انتهى اليوم الأول من مباحثات وفدي النظام والمعارضة السورية في العاصمة الكازاخية "أستانا" وسط أجواء وصفت بـ"المثمرة والطويلة"، وتشديد المعارضة على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار قبل الانتقال لمراحل تالية من المفاوضات، على أن تستكمل اليوم عبر وسطاء الطرفين على أمل التوصل لإصدار بيان ختامي مشترك يحدد نظام الهدنة في سوريا.
تحاول روسيا التوصل لصيغة مع المعارضة السورية لمحاربة "الإرهاب"، وهو ما ترفضه المعارضة ما لم يتم التوصل لوقف شامل لإطلاق النار
وفي خطوة هي الأولى من نوعها منذ التدخل الروسي رسميًا في سوريا، أظهرت موسكو حزمًا في تعاملها مع النظام السوري، ما يعكس جدية "غير اعتيادية" في تعاطيها مع الأزمة السورية. ونقلت وكالة "نوفوستي" عن مسؤول كبير في "مركز المصالحة الروسية" في قاعدة "حميميم" الجوية، قوله: "قبل أيام، ذكّر الجانب الروسي القيادة العسكرية السورية بحزم بضرورة التزام قادة معنيين بالاتفاقات التي تم التوصل إليها، وبضرورة عدم السماح بخرق تلك الاتفاقات"، في إشارة للهجوم الذي تشنه قوات النظام والميليشيات الإيرانية على مواقع المعارضة في ريف دمشق.
اقرأ/ي أيضًا: معسكرات فتح الشام تحت نيران التحالف الدولي
المباحثات التي جرت برعاية روسية-تركية مشتركة، شهدت قبيل انعقادها تصريحات حادة تبادلتها موسكو وطهران، بعد إعلان الأولى وأنقرة إرسالهما دعوة للولايات المتحدة لحضور اجتماع "أستانا" وسط معارضة إيرانية، رد عليها المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بالقول إن: "تسوية المشكلة السورية بشكل بناء مستحيل بمعزل عن مشاركة الولايات المتحدة"، ما يشير لانفتاح في العلاقات الروسية-الأمريكية بعد تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمهامه.
وبالتزامن مع انطلاق المباحثات بين النظام والمعارضة السورية، أعلنت وزارة الدفاع الروسية تنفيذ غارات جوية بالاشتراك مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن قرب مدينة "الباب" في ريف حلب الشمالي، فيما نفى المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إيريك باهون التنسيق مع الجانب الروسي، وتأكيد المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر على إمكانية التعاون بين الطرفين في حال وجدت "مصلحة وطنية مشتركة" بينهما.
وتحاول روسيا من خلال المباحثات التوصل لصيغة مشتركة مع المعارضة السورية لمحاربة "الإرهاب" على حد تعبيرها، وهو ما ترفض المعارضة مناقشته ما لم يتم التوصل لوقف شامل لإطلاق النار في سوريا. وكشفت صحيفة "إيزفيستيا" الروسية أن النظام السوري "يرحب" بتوحد قواته مع المعارضة المسلحة لقتال تنظيم "داعش"، وهو ما تريد موسكو تحقيقه في مباحثات "أستانا".
ودار جدل حاد بعد الحديث عن تسريب للبيان الختامي لاجتماع "أستانا" يتحدث عن التخطيط لـ"آلية ثلاثية مشتركة" بين روسيا وتركيا وإيران، وترحيبهم بـ"تنصل فصائل المعارضة المسلحة من الإرهابيين، وتخطط لمحاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين سويًا"، قبل أن ينفي رئيس الوفد المعارض محمد علوش عبر صفحته على "تويتر" الاتفاق "على أي بيان ختامي"، وتأكيده على وجود "خلاف بين الدول التي ستوقع عليه"، وأن "الفصائل لن توقع عليه".
وتُصر إيران على تمسكها ببقاء بشار الأسد بالسلطة، وسط معارضة تركية، وتباين من وجهة نظر موسكو، ومنذ إعلان روسيا وتركيا التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا نهاية الشهر الفائت، شنت الصحف الإيرانية هجومًا حادًا على موسكو، وأكدت أن حجم الدعم الذي قدمته طهران لنظام الأسد لا يتناسب مع الدور الذي تلعبه في الأزمة السورية، وتخشى من تهميشها خلال عقد أي اتفاق بين الأطراف السورية.
اقرأ/ي أيضًا: بدعم تركي..المعارضة السورية تصرح عن جيش وطني
صحيفة "برافدا" الروسية في مقال مطول لها نشر أول أمس أشارت أن إيران انتهكت اتفاق الهدنة الأخير في سوريا أكثر من مرة، وأنها تريد وضع موسكو أمام خيار إما التحالف معها، أو التحالف مع أنقرة وواشنطن. وتكمن أهمية المقال في تنويهه أن روسيا بدأت تتململ من الدور الإيراني في سوريا، وأصبحت تفكر في آلية التخلص منها، وتشير المعطيات الميدانية أن أولى خطواته بدأت بإرسال جنود من الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة حلب بعد سيطرة النظام السوري عليها.
ليس واضحًا إن كانت هناك أي نية لانسحاب إيران من مباحثات "أستانا"، بقدر ما يظهر أنها تريد عرقلة أي جهود دولية بمعزل عنها
وعكس اتهام رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري خلال كلمته الافتتاحية في اجتماع "أستانا" لفصائل المعارضة بـ"الإرهابية" تأثير إيران على المباحثات لمحاولة صبغ نوع من التوتر عليها، ومساهمتها بطريقة غير مباشرة في إفشال التوصل لأي اتفاق من الممكن أن ينتج، خصيصًا وأنها ترفض مطالب المعارضة بانسحاب الميليشيات التي تدعمها من سوريا، وإيقاف الحملة العسكرية على منطقة "وادي بردى".
وليس واضحًا إن كانت هناك أي نية لانسحاب إيران من مباحثات "أستانا"، بقدر ما يظهر أنها تريد عرقلة أي جهود دولية بمعزل عنها، وما يتناسب مع مصالحها السياسية في سوريا. في الوقت الذي تحضر واشنطن كمراقب للاجتماع، ويبدو أكثر أن إدارة الرئيس ترامب قررت النأي بالنفس عن الأزمة السورية، فاسحة المجال لدور روسي أوسع، ما يساعدها على إنشاء تحالف ثلاثي مع أنقرة وموسكو لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وتحييد للدور الإيراني في المنطقة.
ولا يظهر أن موسكو تريد أن تفض توافقها مع أنقرة، إذ إنها تتجه نحو لعب دور بارز عبر مسؤولي الكرملين على الصعيد السياسي أكثر من العسكري، بعد أن ساعدت النظام السوري على استعادة الأحياء الشرقية في حلب، والذي تعتبره مكسبًا سياسيًا مهمًا لصالحها على طاولة المفاوضات، وتعي المعارضة السورية جيدًا أن فرص التوصل لأي اتفاق محدودة في ظل انعكاس للرؤية الإيرانية في تصريحات النظام السوري.
والأكثر ترجيحًا أن ينتهي اليوم الثاني من اجتماع "أستانا" دون التوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار، وفي حال كان هناك أي اتفاق قد يكون "هشًا" على غرار سابقيه، لكنه سيكون ممهدًا لأي لقاء قادم بين الطرفين، غالبًا في الـ8 من الشهر القادم موعد انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات في العاصمة السويسرية "جنيف"، وبالتالي ستعطي زخمًا لأي بيان يصدر في وقت لاحق بتوقيع جميع الأطراف، ويعطي فرصًة أكبر في التوصل لحل نهائي إذا ما تخطى عقبة التطرق لمصير بشار الأسد.
اقرأ/ي أيضًا: