يرصد مسلسل Mr. Robot حياة المبرمج الشاب إليوت آلدرسون الذي يعاني من اضطرابٍ اجتماعي يحول بينه وبين التواصل مع الناس إلا عن طريق قرصنتهم واختراق حيواتهم الشخصية مما يتيح له سبر أغوارهم والاطلاع على أنماط حياتهم والجوانب المظلمة فيها.
في "السيد روبرت"، يسعى إليوت إلى إبطال برمجة من نوع آخر، البرمجة الثقافية التي تربط السعادة بالاستهلاك واللايكات
ومن خلال مهارته في البرمجة يسعى إليوت إلى إبطال برمجة من نوع آخر، البرمجة الثقافية التي تربط السعادة بالاستهلاك والشهادات واللايكات والمقتنيات المادية. وإلى تحرير الناس من السيتسم الذي يحولهم دون أن يشعروا إلى روبوتات منتجة مستهلكة مطيعة، كالقردة التي يرسلونها للفضاء، تقوم بالعمل البسيط الذي دربوها على القيام به، تجذب رافعة، تضغط زرًا، لا تفهم أي شيء من هذا، فقط تموت بعدها.
لكن أصعب نضال ضد العبودية يكون عندما تقّدم الأخيرة نفسها باسم الحريّة، أو كما يقول الكاتب اللبناني طوني صغبيني :"ولكي يكون الجميع سعيدًا ولا يفقد صوابه في هذه المنظومة الفارغة يجب أن يكون هنالك الكثير من الترفيه والإباحية والقمع والمدارس والأديان التي تعلم الفقراء كيف يكونوا عبيدًا سعداء، فيما تعلم الأغنياء كيف يستفيدون من الأمر الواقع قدر المستطاع".
فهل الإنسان المعاصر حقًا حر كما قد يخيل إليه، أم أنه يختار بين أشياء سبق أن اختيرت له؟ إن المواد التي تقدمها لنا المنظومة السائدة توهمنا بأننا أحرار لكننا في الحقيقة نعيش في مزيج مريع من العصور المظلمة والتكنولوجيا الحديثة، حيث تسخر التقنية لتخدير الفرد وتكبيله، بالوظيفة، بالديون، بالضرائب، ببريق الاستهلاك والمقتنيات المادية.
في أحد المشاهد في مسلسل مستر روبوت تستفسر معالجة إليوت النفسية عن السبب الذي يجعله غاضبًا إلى هذا الحد من المجتمع فيجيبها قائلًا: لا أعلم.. هل لأننا جميعًا نعتقد بأن ستيف جوبز رجل عظيم بالرغم من أننا نعلم بأنه ربح الملايين من ظهور الأطفال؟ أو ربما ذلك الشعور بأن جميع أبطالنا مزيفون، العالم بأجمعه مجرد خدعة كبيرة، نغرق بعضنا بتعليقاتنا المبنية على الهراء، متظاهرين بالبصيرة… تواصلنا المزيف عبر المواقع الإجتماعية يمنحنا شعورًا وهميًا بالحميمية، أو لأننا صوتنا لهذا؟ ليس بانتخاباتنا المتلاعب بها.. بل بأشيائنا، بممتلكاتنا.. بنقودنا، أنا لا أقول شيئًا جديدًا.. جميعنا يعرف لماذا نفعل هذا! ليس بأن كتب "ألعاب الجوع" تجعلنا سعداء، بل لأننا نريد أن نكون مخدرين، لأن عدم التصنع مؤلم، لأننا جبناء. اللعنة على المجتمع.
هل الإنسان المعاصر حقًا حر كما قد يخيل إليه، أم أنه يختار بين أشياء سبق أن اختيرت له؟
لا شك أن مضمون هذا الكلام يشكل ملاذًا لكل من يشعر أنه مكبّل بالمنظومة السائدة، لكن معضلة مثل هذه الأعمال التي تحمل في طياتها بذرة الثورة إنها غالبًا ما تتحول لرمز ثقافي فقط، مجرد فقاعة يفرغ فيها الشباب طاقة السخط والنقمة على الظلم بدون أي أثر عملي على أرض الواقع. تماما كما تحول قناع جاي فوكس من فيلم V for Vendetta سريعًا رمزًا للأناركية والنضال ضد الاستبداد ولكن بدون أن يحدث ذلك تغييرًا في المنظومة السائدة.
قد يكون إليوت هو روبن هود أو ديكستر التقنية، لكن الافتتان الطفولي به ربما يعطي شعورًا فوقيًا مخدرًا. من السهل أن ينزلق من يشاهده ويتشرب مضامينه إلى الظن بأنه بطل الـ"Matrix" وأنه تناول "الحبة الحمراء" وأن سائر البشرية جاهلة ومغيبة، إن الإحساس بالقيد لا يعني الانعتاق منه، إن الأصفاد التي تعاني منها الإنسانية هي نتيجة ظروف وسياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت لمئات السنوات، ظروف جعلت من الفرد مجرد برغي صغير يدور بشكل لا إرادي في مكنة الإنتاج والاستهلاك. لكن الوعي بها يشكل بداية لا بأس بها نحو تغيير ما، ولقد حان الوقت لهذه الروبوتات أن تتمرد وأن تستعيد إنسانيتها. وأن تحطم قيودها جميعاً. قيداً تلو الآخر.
اقرأ/ي أيضًا:
أوديسا عراقية.. نشيد الشتات الأخير
"قصة حقيقية".. القاتل يربح الأضواء