الترا صوت - فريق التحرير
عادت المعارك في أرياف إدلب وحماة واللاذقية لتأخذ شكلها التقليدي بين قوات النظام وفصائل المعارضة العسكرية؛ براميل متفجرة وغارات روسية وهجمات متفرقة على محاور عدة، وسط توقعات ببروز مسار جديد برعاية روسية بديلا عن مسار أستانا
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الثلاثاء مقتل 774 مدنيًا على يد قوات النظام وروسيا في منطقة خفض التصعيد الرابعة، بينهم أطفال ونساء، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري 2019
يأتي ذلك بعد أكثر من عشرين يومًا على استعادة النظام السيطرة على بلدة كفرنبودة الاستراتيجية، حيث شنت مقاتلات النظام الحربية عشرات الغارات على بلدات ومدن في ريف إدلب الجنوبي ومنطقة كبانة وجبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، مستخدمة البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والصواريخ المحملة بمادة الفوسفور، في حين ركزت الطائرات الحربية الروسية قصفها على مدينتي اللطامنة وكفرزيتا بريف حماة الشمالي، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
اقرأ/ي أيضًا: إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟
وتزامنت عمليات القصف مع معارك في ريفي حماة واللاذقية، حيث نفذت الفصائل العسكرية عمليتين عسكريتين ضد مواقع النظام أسفرت عن مقتل مجموعة من قواته بحسب بيان لـ الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش الحر، والتي تعمل ضمن غرفة عمليات الفتح المبين.
كذلك أعلنت فصائل غرفة عمليات "وحرّض المؤمنين" مقتل عددٍ مِن قوات النظام، بعملية عسكرية في منطقة المشاريع بسهل الغاب في ريف حماة الغربي. وتضم غرفة العمليات هذه كتائب إسلامية من بينها تنظيم حراس الدين التابع للقاعدة وهيئة تحرير الشام.
في سياق ذلك وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 34 مقاتلا من الفصائل العسكرية وقوات النظام قضوا الثلاثاء، بعد شهرين من التصعيد العسكري في المنطقة، وأشار المرصد إلى أن 15 عنصرًا من قوات النخبة التابعة للجبهة الوطنية للتحرير قتلوا في غارة روسية على معسكر تدريبي.
ونشرت الفصائل العسكرية في غرفة عمليات "الفتح المبين" على معرفاتها الرسمية، تسجيلًا مصورًا لاستهداف قوات النظام بقذائف المدفعية، خلال محاولة تقدّمها على محور القصابية جنوب إدلب، المجاورة لـ بلدة كفرنبودة ما أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام.
"حراس الدين" ونقاط المراقبة هدف للقصف
بعد أكثر من عامين على آخر غاراته الجوية على إدلب، قصف التحالف الدولي بقيادة واشنطن مقرًا لتنظيم حراس الدين التابع للقاعدة، وقتل في القصف عشرة من قادة التنظيم المهاجرين العرب، ورجح مراقبون عودة التحالف الدولي لقصف مناطق في إدلب ومحيطها كرد على التصريحات الروسية التي أعلنت أن الحملة العسكرية على إدلب جاءت لمحاربة الإرهاب، ولسحب هذه الذريعة منها، ويرى المراقبون أن عمليات التحالف قد تخفف من حدة الهجوم الروسي على المنطقة.
من جهتها جددت قوات النظام استهدافها لنقاط المراقبة التركية للمرة السادسة، وتعرضت نقطة "شير مغار" بريف حماة السبت الفائت لقصف مدفعي دون أن يسفر عن إصابات في صفوف القوات التركية، في حين أعلنت تركيا إسقاط طائرة مسيّرة للنظام كانت تحلق في محيط المنطقة، متوعدة برد قاس.
وأواخر الشهر الماضي قتل جندي تركي وأصيب ثلاثة آخرين إثر قصف مدفعية النظام للنقطة ذاتها، وردت القوات التركية بقصف مماثل على مصدر القصف بحسب وكالة الأناضول. وتنتشر 12 نقطة مراقبة تركية في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تشمل إدلب وأجزاء من أرياف حماة وحلب واللاذقية، المتفق عليها ضمن اجتماع أستانا بين روسيا وتركيا وإيران في أيلول/سبتمبر من العام 2017.
وشددت تركيا على لسان سفيرها لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف صادق أرسلان الثلاثاء، على أنها لن تتردد في الرد على استهداف قوات النظام لنقاط مراقبتها في منطقة خفض التصعيد بمحافظة إدلب شمالي سوريا، حسب وكالة الأناضول.
