ألترا صوت – فريق التحرير
تنهض تجربة الفنان التشكيلي اللبناني عمر فاخوري على أطروحات سياسية وثقافية، وأخرى اجتماعية ومعيشية، تتمظهر في لوحاته بوصفها نتيجة طبيعية للأزمات التي شهدها لبنان خلال العقود الخمسة الأخيرة، وفي مقدمتها الحرب الأهلية وما ترتب عليها من إشكاليات في الهوية وانقسامات سياسية وطائفية، أفرزت مجتمعًا هشًا متناحرًا لا يقيم على حال.
يضم معرض عمر فاخوري لوحات تتناول، على اختلاف ما يظهر فيها، مواضيع مشتركة مثل الانكسار والخراب اللذان يعنونان واقع لبنان
تشكل هذه المواضيع، بالإضافة إلى التغيّرات العمرانية التي طرأت على بيروت بعد عملية إعادة الإعمار، أساس منجز فاخوري الذي يعرض فيه أفكاره وتصوراته إزاء أحداث ووقائع فارقة في تاريخ بلاده.
في معرضه الجديد "أشياء وأشياء أخرى"، الذي يستضيفه "غاليري مرفأ" في بيروت حتى الرابع من نيسان/ أبريل القادم، يواصل عمر فاخوري ما بدأه في معارضه السابقة من محاولات لتوثيق ما يطرأ على المجتمع اللبناني من تغيرات، مصدرها أحداث وأزمات سياسية واجتماعية تعيد، بين وقت وآخر، صياغة واقع لبنان وأحوال بشره.
يضم المعرض الذي افتُتح في العاشر من شباط/ فبراير الفائت، أكثر من 20 لوحة بأحجام ومساحات متنوعة تتناول، على اختلاف ما يظهر فيها، مواضيع مشتركة مثل الانكسار والخراب اللذان يعنونان واقع لبنان، عمومًا، منذ أواخر 2019، وبيروت خصوصًا منذ انفجار مرفئها في آب/ أغسطس 2020.
يركز الفنان اللبناني في لوحات معرضه على الفكرة أكثر من المشهد، ذلك أن ما يظهر في اللوحة قد لا يعبّر عن واقع لبنان بقدر ما تفعل الفكرة أو الانطباع، الذي يبثه المشهد بتفاصيله التي لا يمكن للمتفرج أن يفكر أمامها بغير ما آلت إليه أحوال لبنان، خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
يرسم فاخوري في لوحاته سيارات مهشمة، وأرائك مهترئة، وأواني وكؤوس زجاجية فقدت جزءًا منها، وبقايا مواد وأدوات ترتبط بحياة الفرد اليومية، مثل منفضة سجائر ونظارات، وغيرها من التفاصيل والمشاهد التي تحيل إليها فكرتي الانكسار والخراب.
يتجنب عمر فاخوري رسم مشاهد تحيل إلى ما يعيشه لبنان بشكلٍ مباشر، ويكتفي برسم تفاصيل بسيطة تعبّر عنه وتجعل من لوحات المعرض، على اختلاف مضمونها، أقرب إلى متتالية قصصية تشترك في سرد القصة ذاتها، لكن من زوايا مختلفة يحيل تعددها إلى فضاءات عديدة مثل البيت الذي يحضر من خلال الأريكة ومنفضة السجائر، والمدينة التي تحضر عبر السيارات المهشمة والشوارع المليئة بزجاج تناثر نتيجة انفجار ما.
تنهض تجربة فاخوري على أطروحات سياسية وثقافية وأخرى اجتماعية ومعيشية تتمظهر في لوحاته بوصفها نتيجة طبيعية للأزمات التي شهدها لبنان
يقدّم الفنان اللبناني في معرضه إذًا لوحات تستجيب لطموحاته وتصوراته، وتضيف جديدًا إلى تجربته التي أعاد فيها سرد ما مرت به بلاده من أزمات وصراعات، اشتغل على تصوير ما ترتب عليها من تغيرات طالت بنية المجتمع اللبناني وهويته، ومعيشة ناسه وسلوكهم، وعلاقتهم ببلدهم وببعضهم بعضًا.
"أشياء وأشياء أخرى" معرض يضم رسومات تصور مشاهد وتفاصيل مؤقتة زائلة لا أهمية لها، ولا يبدو أن فاخوري يراهن عليها في لفت انتباه المتفرج، بل على ما لا يظهر منها، أو على الأثار التي خلفتها داخل من كانوا شهودًا على خرابها. هكذا يكون المعرض صفحة جديدة من صفحات التقرير البصري الفني، الذي يوثق فيه التشكيلي اللبناني تحولات لبنان وأحوال شعبه على مدار نحو خمسة عقود.