وضع التقدم العسكري لقوات الأسد بغطاء روسي في إدلب، الضامن التركي في موقف محرج، بعد أن أصبحت نقطة المراقبة التركية في (مورك) محاصرة، من قبل قوات النظام والميليشيات الموالية له، والتي سيطرت على مدينة خان شيخون. في ما يبدو صراعًا بين الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) أكثر من أن يكون مجرد خرق من النظام - كما جرت العادة - لاتفاق خفض التصعيد المبرم مع تركيا.
في حين تعتبر المعارضة السورية سقوط ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون "مصيبة كبيرة"، لا تراه أنقرة كذلك، فالمنطقة أساسًا فارغة من السكان بنسبة كبيرة وتقع في أقصى العمق الإدلبي جنوبًا
حساسية الموقف في إدلب استدعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كي يزور موسكو يوم الثلاثاء لبحث التطورات في إدلب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعد أنباء عن فشل مفاوضات تركية روسية لصياغة حل يخص نقطة المراقبة في مورك.
اقرأ/ي أيضًا: حرب الناقلات.. هل فرضت طهران هيمنتها على مضيق هرمز؟
وسبق وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف زيارة أردوغان بموقف روسيا الداعم للعمليات العسكرية على إدلب، معلنًا أن بلاده لم تخالف اتفاق أستانا المبرم مع تركيا.
وقد أبلغ أردوغان بوتين هاتفيًا، أن هجمات النظام السوري على إدلب "تشكل تهديدًا حقيقيًا" على الأمن القومي التركي، محذرًا من "أزمة إنسانية كبيرة" جراء ذلك بحسب وكالة الأناضول.
وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية لـصحيفة العربي الجديد "إن الوضع حرج وغامض. يبدو أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود، لذلك نحن نعوّل على اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل حلحلة الأمور العالقة".
وعقب المحادثة الهاتفية عادت موسكو وشددت في بيان صدر عن الكرملين عن اتفاق الطرفين على "تفعيل الجهود المشتركة بهدف التخلص من التهديد الإرهابي القادم من تلك المنطقة"، ما يشير إلى تباعد مصالح أنقرة وموسكو في سوريا وزيادة الخلافات بين البلدين.
تركيا ترفض الانسحاب والنظام يهدد
الرئاسة التركية حسمت موقفها فيما يخص نقاط المراقبة التي كانت مهمتها مراقبة انتهاكات خفض التصعيد في إدلب، وأعلن إبراهيم غالن المتحدث باسم الرئاسة أن بلاده لن تغلق أو تنقل موقع نقطة المراقبة التاسعة التركية في إدلب شمالي سوريا إلى مكان آخر، مضيفًا أن النقاط ستواصل مهامها من مكان تواجدها.
وأضاف غالن: "لن يتم إغلاق أو نقل مكان نقطة المراقبة التاسعة في إدلب، وستواصل جميع نقاط المراقبة مهامها من مكان تواجدها". ولفت إلى أن أنقرة أبلغت موسكو باستيائها من الهجمات على إدلب، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي سيجري محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بهذا الخصوص، حسب وكالة الأناضول.
كذلك حذر وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو النظام السوري من اللعب بالنار، وتابع قائلًا إنه "على النظام السوري ألا يلعب بالنار وسنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا".
وأكد أوغلو، من العاصمة اللبنانية بيروت، أن الجنود الأتراك لن يغادروا نقطة المراقبة جنوب إدلب. وأضاف "لسنا هناك لأننا لا نستطيع المغادرة، ولكن لأننا لا نريد المغادرة"، نافيًا أن تكون القوات التركية في مورك "معزولة".
لكن بثينة شعبان المستشارة الإعلامية لبشار الأسد هدّدت بإزالة نقطة المراقبة التاسعة التابعة للجيش التركي في مدينة مورك وغيرها مِن نقاط المراقبة، في استناد واضح إلى الموقف الروسي الداعم للعمليات العسكرية.
وقالت "شعبان" في تصريح لـ قناة "الميادين" الموالية لـ النظام إن "النقطة التركية في مدينة مورك (مُحاصَرة)، وإن قوات الجيش ستتمكن من إزالة النقاط التركية وإزالة الإرهابيين"، حسب وصفها.
واعتبرت "شعبان" نقاط المراقبة التركية المتفق عليها مع روسيا بأنها "نقاط احتلال لأجزاء مِن الأراضي السورية"، زاعمةً أن تركيا "لم تلتزم باتفاق أستانا وحوّلت نقاط المراقبة مواقع لتبادل الأسلحة مع (جبهة النصرة)، ومارست الجرائم بحق الشعب السوري".
