18-سبتمبر-2024
القوات الأميركية في النيجر

الجيش الأميركي يكمل سحب قواته من النيجر (رويترز)

أكمل الجيش الأميركي سحب قواته من النيجر، تطبيقًا للاتفاق الذي وقعه مع السلطات الجديدة التي وصلت إلى الحكم بعد انقلاب عسكري في تموز/يوليو 2023 أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم الذي يعدّ حليفًا قويًا لباريس وواشنطن. وبعد الإطاحة به، علّقت الإدارة الأميركية معظم تعاونها مع النيجر، بما في ذلك مستوى التعاون العسكري.

وأمام هذا الموقف الأميركي من السلطات الانقلابية، طالب المجلس العسكري الحاكم في النيجر واشنطن بسحب قواتها من البلاد. وفي المقابل، بدأت الدولة الواقعة في غرب إفريقيا تقاربًا متزايدًا مع روسيا تحول مع الوقت إلى تحالف استراتيجي جعل من موسكو منافسًا استراتيجيًا قويًا للولايات المتحدة في القارة الإفريقية، مستفيدةً من موجة الانقلابات العسكرية في بلدان غرب إفريقيا ودول الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر).

ونقلت وكالة "رويترز" عن البنتاغون قوله إنّ الجيش الأميركي: "سحب ما يقرب من ألف عسكري، إذ كانت الولايات المتحدة شريكًا رئيسيًا للنيجر في الحرب على المتمردين في منطقة الساحل بإفريقيا، الذين قتلوا آلاف الأشخاص وشردوا ملايين آخرين" حسب البيان الأميركي.

حققت روسيا نصرًا استراتيجيًا مهما في تنافسها مع الولايات المتحدة وفرنسا في غرب إفريقيا

وانسحبت النيجر في  آذار/مارس الماضي من اتفاقية تعاون عسكري موقعة عام 2012 مع الولايات المتحدة، معتبرةً أن واشنطن: "فرضتها على النيجر بشكلٍ أحادي".

وتم تنفيذ الانسحاب الأميركي من النيجر على مراحل، فقد انسحبت القوات والأصول الأميركية من القاعدة الجوية 101 في نيامي في 7 تموز/يوليو، ومن القاعدة الجوية 201 في أغاديز في 5 آب/أغسطس المنصرم، ليكتمل الانسحاب بحلول الموعد النهائي في 15 أيلول/سبتمبر.

وقالت القوات الأميركية في بيانها: "على مدى العقد الماضي، قامت قواتنا بتدريب قوات النيجر ودعمت مهام مكافحة الإرهاب التي يقودها الشركاء ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في المنطقة، وإن وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الدفاع الوطني بالنيجر تعترفان بالتضحيات التي قدمتها قوات البلدين".

تعاظم النفوذ الروسي غرب إفريقيا

مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، أقدمت 3 دول في غرب إفريقيا، هي مالي وبوركينا فاسو والنيجر، على إنشاء اتحادٍ كونفدرالي تحت اسم تحالف دول الساحل.

وينشأ هذا الاتحاد بالضرورة على حساب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" التي غادرتها تلك الدول مع وصول عسكريين فيها، معادين لفرنسا والإمبريالية الغربية عمومًا، إلى سدة الحكم عبر انقلابات عسكرية. وقد هدّدت إيكواس، أثناء وقوع الانقلابات، بالتدخل عسكريًا في البلدان المعنية، سيما النيجر.

واعتبر موقع "نيوز ري" الروسي أن موسكو من بين المستفيدين الرئيسيين من هذا الاتحاد الكونفدرالي الجديد، الذي رأى النور في العاصمة النيجرية نيامي في القمة الأولى لتحالف دول الساحل، التي شارك فيها زعماء الدول الثلاثة الموقعة على الاتفاق: إبراهيم تراوري (بوركينا فاسو)، وآسيمي غويتا (مالي)، وعبد الرحمن تياني (النيجر).

ويقول الموقعون على ميثاق إنشاء تحالف دول الساحل: "الغرض منه هو التوحيد، بإنشاء نظامٍ للدفاع الجماعي وآلية للمساعدة المتبادلة بين الدول"، وذلك على طريق مشروع "الولايات المتحدة الإفريقية" الذي كان طموحًا بالنسب إلى لآباء الأفارقة المؤسسين.

ووفقًا لوزير الدفاع المالي عبد الله ديوب، فإن التحالف سيكون عبارةً عن: "مزيج من الجهود العسكرية والاقتصادية للدول الثلاث"، مشددًا على أن: "أولويتنا هي مكافحة الإرهاب في الدول الثلاث"، وهو ما دفع إلى إنشاء قوات مشتركة لأعضاء التحالف لمكافحة الجماعات "الإرهابية".

وقد لعبت موسكو دورًا مهما في التوقيع على ميثاق إنشاء التحالف، حيث أجرى وفد من وزارة الدفاع الروسية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، مفاوضات مع ممثلي الدول الإفريقية الثلاث نوقش خلالها التعاون العسكري التقني بين هذه الدول وروسيا.

وبحسب عضو البرلمان الروسي (الدوما) سيرغي ألتوخوف، فإن إعلان اتحاد كونفدرالي لدول الساحل في أفريقيا: "سيسهّل مهمة الفيلق الأفريقي (مجموعة فاغنر) التابع لوزارة الدفاع الروسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة"، وفق تعبيره.

ويتابع المسؤول الروسي أن موسكو ستتمكن: "بفضل دعم هذه البلدان من الوصول إلى مواردها المعدنية"، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن: "رواسب الذهب في مالي وبوركينا فاسو يمكن أن تصبح مصدرًا إضافيًا لتمويل الإنفاق العسكري الروسي. وستكون احتياطيات اليورانيوم الكبيرة في النيجر بدورها قادرة على تلبية جزء من احتياجات الطاقة النووية الروسية".

بدورها، تعلّق الخبيرة السياسيّة الروسية ناتاليا ناروتشنيتسكايا آمالًا على آفاق العلاقات بين روسيا والكونفدرالية الأفريقية الجديدة، إذ ترى أن: "نفوذ روسيا في المنطقة سوف يزيد، خاصةً إذا استثمرت في الدول المحتاجة إلى إنشاء بنية تحتية لتعزيز النشاط الاقتصادي، وعندها سيكون العائد على الاستثمار مجديًا. ولكن حتى في غياب ذلك، تعرِب الدول الأفريقية بشكل علني عن تعاطفها مع روسيا".

من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية والنائبة السابقة لمجلس الدوما، إيلينا بانينا، إنه: "يمكن للتحالف تكثيف التعاون مع دول المنطقة، التي لها أيضًا عضوية في إيكواس، ولا سيما بنين". وأضافت بانينا أن دول الكونفدرالية الجديدة الثلاث: "غير ساحلية، مما يحد من تجارتها، لكن هناك فرصة كبيرة لتنضم بنين أيضًا إلى تحالف دول الساحل".

وأشارت بانينا إلى أن النيجر أطلقت في كانون الثاني/يناير 2024: "تصدير أولى براميل النفط الخام عبر خط أنابيب في بنين بتمويل من شركة بتروتشاينا الصينية. ويربط خط الأنابيب حقل أغاديم في النيجر بميناء كوتونو، العاصمة المالية لبنين وأكبر مدنها".

أما نائب مجلس الدوما ألكسندر تولماشيف، فأكد أنّ مسار دول الساحل: "يمكن أن يؤدي إلى إنشاء اتحادٍ تكاملي كبير يمكن أن يصبح مركزًا جديدا لعالم متعدد الأقطاب".

وحسب تولماشيف، فإن تجسيد فكرة الكونفدرالية هو: "استمرار لسلسلة الثورات والاضطرابات التي شهدتها أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية"، مشيرًا إلى أن القوى الاستعمارية السابقة: "تفقد نفوذها في المنطقة، بينما تكتسب قوى جديدة نفوذًا" في إشارة منه إلى روسيا والصين.

نفوذ روسيا في دول الساحل سيزيد نظرًا للفراغ الذي تركه انسحاب فرنسا والولايات المتحدة

ويشدد الضابط الروسي السابق، سيرغي إليدينوف، على أن: "الدول الأفريقية تحاول بتأسيس اتحاد كونفدرالي جديد، التغلب على عواقب الحقبة الاستعمارية"، معتبرًا أن هذا الحدث: "صنع حقبة جديدة فهذه عملية تكامل في البلدان التي تسعى للحفاظ على سيادتها. هذه هي الفكرة الأصلية للآباء المؤسسين للوحدة الأفريقية، إنشاء الولايات المتحدة الأفريقية وكذلك استعادة العدالة التاريخية، لأن الاستعمار دمّر الصورة السياسية التي كانت موجودة في القارة بالكامل"، وفق قوله.

تأثيرات استراتيجية على فرنسا

تفقد باريس نفوذها بسرعة في منطقة غرب إفريقيا التي كانت إلى عهدٍ قريب تدور في فلكها، ويعتبر محللون روس أنّ الحزام الفرنسي في إفريقيا ينفجر. وفي هذا الصدد، تدعي المحللة الروسية ناروتشنيتسكايا أنّنا: "نشهد تحريرًا للدول من التبعية الاستعمارية الجديدة، التي تمثلت في السيطرة السياسية وفرض تسعيرتها، والتي من خلالها زودت الدول الأفريقية فرنسا بمواردها مقابل أجر زهيد".

وتتابع ناروتشنيتسكايا أن: "التداعيات، سواء الاقتصادية أو المتعلقة بالسمعة المترتبة عن القرار الذي اتخذته البلدان الأفريقية، هي بالنسبة لفرنسا وخيمة، إذ لم يعد العديد من الخبراء الدوليين يعتبرون باريس عاملًا مهمًا في العلاقات الدولية، وهو أمر غير مألوف"، حسب المحللة الروسية.

متضرّر آخر من الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والدول الإفريقية الثلاث هو الولايات المتحدة الأميركية، التي أكملت سحب قواتها من النيجر مفسحةً الطريق لروسيا التي اعتبر الباحث في الشؤون الأميركية الروسي، رافائيل أوردوخانيان، أنّ "هيبتها ضُربت" مع تكثف الوجود العسكري الروسي بالنيجر.

لكن الباحث الروسي يرى أن: "روسيا ما تزال بحاجة إلى تعزيز نجاحها في النيجر وأفريقيا بشكل عام"، إذ: "يتعين على دبلوماسيينا ومنظماتنا غير الحكومية والمراكز الثقافية أن تعمل هناك"، مؤكدًا أن تعزيز العلاقات على مستوى الدبلوماسية العامة هو مفتاح نجاح روسيا في أفريقيا، حسب وجهة نظره.

ومن المعروف أن اللغة الفرنسية هي اللغة الأولى في دول غرب إفريقيا، ولا سيما الدول الثلاث المتمردة على الوصاية الفرنسية، والمندفعة نحو الدب الروسي الذي تهمه في الأساس الفرص الاقتصادية التي تلوح في شراكاته مع تلك الدول.