ضحايا مدنيون وانزعاج أممي
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الثلاثاء مقتل 774 مدنيًا على يد قوات النظام وروسيا في منطقة خفض التصعيد الرابعة، بينهم أطفال ونساء، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري 2019، وأضافت الشبكة أن 149 مدنيًا بينهم 34 طفلًا و21 امرأة قتلوا إثر غارات رجحت أنها روسية. وبحسب التقرير فإن شهر حزيران/يونيو الماضي شهد حصيلة الضحايا الأكبر، ويشكل الضحايا في إدلب ما نسبته 60 في المئة من مجموع الضحايا.
في المقابل أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة استفان دوغريك الثلاثاء، عن انزعاج المنظمة الأممية الشديد إزاء الآثار الإنسانية للأعمال القتالية في منطقة خفض التصعيد وما حولها في شمالي غربي سوريا. وقال دوغريك إن "الأمم المتحدة تشعر بالانزعاج الشديد إزاء التداعيات الإنسانية للقتال في منطقة خفض التصعيد وما حولها شمال غربي سوريا، التي أسفرت عن مقتل وإصابة المئات خلال أكثر من شهرين، فضلًا عن الهجمات المتكررة على البنية التحتية المدنية التي رفعت من مستوى النزوح".
وأضاف أن "الأعمال العدائية بما في ذلك الغارات الجوية والقصف والاشتباكات تتركز إلى حد كبير في مناطق تسيطر عليها الجماعات المسلحة غير الحكومية في إدلب، لكنها موجودة أيضًا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة (النظام السوري)"، محذرا من أن "ما يقدر بنحو 3 ملايين مدني، من بينهم مليون طفل، في خطر وشيك بسبب العنف".
كما أدت العمليات العسكرية للنظام السوري وروسيا إلى نزوح وتشريد 93247 عائلة أي ما يقارب 606272 شخصًا من منطقة خفض التصعيد في الفترة الممتدة من شباط/فبراير وحتى الأول من تموز/يوليو الجاري، يقيم قسم كبير منهم في العراء تحت أشجار الزيتون والأراضي الزراعية، هربًا من القصف الجوي والمدفعي وفق تقرير لـ"منسقو استجابة سوريا".
هل ينتهي مسار أستانا؟
مازال التنسيق بين أنقرة وموسكو متماسكًا رغم دعم الأخيرة للنظام السوري، الذي أعلن أكثر من مرة نيته السيطرة على إدلب، وبحسب بيان لوزراة الدفاع التركية فإن موسكو أوقفت قصف النظام على نقاط المراقبة التركية في ريف حماة، وما يجري من تطورات ميدانية يطرح على طاولة السياسة بين البلدين، إذ بحث رئيس هيئة الأركان التركية يشار غولر في اتصال هاتفي يوم الإثنين مع نظيره الروسي فاليري غيراسيموف، المستجدات في منطقة خفض التصعيد شمالي سوريا وسبل إرساء الاستقرار فيها وفق وكالة الأناضول.
وسبق ذلك لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين، وقال أردوغان إنه ناقش مع الرئيس الروسي تطورات الأوضاع في إدلب خلال فعاليات القمة دون أن يذكر مزيدًا من التفاصيل.
وعقب إعلان أردوغان عن قمة بين ضامني أستانا روسيا وتركيا وإيران الشهر الجاري، يرى مراقبون أن القمة المرتقبة تأتي عقب محاولة خلق مسار جديد لترتيب الأوضاع في سوريا بعد قمة القدس الأمنية التي جمعت مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون ونظيريه الإسرائيلي والروسي.
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: اتفاق إدلب.. فرص النجاح وتحديات التنفيذ
ويقول مراقبون إن روسيا لم تعد قادرة على إدارة علاقاتها بشريكيها في مسار أستانا بعد أن استثمرت في تخوفاتهما المشتركة من السياسات الأمريكية، واستخدمت إيران وجنودها في الحرب والقتال، ولجأت إلى تركيا وأدواتها في السياسة والمفاوضات، بحسب حاجتها لذلك.
يقول مراقبون إن روسيا لم تعد قادرة على إدارة علاقاتها بشريكيها في مسار أستانا بعد أن استثمرت في تخوفاتهما المشتركة من السياسات الأمريكية في سوريا
ويضيف المراقبون أن مسار أستانا يوشك على استنفاذ أهدافه، مع تزايد التناقضات في المصالح بين الدول الضامنة من جهة، واختلاف متطلبات المرحلة المقبلة من جهة ثانية، التي يرى بوتين أنها تحتاج إلى مال كثير وقليل من الحرب والمفاوضات في إشارة إلى عملية إعادة الإعمار التي تبحث موسكو عن ممولين لها، حتى تتمكن من قطف النتائج السياسية والاقتصادية للتدخل العسكري في سوريا، مما يستدعي من بوتين إطلاق مسار جديد اعتمادًا على شركاء جدد هما أمريكا وإسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: