انتهى منذ أيام عرض الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني للمسلسل البريطاني التاريخي "The Last Kingdom المملكة الأخيرة"، الذي يروي الصراعات التي استبقت توحيد الملك ألفريد للممالك المحيطة بـ"وسيكس"، ومن غير المعروف إن كان العمل الذي عرض على قناة BBC America سيكون له مواسم جديدة، كونه لم يصل في حلقاته الـ16 للحظة التي وحد فيها ألفريد جميع الممالك تحت اسم إنجلترا.
بدأ عرض موسم الأول من "المملكة الأخيرة" في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أما موسمه الثاني فكان في آذار/ مارس
ألفريد المتدين.. أوتريد الوثني
يروي العمل المقتبس عن سلسلة "قصص ساكسونية" للكاتب البريطاني برنارد كورنويل، المشهور بكتاباته التاريخية المصبوغة برؤية خيالية، قصة الطفل أوتريد الذي وقع أسيرًا بيد الفايكنغ الدنماركيين عندما غزو "بيبانبورغ"، وهي منطقة ساكسونية قديمة كانت تتبع لـ"نورثمبريا"، بعد مقتل والده الملك، ليكبر أوتريد "ألكسندر دريمون" بين الفايكنغ، ويصبح من أعظم المقاتلين الذين اعتمد عليهم ألفريد في معاركه.
اقرأ/ي أيضًا: "الفايكنغ".. عندما غزا "الشمال الوثني" الغرب
الحبكة الدرامية للعمل الذي اشترك إلى جانب كورنويل على تحويله لنص درامي، ستيفن بوتشارد، صوفي بيتزال، بن فانستون، وساهم سبعة أسماء في إخراجه، تقود أوتريد إلى "وسيكس" ليصبح من الجنود الأوفياء الذين يعتمد عليهم ألفريد "ديفيد داوسون" في معاركه ضد الدنماركيين، وصد محاولاتهم المتكررة لاحتلال "وسيكس"، من بين هذه المعارك لدينا في الموسم الأول المعركة الحاسمة التي خاضها في أهوار نهر "سيفرن" أطول الأنهار البريطانية بعد سيطرة الدنماركيين على "وسيكس"، وانتصار ألفريد لكن الفضل الأكبر كان لأوتريد.
خلال الموسمين يظهر أوتريد جنديًا صادقًا رغم قسوة الملك عليه، وشكه المصحوب بعدم الثقة على اعتبار أنه وثني، يحارب إلى جانبه ضد الدنماركيين، يحرر شقيقته من سجن "كغارتان" أحد قادة الفايكنغ الذي قتل "الإيرل راغنار"، والد أوتريد بالتبني، وبعدها يحرر ابنة ألفريد، وملكة "مرسيا"، ميلي برادي "إثلفليد"، وكان يريد مساعدتها على الهروب مع أحد قائد الدنماركيين "إيريك" بعد أن وقعت في حبه، لكن شقيقه "سيغفريد" قتله، وهي بدورها قتلته انتقامًا لإيريك في الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني، لكنها احتفظت بداخل رحمها بابن من علاقتهما الجنسية، ولم تبح بهذا السر إلا لأوتريد، الرجل الموثوق من الجميع لكن بحذر.
يوجد في الموسمين "بداية عرض موسمه الأول كانت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أما الثاني فكان في آذار/ مارس الفائت" العديد من التفاصيل مثل حياة أوتريد العاطفية المتأرجحة، خسر بسبب ولائه لألفريد ثلاثة نساء، وكان مكروهًا من معظم الأسياد المقربين من ملك "وسيكس" ومعهم زوجته الملكة، باستثناء سيمون جونز "أودا" الذي انتحر في نهاية الموسم الثاني لأن ألفريد أراد محاكمته بسبب خيانته مع أنه لم يكن خائنًا، وإيان هارت "الأب بيوكا" الذي تخلى عن الكنيسة ليتزوج من شقيقة أوتريد المحررة من الأسر بعد أن وقع في حبها، حتى أن ألفريد كان في معظم الحلقات يصغي للتحذيرات المتكررة من هذا الفتى الوثني الذي تخلى عن كل شيء لأجل توحيد إنجلترا!
أنني واحدٌ واثنين معًا
إذا ما أردنا أن نقارن شخصية الملك ألفريد في العمل، وعلاقته مع أوتريد، فإن الوصف يبدو قريبًا من قول يوهان غوته "أنني واحدٌ واثنين معًا" في قصيدة "جنكو بيلوبا"، قامت بتعريبها الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة، ويعني عنوانها "عشبة الذكاء"، لأن أوتريد مثّل الجندي المنقذ لجميع المعارك التي خاضها دفاعًا عن "وسيكس" رغم أن ألفريد لم يساعده باستعادة مملكة والده الذي قتله الدنماركيين، واستولى على العرش شقيق والده بعد إعلان ولائه لأحد ملوك الدنماركيين.
في "المملكة الأخيرة"، أكثر ما مميز شخصية أوتريد هو امتلاكه وجهة نظر نقدية حادة للدين المسيحي
أيضًا كان ألفريد قاسيًا في معاملته لأوتريد، منها السجن، والتشهير بأن يزحف على قدميه ويتذلل للملك أمام العامة حتى يعفو، لا بل كان مستغلًا فهو عندما قتل أحد الرهبان لأجل زوجته، طلب منه ألفريد أن يقسم لخدمته حتى يصفح عنه، حبيبته الأولى الدنماركية هجرته بعد أن أقسم على الولاء لألفريد، زوجته المسيحية الثانية هجرها لأنها كانت تعيره بأنه وثني، وهو بالأساس تزوجها حتى يثبت ولائه لألفريد، حبيبته الثالثة التي كانت مميزة بقراءة المستقبل لأنها عذراء قتلها الدنماركيون بعد أن فقدت عذريتها مع أوتريد في الموسم الأول، وهي فعليًا ماتت لأنها منحت روحها لابن ألفريد المريض، أخيرًا تزوج من (غيسلا).
اقرأ/ي أيضًا: مسلسل مستر روبوت والعبودية الناعمة
وأكثر ما مميز شخصية أوتريد في العمل كان امتلاكه وجهة نظر نقدية حادة للدين المسيحي، نجدها في استهزائه الدائم من صلوات الأب بيوكا قبل كل معركة، وهو معمد على يده ثلاث مرات، اثنتان في صغره قبل أن يقتل والده الساكسوني، ومرة عندما كبر، وهناك الجدال الدائم بين أوتريد الوثني، وألفريد الملك المسيحي التقي جدًا تظهر واضحة في حواراتهما، فهما يمثلان في العمل رجلي الحكمة والحرب، وهذا تحديدًا ما أرادت بريطانيا تقديمه عندما وافقت على إنتاجه.
وعلى سبيل المثال عندما التقى الاثنان على القارب بعد دخول الدنماركيين لـ"وسيكس" وهروبهم إلى الأهوار، يقول أوتريد: "أين كان مراقبوك وجواسيسك؟ على ركبتهم كانوا يصلون بلا شك (...) وسيكس سمحت لمحاربيها أن يقضوا وقتًا طويلًا يصلون، و(وضعت) مالًا أكثر في كنائسها"، وقول ألفريد عندما علم أن أوتريد شنق شخصًا لأنه سرق ثلاث مرات: "ليس عليك تصدير أفكارك الوثنية إلى مملكتي"، حيثُ يظهر المسلسل جانبًا مهمًا من الصراع الديني بين الغرب المسيحي والشمال الوثني خلال تلك الفترة الممتدة من القرن الثامن إلى العاشر تقريبًا.
عدم ثقة ألفريد بولاء أوتريد تستمر حتى نهاية الحلقة الأخيرة من الموسم الثاني عندما يعينه حارسه الشخصي بسبب إنقاذه ابنته من الدنماركيين، خلال الحلقات الـ16 هناك سؤال واحد يطرح نفسه بإلحاح، لماذا ألفريد ومن حوله لا يستمعون لأوتريد؟ فهو قتل (آبا) أعظم المقاتلين الدنماركيين. حتى ألفريد كان مترددًا في بعض القرارات، وعندما خاضوا المعركة الأخيرة كان لكل من أوتريد، ألفريد، وأودا، خطط منفصلة لكنهم التقوا في النهاية بنفس الموقع، واتحدوا جميعهم ضد الدنماركيين، لكن ألفريد اعتبر ذهاب أودا من دون علمه خيانة جعلته ينتحر بدلًا من المحاكمة، إنها مشيئة الحبكة الدرامية في النهاية دائمًا.
لماذا المملكة الأخيرة الآن؟
من يتابع الموسمين اللذين نالا مدحًا من الصحافة الإنجليزية يلمس نوعًا في الاختلاف بينهما، وهذا المديح يجب أن يكون موضع تعجب! أولًا اعتبره النقاد أنه نسخة مشابهة لمسلسل "game of thrones" لما يتضمنه من خيانات، وصراع على الحكم كان بطله الدنماركيين عندما غزوا الغرب بجيشهم الوثني العظيم، واحتلوا ممالكه بأن كسبوا ولاء معظم حكامه، وهناك ممالك هزموا جيوشها، ولجأ حكامها إلى فرنسا.
اعتبر النقاد أن هناك تشابهًا بين "المملكة الأخيرة" و"لعبة العروش" لما فيه من صراع على الحكم
وثانيًا لم يكن القائمين على العمل موفقين في تصوير شخصيات الدنماركيين، الذين هم في الأصل من مقاتلي الفايكنغ، لا في الأزياء أو طريقة تمييز المقاتلين الفايكنغ، أو عاداتهم الدينية التي غاب في معظم الحلقات الإله "أودين" ورجل الدين الذي ينقل للفايكنغ ما تخبأه لهم الآلهة، لأنهم كانوا حريصين على عدم إغضاب آلهتهم، وحضر بدلًا عن ذلك الساحر بأحجاره المرماة على الأرض، صحيح أن العمل ليس تاريخيًا بحتًا نظرًا لاعتماده على سلسلة كتبت بمتخيل تاريخي، لكن ذلك لا يعني أن يتم تقديم الآلهة الإسكندنافية بهذا الشكل، كأنهم يستطيعون نقل الأرواح للأطفال المرضى، ثم كيف اختفت "فالهالا" الحياة الخالدة فجأة مع القرابين قبل الغزوات؟ للتنويه يوجد أكثر من 2500 شخص مازالوا يؤمنون حتى يومنا هذا بالآلهة النوردية يعيشون في أيسلندا، وهي ما كان يؤمن به الفايكنغ قبل انتشار الديانة المسيحية في الشمال.
اقرأ/ي أيضًا: مسلسل البابا اليافع.. كيف عرى المسلسل شخصية البابا
في مسلسل "الفايكنغ" كانت توجد محاولة من أن يكون قريبًا من تلك الحقبة التاريخية عندما اكتشف الشماليون بلاد الغرب، وظهر العراف الذي يمنح الشخصيات بعضًا مما ينتظرهم في المستقبل في جميع الأجزاء، حتى صراخه عندما انهزم الملك راغنار لوثبروك على أسوار باريس على يد شقيقه رولو الخائن، كانت المشاهد تنتقل بين الهزيمة وصراخ العراف طالبًا من الإله أودين" نجدتهم، أو حتى في مشهد تقديم أحد الشبان كقربان للإله قبل توجه "الجيش الوثني العظيم" إلى الغرب، كل هذا المزج الصوفي اختفى من تاريخهم، وحلت الفانتازيا بديلًا عنها.
لذلك كان المسلسل غير دقيق في تقديمه لشخصيات الفايكنغ في موسمه الأول، رغم محاولته تدارك الأمر في الموسم الثاني لكنه لم يستطع ذلك. كما أنه ما الفائدة من تقديم عمل كهذا في الوقت الذي ينتظر متابعي "فايكنغ" موسمه الجديد، طبعًا في نهاية الموسم الرابع يهرب ألفريد عندما كان صغيرًا من "وسيكس" بعد أن وصل إليها الشماليين، إذ ينتظر منه استكمال تصوير تلك المرحلة عندما سقطت معظم الممالك الغربية تحت جحافل مقاتلي الفايكنغ الأشداء ذكورًا وإناثًا.
وإذا أردنا أن نأخذ تشبيه "المملكة الأخيرة" بمسلسل "صراع العروش" الذي ينطلق موسمه الجديد في 16 تموز/ يوليو القادم، فإن الأخير بالفعل كان فانتازيا تاريخية في كل شيء الأزياء، الشخصيات، العمالقة والتنانين، حتى المثلية الجنسية، بيوت الهوى، والليلة الطويلة، لذا لم يكن التشبيه مناسبًا لأنه في النهاية يقدم صورة صحيح أنها متخيلة، لكنها تتحدث عن مرحلة هامة في تاريخ المملكة المتحدة، كذلك اختفى ابن ألفريد من الموسم الثاني على حساب ظهور ابنته، لا أحد يعرف أين اختفى الفتى الذي منحته الفتاة الوثنية حياتها ليعيش، ولم يقدم أي مشهد يحاكي اختفائه، فقط اختفى، وظهرت ابنة ألفريد التي كان يعلمها الحكمة والقتال معًا.
شخصية الملك ألفريد التي تعتبر محورية في العمل أيضًا لم تكن دقيقة، إذا ما رجعنا لما ذكره ويل ديورانت في "قصة الحضارة"، نقرأ أن ألفريد كان "صيادًا قويًا، وسيم الطلعة، رشيقًا، يفوق إخوته في الحكمة والمهارة"، ويضيف عنه أنه منح إنكلترا "فترات من النظام، وكان حافزًا على السير إلى الأمام"، والفترة التي يحاكيها المسلسل ترجع بنا إلى عام 871 تقريبًا عندما أصبح ألفريد ملكًا، بحسب ما ورد في الجزء الـ14 فهو "لما مضى شهر على تتويجه (ألفريد) زحف بجيشه الصغير على الدنماركيين".
تسعى بريطانيا إلى تشريع خروجها من الاتحاد الأوروبي عبر تأثيرها بالمسلسلات على الرافضين للخروج
إذًا ما السبب؟
هكذا انتهى الموسم الثاني دون أن يفصح عن وجود موسم ثالث، ليظهر كما لو أنه ترويجًا لبريطانيا بدون الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء الذي أيد فيه 52% خروجها في حزيران/ يونيو 2016، المملكة التي دافعت عن أوروبا لوحدها، ووقفت ضد غزوات الشماليين الغرباء عن أرضها، ألم يكن السبب المحرك للاستفتاء أزمة اللاجئين؟ وألا يعني ذلك أنه ليس سوى عبارة عن رسالة لدول الاتحاد الأوروبي تستعرض فيها بريطانيا قوتها بلا اتحادهم؟ وإلا ما الهدف من عرضه في مثل هذا الوقت إذا لم يكن ذلك؟
اقرأ/ي أيضًا: "أنا حلومة".. مسلسل كرتون تونسي بلمسة شابة
أرى أن بريطانيا تحاول أن تجد شرعية لخروجها عبر تأثيرها دراميًا على 48% من البريطانيين الرافضين للخروج، ولهذا ربما تجنبت الصحف البريطانية توجيه النقد لحلقاته، إنما كانت تبحث عن المزيد من المواسم الجديدة على حساب صد غزوات بلاد الشمال، اختارت قصة تاريخية مليئة بالخيال لتثبت أن قرارها كان صائبًا، لكنه لم يكن مقنعًا إلا في الجملة التي رددها أوتريد ضمن جميع مقدمات الحلقات: المصير هو كل شيء.. وكذلك سيكون قدر بريطانيا أيضًا بعد 11 قرنًا من توحيدها.. لكن ليس على حساب الفايكنغ.
اقرأ/ي أيضًا: