12-يونيو-2024
من معرض اضطراب في النيل

من معرض اضطراب في النيل (البيت العربي في مدريد)

دخلت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني في منتصف نيسان/أبريل الفائت وسط أوضاع إنسانية بائسة تتفاقم يومًا بعد آخر. فعلى مدار عام من المواجهات بين الطرفين، ارتفع عدد السودانيين الذين يُعانون من سوء التغذية الحاد إلى 18 مليون شخص، بينهم 5 ملايين شخص تُهدِّد المجاعة حياتهم.

وأدت الحرب إلى نزوح 8 ملايين سوداني، وخلّفت أكثر من 15 ألف قتيل، عدا عن جرائم الاغتصاب والتطهير العرقي التي ارتكبتها مليشيات الدعم السريع، سيما في إقليم دارفور غرب السودان.

وخلقت الحرب أيضًا تحديات مختلفة للسودانيين على كافة الأصعدة، بينها تحديات ثقافية متعلقة بتراث البلاد ومؤسساته الثقافية والفنية التي تعرّض بعضها للنهب، ودُمِّر بعضها الآخر.

وفي ضوء ما سبق، ونتيجة الحرب الدائرة، نظّمت العديد من المؤسسات الثقافية والفنية في دول عدة فعاليات ثقافية ومعارض فنية تضيء على السودان وثقافته وحياة السودانيين سواء قبل الحرب أو في ظلها، أو خلال الحروب والصراعات السابقة التي شهدتها البلاد.

يضم المعرض أعمالًا فنية مستوحاة مما مرّت به السودان وما شهدته بعد ثورة 2018 – 2019 لـ11 فنانًا سودانيًا

"اضطراب على النيل: الفن الحديث والمعاصر من السودان" أحد هذه المعارض. افتُتح المعرض في السابع من آذار/مارس الفائت في "البيت العربي" في مدريد، ويتواصل حتى الثالث والعشرين من حزيران/يونيو الجاري.

يضم المعرض، الذي استضافه سابقًا غاليري "بروتيريا" في مدينة لشبونة في البرتغال، عشرات الأعمال الفنية المستوحاة مما مرّت به البلاد وما شهدته بعد ثورة 2018 – 2019، لـ11 فنانًا معظمهم من الخرطوم، وهم: محمد العتيبي، ورشيد دياب، وطارق نصري، والطيب دويلبيت، وسند شريف، وياسمين عبد الله، وبكري معاذ، وحسن كامل، وميسكا محمد، وريم الجيلي، ووليد محمد. 

ويسعى منظمو المعرض من خلاله إلى سد الفجوة بين المشهد الفني في مدريد والفن السوداني، وإتاحة الفرصة للتعرف على السودان وفنه الحديث والمعاصر في ظل قلة المعرفة بما يجري في السودان وبالسودان نفسه، بحسب المنظمين.

وجرى اختيار الأعمال المشاركة بحيث تعكس المشهد الحيوي الذي خلقته ثورة 2018 – 2019، لا من هلال التقنيات التقليدية مثل الرسم فقط، وإنما عبر وسائل تجريبية أخرى مثل الوسائط السمعية والبصرية.

تصوِّر إحدى اللوحات مسلَّحَين يلعبان الشطرنج وبينهما شخص خائف ومذعور يمثّل الشعب السوداني الذي سيكون الخاسر الوحيد من هذه اللعبة. واللوحة محاولة في تجسيد واقع السودان قبل الحرب حيث كانت البلاد تحكم من قِبل العسكر (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع). كما أنها تصلح لتجسيد واقع البلاد بعد الحرب، ذلك أن الأخيرة تدور بين هذين الطرفين.

وتحمل العديد من اللوحات الأخرى رسائل سياسية واجتماعية مستوحاة من الصراعات التي مر بها الشعب السوداني خلال 3 عقود من الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار والحروب الدموية. ويعبّر بعضها عن التحوّل الذي طرأ على الفن السوداني ما بعد ثورة 2018 – 2019، حيث أصبح بمقدور الفنانين التعبير عن رأيهم بحرية أكبر مقارنةً بما كان عليه الحال في عهد الرئيس السابق عمر البشير.

ويتضمن المعرض كذلك عدة لوحات رُسمت بعد الحرب التي اندلعت منتصف نيسان/أبريل 2023، وتبدو في جانب منها أقرب إلى قصص مرئية عن المنفى والشوق إلى البلاد التي تأكلها نيران الحرب.

وأشار المنظمون في بيانهم إلى أن الفن السوداني، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، تطور: "في مشهد حيوي وديناميكي يعكس التراث الثقافي الغني للبلاد والمجتمعات المتنوعة والحقائق الاجتماعية والسياسية المعقدة".

وأضاف البيان: "تمكن الفنانون السودانيون، سواء داخل حدود السودان أو في الشتات، من الجمع بين الثقافات الفنية من أجل معالجة مجموعة واسعة من المواضيع باستخدام وسائل الإعلام المختلفة، وغالبًا ما يمزجون التأثيرات التقليدية مع الأساليب الحديثة التي تستكشف الهوية والتاريخ والتحديات الاجتماعية".

وتابع: "لقد اتسمت الرحلة التاريخية التي عاشها السودان المعاصر بالخسارة والألم والعنف. ومع ذلك، فقد سعى العديد من الفنانين الناشئين إلى الابتعاد عن وجهة نظر الضحية، وعلى الرغم من الهشاشة التي خلفتها النزاعات المسلحة، فقد سعوا إلى بناء مسرح قوي للتعبير".