والأسبوع الماضي تعرض رتل عسكري تركي، لهجوم جوي وهو في طريقه إلى نقطة المراقبة التاسعة في منطقة مورك جنوبي محافظة إدلب؛ ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة 12 آخرين بجروح، كانوا على مقربة من الرتل العسكري، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية.
وأدانت واشنطن التي تنسق مع تركيا في الشمال السوري لإقامة منطقة آمنة القصف الجوي الذي استهدف الرتل العسكري التركي. واعتبرت وزارة الدفاع التركية، استهداف الرتل العسكري انتهاكًا للاتفاقيات المبرمة حول منطقة خفض التصعيد في إدلب مع روسيا.
ويذكر أن نقطة المراقبة التركية رقم 10 تعرضت أكثر من مرة لقصف صاروخي من قبل قوات النظام، في 29 من نيسان/أبريل و4 و12 من أيار/مايو وفي 8 من حزيران/يونيو الماضي، وانحصر الرد التركي برد مدفعي على مصدر النيران.
صمت روسي
تواصل قوات النظام الحملة العسكرية على إدلب، وتشن عمليات قصف وغارات جوية على قرى وبلدات تقع شرق الطريق الدولي الواصل بين حماة وحلب مرورًا بمعرة النعمان وسراقب وخان شيخون.
وبثت وكالة أنباء ( (Ruptlyالروسية تسجيلات مصورة تظهر عناصر من قوات النظام على بعد 500 متر فقط من نقطة المراقبة التركية قرب مدينة مورك بعد سيطرة النظام على مدينة خان شيخون وإطباق حصار على ريف حماة الشمالي.
ويرافق عدد من مقاتلي "فيلق الشام"، النقطة التركية في مورك التي سقطت بين أيدى النظام. وتنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في منطقة خفض التصعيد، بموجب اتفاق سوتشي، في أرياف حلب وإدلب وحماة.
استياء أنقرة من الغارة الجوية التي نفذها النظام لقطع الطريق على التعزيزات التركية إلى نقطة المراقبة في مورك، لم يلق ردًا فوريًا من موسكو، وأشار موقع المونيتور إلى أن الكرملين والمؤسسات الإعلامية الرسمية ظلت صامتة على التصريحات التركية، إلا أن الرد المتوقع جاء على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد دعم موسكو للعمليات العسكرية لدمشق في إدلب خلال استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقالت مصادر لموقع المونيتور، "إن موسكو تضغط على أنقرة لإخلاء نقاط المراقبة في مورك وصوران وتل طوقان"، مما يعني إخلاء ثلاث نقاط مراقبة تركية من أصل 12.
أما أنقرة فكانت على دراية باستعدادات قوات النظام للهجوم، لذلك أرسلت تعزيزات عسكرية حول مراكز المراقبة لكن الغارات الجوية المكثفة وهجمات قوات الأسد والميليشيات الموالية، أجبرت الفصائل المعارضة على الانسحاب باتجاه الطريق السريع من الغرب.
وكان النظام يخطط للاستيلاء على الطريق السريع (M5) وهو ما كان يعني أن حصارًا سيتم فرضه على نقطة مورك، لذلك أرسلت أنقرة التعزيزات في محاولة لمنع قوات النظام من السيطرة على (M5) ومنع حصار مورك.
ما مصير نقاط المراقبة؟
في 15 من أيلول/سبتمبر عام 2017 اتفقت الدول الضامنة لمسار أستانا (تركيا – روسيا – إيران) على إنشاء منطقة خفض للتصعيد في محافظة إدلب، وتضمن الاتفاق إنشاء تركيا لـ 12 نقطة مراقبة كان أولها في منطقة صلوة، وآخرها في اشتبرق قرب ميدنة جسر الشغور في 16 من من أيار/مايو 2018، وعززت تركيا النقاط العسكرية بالخرسانات الإسمنتية والمدرعات الثقيلة
ويقع على عاتق النقاط العسكرية مراقبة وقف إطلاق النار وتحديد الجهة التي تخرق الاتفاق، لكن قوات النظام لم تلتزم بالاتفاق وشنت غارات جوية وعمليات قصف على المنطقة، كان آخرها الحملة العسكرية المدعومة من روسيا أواخر نيسان/أبريل الماضي، والتي ما زالت مستمرة إلى اليوم. ولمدينة خان شيخون التي قصفها النظام بغاز السارين في عام 2017، أهمية استراتيجية فهي تقع على طريق سريع يربط دمشق بحلب وهو ما يسعى النظام للسيطرة عليه.
ويقول الباحث في الشأن السوري عبد الله الموسى لـ "ألترا صوت"، إن تركيا عززت نقطة المراقبة في منطقة اشتبرق، النقطة الأقرب لتلة كبانة في جبل الأكراد والتي يبدو أنها باتت الهدف القادم لروسيا والنظام بعد السيطرة على ريف حماة الشمالي، في حين أنشات نقطة مراقبة في "معرحطاط" يوم الاثنين شمالي مدينة خان شيخون قبل يوم من محاصرة نقطة المراقبة في مورك.
ويضيف: "دأبت تركيا على عدم سحب نقطة المراقبة في مورك لأنها تعلم أنها إذا سحبتها فلن تكون النقطة الأخيرة التي ستنسحب منها، وهي لا تريد أن تُظهر في ظل توقف وانعدام التفاهمات التركية الروسية حاليًا في إدلب، أية ضعف أو ليونة. ويبدو أن أنقرة متأكدة من أنه لن يحدث مكروه للنقطة وهو ما حصل فعلًا".
ويتابع قائلًا إن "قوات النظام لم تقم حتى الآن ولو بمجرد استفزاز لنقطة مورك. أساسًا تركيا معتادة على أن يكون لها نقاط وقواعد عسكرية في محيط معادي لها، فمثلًا كان لها قاعدة عسكرية لحماية قبر سليمان شاه شمال حلب في عمق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية بالإضافة لعدد جيد من القواعد العسكرية في كردستان العراق وسط سيطرة البشمركة أو القوات العراقية، وهي ليست قوات صديقة أو حليفة لتركيا بالكامل وحتى أنه كان هنالك خلافات في الفترات الأخيرة".
ويعتبر الموسى أن تركيا تعلم أنه لم يعد هنالك حاجة وفائدة من بقاء نقطة مورك، كما أن أساس وجودها انتفى أصلًا. لكنها تريد إظهار موقفها الحازم بما يخص نقاط المراقبة وبأنها لن تتزحزح من مكانها، وهذا التحرك وهذا الموقف هو أفضل ما قد تفعله تركيا في ظل موازين القوى الحالية في سوريا.
ويردف قائلًا: "كان من المتوقع أن يكون هنالك ردة فعل تركية حاسمة عبر دعم الفصائل لإفشال مخطط روسيا والنظام بالسيطرة على خان شيخون وبالتالي محاصرة نقطة المراقبة في مورك لكن ذلك لم يحصل".
ويوضح: "ربما أرادت تركيا إنقاذ الوضع المتدهور منذ يوم السبت الفائت، عبر إرسال الرتل العسكري يوم الإثنين للتمركز في حاجز النمر المتاخم للحي الشمالي لخان شيخون وتشكيل حاجز أمام قوات النظام، لكن التعنت الروسي كان واضحًا بعدم السماح لها بذلك وأمرت طيران النظام باستهداف كامل المنطقة لمنع وصول الرتل التركي. وهنا لم يعد هنالك وقت للتحضير لمعركة".
وبرأي الموسى أنه لم يكن النظام والروس ليقدموا على استهداف الرتل التركي في (معرحطاط) لولا التساهل الذي أبدته تركيا بخصوص استهداف النظام لنقاط المراقبة منذ بداية المعركة، حيث استهدف النظام نقطة شيرمغار 5 مرات ونقطة مورك مرتين ولم يكن هناك رد تركي إلا مرة واحدة.
اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!
وفي حين تعتبر المعارضة السورية سقوط ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون "مصيبة كبيرة"، لا تراه أنقرة كذلك، فالمنطقة أساسًا فارغة من السكان بنسبة كبيرة وتقع في أقصى العمق الإدلبي جنوبًا.
تواصل قوات النظام الحملة العسكرية على إدلب، وتشن عمليات قصف وغارات جوية على قرى وبلدات تقع شرق الطريق الدولي الواصل بين حماة وحلب مرورًا بمعرة النعمان وسراقب وخان شيخون
ويتابع الموسى: ربما لا تريد تركيا أن تزيد من حدة المواجهة غير المباشرة مع روسيا، وبالتالي دعم الفصائل المعارضة بكمية محددة من السلاح والذخيرة. ويشدد قائلًا "لا يجب على الفصائل العسكرية أن تعول على نقاط المراقبة التركية لحماية المناطق المحيطة بها، فتركيا أكدت أن نقاطها موجودة بمهمة مراقبة فقط ولا تطلق النار إلا للدفاع عن نفسها من أي تهديد كان".
اقرأ/ي أيضًا: