندبها.
5
كنت أغنيهم هكذا:
أهلي نجمٌ يدل السُّراة..
أهلي نسائم تشفي المريض
أهلي بيتٌ على كل درب
أهلي دِلال قهوةٍ تموت إذا فرغت.
أهلي غيوم
تظلل الراحلين
وتزرع طريقهم بالكمأ.
أهلي..
وأهلي..
صارت سماؤهم ثقوباً
ودلالهم أكلها الصدأ
وبال على نارهم قطاع الطرق..
6
تمر امرأةٌ
تسقيني منقوع الأعشاب..
:يا غريبةُ،
يا أمَّ المرضى والوحيدين
قطّري قهوةً مُرّةً في عيوني
قطّريني الآن،
تحتاج العيون إلى العمى
كي تتعلّم قراءة الغيب.
أضرب في الرمل الآن
وأقرأ ما جرى..
أهلي مضوا هاربين
وصاروا ما كانوا يخشونه،
صاروا تحتَ أقدام من كانوا أذناباً.
7
أنتِ مسبيةٌ!
ليتني قتلتك وحملتك في مراثٍ!!
أتذكر:
ضفرنا شعرنا في جديلةٍ
وسرنا أياماً
لنقول للناس إن زمنَ الخرافة لم ينته
وعليهم أن يرووا
عن حبٍّ منح رأسيْنِ لجسدٍ واحدٍ.
أنا والكلب والحصان
دقَقْنا اسمكِ وشماً على الزنود
وأعلناكِ عشيرةً
لأبناء السبيل..
كنتِ ترتعشين فتودعين شفاهكِ في الزّوابع
وكان عليّ أن أدخل فيها لاستلام مراسيل القبل..
فتتنهدين محركةً الكثبان من أمكنتها..
كنتُ أقول:
عارٌ على من يشربون القهوة ألا يشكروا شاماتكِ
وكنت تقولين: فلتكنْ صانع قهوتي إذاً.
جعلتُ سريرَكِ سرجَ الحصان
جعلتُ داركِ الحداء..
وإذْ نمضي كنتِ تلدينَ ظباءً وطيور قطا
وتعيدين الحبَّ إلى زمنِهِ الرعويِّ..
ها هي بثوري تنتقل إلى الرمل
ها هي حباته تصير جلطاتٍ في قلب الصحراء.
8
مات شِيْرْ
فحملتُ نباحه فوق أحمالي
ربما سوف أحتاجه بدلاً من الكلام.
أمشي
وجهي خرابٌ نحته الجدريّ والهجران
ودربي مرصوف بالقتلى والراحلين
الناس كلهم بداةٌ
والعالم صحراء كبرى..
أنا الأطلالُ تسير
أنا الأطلال تفتش عمن يبكي عليها
فلا تجد إلا من تبكي عليهم.
أنا الأطلال تسير إلى أهلها
ليس حباً بالوصول إلى من يبكي
بل كي تستقيم الرحلة..
لا بدّ من البكاء مبتدأً
لا بد من عيون
ليكون المنتهى منتهى.
9
نبتَ الشّيحُ في بثور وجهي
نبتت خزامى بين الأصابع..
قبل هذا،
في الطريق،
ضاجعتُ فرسي الشقراء
فأنجبتْ منها ولداً
أرضعتْهُ كلُّ لبون مع جرائها.
حين حبا ابن الفرس، ابني،
إلى السيف
قلتُ: الآن صار بوسعي أن أموت.
وداعاً
لا أريد شيئاً
سوى أن تجعلوا تابوتي ربابة.
اقرأ/ي أيضًا: