إعداد: فراس حمية وأحمد عابدين
لم تكد تنتهي مقابلة سامي كليب ونقولا ناصيف المباشرة على الهواء مع ميشال عون، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود ساخرة وساخطة من حديث عون، قبل أن يتوافد المزيد من المتظاهرين على الشوارع والساحات تنديدًا بما جاء على لسان رئيس الجمهورية اللبنانية.
في مقابلته التلفزيونية، أظهر الرئيس اللبناني ميشال عون، بشكل جلي، خطابه القديم الذي وصفه نشطاء بالمُحتَقِر للبنانيين
أظهر ميشال عون، جليًا، خطابه الذي وصفه النشطاء بالمُحتقِر للبنانيين، وهو على حال خطاب قديم لدى عون، فحين كان نائبًا صرح مرّة: "إنتوا الشعب الطز"، ومرة أخرى قال: "اللبنانيون لا يريدون الإصلاح، وهم المسؤولون عن الفساد"، ليخرج في المقابل الأخيرة، ويقول وهو رئيس الجمهورية: "إذا ما في عندهن أوادم بهيدي الدولة يروحوا يهاجروا ما رح يوصلوا للسلطة".
اقرأ/ي أيضًا: خطاب حسن نصر الله.. محاولات متناقضة لركوب موجة الانتفاضة!
أسئلة ملتفة
وفي حين بدا للبعض أن اختيار كل من كليب وناصيف، بغرض عدم استفزاز عون، ضمن محاولات المجموعة الحاكمة احتواء الانتفاضة بمسايرتها نسبيًا، إلا أن الواقع احتواء المقابلة على أسئلة مثيرة للجدل، مثل سؤال: "هل تعاطفتم مع نداء الناس، أم تشعرون بأن ثمة انقلاب كان يعد من قبل البعض والناس دخلت فيه؟".
وكما يتضح، يحيل هذا السؤال إلى اعتبار الانتفاضة مؤامرة مدبرة من جهة ما لديها أغراض انقلابية على الحكم. إضافة للعديد من الأسئلة التي كانت إنشائية في مضمونها، إذ حملت سردًا تحليليًا للأحداث من قبل الإعلاميين، ما جعل البعض يعتقد بأنها صيغت بهذه الطريقة لمساعدة عون ليستند إلى أفكار مطروحة من داخل الأسئلة نفسها.
وعلى ما يبدو فإن ما حاول الإعلاميان تجنبه من اصطدام بغضب عون المعروف بخطابه الحاد، اصطدم بواقع طبيعته التي تتجاوز أحيانًا كثيرًا كونه رئيس للجمهورية، فمثلًا قال عون في المقابلة: "إذا ما بدهم يصدقونا، أنا ما بدي صدقهم كمان، لأن التعامل بالمثل يكون".
أبرز ما جاء في المقابلة
عرجت المقابلة للحديث عن ميشال عون نفسه سياسيًا وإداريًا، ليقول إن برنامجه السياسي هو "محاربة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي، والدولة المدنية".
وفي حين كان يُطلق على عهد ميشال عون من قبل أنصاره "العهد القوي"، وكان عون يروج لنفسه كرئيس قوي قادرة على الفعل السياسي، خرج في المقابلة ليقول: "عندي عجز، ونسبة لصلاحياتي فلا أقدر أن أفرض. والنظام اللبناني توافقي، مما يشل الحركة".
وضمن مساعي تبرأة النفس وخلع المسؤولية عنها، والتي بدأت مع حسن نصر الله في خطابه الأخير؛ قال عون: "لا أضمن أي إصلاحات. لكنها وعود. وأما كن فيكون، فهذه يجب التفتيش عنها في عالم آخر"، وأضاف: "من أين آتي لهم بشخصيات تتولى المناصب؟ من القمر؟!".
ولم يكتفِ عون بإزاحة اللوم على النظام السياسي الذي هو على رأسه، بل أزاحه كذلك على الانتفاضة، التي انتقد عدم وجود قيادة لها يمكن التفاوض معها.
وفي المقابل، طلب المزيد من الوقت لاسترداد الثقة والبدأ من البداية في محاربة الفساد، رغم أن ثلاث سنوات مرة من عهده، أي نصف فترة ولايته.
وكان لافتًا أن يقول عون "خطاباتي حول الفساد هي نفسها مطالب الحراك"، ثم يشير إلى أن الإصلاح ومحاربة الفساد صعب في بلد مثل لبنان، مموضعًا نفسه في جهة المعارضة وهو على رأس السلطة!
تسريبات عن شكل الحكومة الجديدة
سئل عون عن احتمالية إعادة تنصيب جبران باسيل وزيرًا في الحكومة الجديدة، ليجيب: "هذا أمر شخصي يعود له، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليه التنحي، فهو رئيس أكبر كتلة نيابية"، علمًا بأن باسيل يأتي على رأس قائمة "كلن يعني كلن" التي يرفعها المتظاهرون في ميادين الانتفاضة.
وسرب عون معلومة حول شكل الحكومة الجديدة، فقال إنها ستكون "تكنوسياسية، أي مزيج بين التكنوقراط والسياسيين. والوزراء ليسوا أعضاء في مجلس النواب بمعنى فصل النيابة عن الوزارة"، وفي الجزء الثاني من الإجابة على سؤال شكل الحكومة، ما قد يُحمل على أن باسيل لو يرد اسمه في الحكومة الجديدة، كونه عضو نائب في البرلمان.
وبعد انتقاده لشعار "كلن يعني كلن" من باب عدم وجود "كفاءات وأوادم" على حد تعبيره، طرح عون "الورقة الاقتصادية ومكافحة الفساد والدولة المدنية" باعتبارها "مسار من شأنه أن يؤدي لدولة حقيقية".
مقتل متظاهر بعد مقابلة عون!
عقب انتهاء المقابلة التلفزيونية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، تدفق آلاف المتظاهرين في الشوارع والساحات اللبنانية، وقطعت الطرقات الرئيسية في طرابلس وصيدا، وكذلك الحال مع جسري الرينغ وجل الديب في بيروت.
فيما شهدت منطقة خلدة جنوب بيروت، إطلاق النار على المتظاهرين من قبل قوات الأمن، ما أفضى إلى مقتل متظاهر. وقال شهود عيان، إن الشاب علاء بو فخر، خرج مع آخرين لإغلاق الطريق الواصل بين بيروت وصيدا، ضمن الاحتجاج على ما جاء على لسان ميشال عون في مقابلته التلفزيونية.
أثناء ذلك مرت سيارة من نوع "جيب" كان بداخلها أحد ضباط مخابرات الجيش، منعها المتظاهرون من العبور، فخرج منها الضابط وأحد مرافقيه، وأطلقا عدة أعيرة نارية استقرت إحداها في رأس بو فخر أمام زوجته وطفله، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى كمال جنبلاط.
على إثر ذلك، أصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانًا حول مقتل المتظاهر علاء بو فخر، قالت فيه إنه "أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خالدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق، فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين مما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص. وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقًا بالموضوع بإشارة القضاء المختص".
وشهدت مناطق أخرى اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الجيش، بعد محاولة الأخيرة فتح الطرق بالقوة، حيث شهدت منطقة الكولا رشق بعض المتظاهرين أفراد وضباط الجيش بالحجارة والزجاجات الفارغة بعد فتحهم الطريق بالقوة، إلا أن المتظاهرون نجحوا في إغلاق الطرق إلى المطار وباقي المناطق.
وازداد الزخم في الشارع اللبناني بعد مقابلة عون، ليعبر المتظاهرون عن رفضهم لما جاء على لسانه في المقابل التلفزيونية، التي وصفها نشطاء بـ"الاستفزازية". وفي المقابل، اشتدت ممارسات قوات الأمن عنفًا ضد المتظاهرين، بما أفضى إلى مقتل المتظاهر علاء بوفخر في منطقة الخلدة، حتى قال البعض إن مقابلة عون أدت إلى مقتل المتظاهر.
وقال أدهم حسينية، أحد المتظاهرين فوق جسر الرينغ، لـ"الترا صوت"، إن خطاب عون "يمكن وصفه بالمنفصل تمامًا عن الواقع"، كما وصفه حسينية بـ"المستفز" مشيرًا إلى مقولة عون "من لا يعجبه السلطة فليهاجر خارج لبنان".
شهدت الاحتجاجات بعد مقابلة عون مقتل متظاهر في بيروت، رفقة اشتداد عنف الأمن ضد المتظاهرين حتى قال البعض إن مقابلة عون قتلت المتظاهر
وأوضح حسينية أن خطاب عون زاد إشعال الغضب في الشارع اللبناني، ما دفع المتظاهرين للخروج المكثف وقطع الطرقات احتجاجًا وتأكيدًا على "عزمنا على استكمال انتفاضتنا حتى تحقيق كامل أهدافها".
اقرأ/ي أيضًا:
مقترح قانون العفو الجديد.. "مصلحة" الانتفاضة اللبنانية أم خنجر في ظهرها؟!