دعا المؤرخ ورئيس "اللجنة المشتركة الجزائرية-الفرنسية للتاريخ والذاكرة" عن الجانب الفرنسي بنيامين ستورا، سلطات بلاده إلى إعادة سيوف وألبسة الأمير عبد القادر الجزائري إلى بلاده في "التفاتة رمزية" من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
جاء ذلك خلال لقاء لستورا مع الإذاعة الجزائرية، يوم الثلاثاء الماضي، بمناسبة انعقاد الاجتماع الخامس للجنة الثنائية الجزائرية الفرنسية حول "قضية الذاكرة" بالعاصمة الجزائرية.
وأشار ستورا أن الاجتماع سيبحث إعادة بعض الأصول المادية للجزائر، وستكون مهمة اللجنة تحديد طبيعة هذه الأصول التي ستعاد قريبًا.
خلافات بين الجزائر والفرنسا حول إعادة ممتلكات الأمير عبد القادر الجزائري
وفي هذا الإطار، أكد المؤرخ الفرنسي أنه "كان يأمل دائمًا أن تتم عمليات تسليم تخص سيوف الأمير وألبسته وبرنسه، وأيضًا وثائقه الدينية وبخاصة نسخة القرآن التي تعود له".
وكانت قضية تسليم مقتنيات وأغراض الأمير عبد القادر الجزائري، التي تطالب بها الجزائر، قد واجهت عراقيل جديدة تتعلق باشتراط السلطات الفرنسية التحقق أولًا من أن هذه الممتلكات تعود فعلًا لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وذكرت صحيفة "لوموند" أنه في شهر آذار/مارس الماضي، أحال الأعضاء الجزائريون في "اللجنة المشتركة الجزائرية-الفرنسية للتاريخ والذاكرة" إلى نظرائهم الفرنسيين، قائمة بالعناصر، من الأسلحة والمدافع والمخطوطات، وغيرها، مما تم الاستيلاء عليه من قبل الجيش الفرنسي في ثلاثينات وأربعينات القرن التاسع عشر أثناء غزو الجزائر، والتي تريد الجزائر استعادتها.
ومن بين الممتلكات التي تريد الجزائر استعادتها سيفان كانا مملوكين للأمير عبد القادر، حيث يوجد السيف الأول في "المتحف العسكري"، والثاني في متحف "كونديه" بشاتو دو شانتيلي.
وما يعقد القضية، هو عدم اليقين من أن السيفين يعودان إلى ممتلكات الأمير عبد القادر الجزائري. وتساءلت "لوموند" أيّ السيوف التي تسعى الجزائر لاستعادتها؟، موضحة أن "المتحف العسكري" لم يتمكن من إثبات ارتباط القطعتين بالأمير عبد القادر على نحو رسمي.
وحول ما سبق، يقول الخبراء إنه من "المحتمل أن يكون قد استُولِي على أحد السيفين عام 1843 في أثناء السيطرة على مدنية الزمالة، العاصمة المتنقلة للأمير عبد القادر، التي فاجأتها القوات الفرنسية، وكان الأمير غائبًا عن المعسكر في ذلك اليوم، لكن خيمته تعرضت للسرقة، وذلك قبل أربع سنوات من الاستسلام".
وتشير "لوموند" إلى أن الغموض نفسه يلقي بظلاله على هوية السيف الثاني الموجود في شاتو دو شانتيلي، حسب الطلب الجزائري. إذ يشار إلى أن متحف "كونديه" يحتوي على العديد من القطع المنسوبة للأمير الجزائري.
وأعاد الحاكم العام السابق في الجزائر على نحو خاص خيمة الأمير، و37 مخطوطة، ومدفعين، وثلاثة بنادق، ومسدسين، وخنجرًا، وأحذية ومهمازًا، وحقائب مطرزة بالذهب، ومجوهرات، وصناديق، ومنسوجات، وخمسة سيوف. وتتساءل "لوموند" أي سيوف تطالب بها الجزائر؟، معتبرة أنه سيتعين على اللجنة المشتركة توضيح ذلك، والعمل المستقبلي عليها.
ورأت "لوموند"، أن الحل هو اعتماد قوانين مخصصة ترفع عدم قابلية التصرف في بعض الأشياء المحددة. وتم اعتماد هذه الطريقة عام 2020 لإعادة ممتلكات ثقافية إلى بنين والسنغال، وقبل ذلك متعلقات تعود إلى "رؤساء الماوري" إلى نيوزيلندا عام 2010، كذلك إعادة رفات المرأة "هوتنتوت فينوس" إلى جنوب أفريقيا عام 2002.
في تعليقه على هذه الإشكالية القانونية، قال المؤرخ بنيامين ستورا: "كل هذه المراوغات القانونية تصبح مملة في نهاية الأمر. كل هذه القطع لم تسقط من السماء إلى هذه المجموعات، بل ما تزال تأتي من غزو استعماري عنيف".
يذكر، أن السلطات الجزائرية استرجعت سيفًا يعود إلى الأمير عبد القادر الجزائري، وضع للبيع في مزاد علني بباريس. وحينها تقرر الاحتفاظ بهذا السيف والوثائق المرفقة معه ضمن المجموعات المتحفية الوطنية لينضم إلى التحف الأثرية والفنية التي استُرجعت مؤخرًا، وفق بيان وزارة الثقافة الجزائرية.
وبما يتعلق بالأرشيف الجزائري الموجود في فرنسا، أشار المؤرخ الفرنسي إلى أن موضوع "رقمنة مليوني وثيقة أرشيفية"، الذي اتُّفق عليه في آخر اجتماع لـ"اللجنة المشتركة المكلفة بالذاكرة"، عقد في فرنسا، وشهد تطورًا ملحوظًا، لكن تبقى مسألة إعادة الوثائق الأصلية شائكة وتتطلب حلًا، وقال "لهذا السبب نحتاج في فرنسا إلى قانون توافق عليه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ"، وأضاف "سيُعَدّ لمشروع قانون يسمح بتسليم هذا الحجم من الأرشيف الخاص بالاستعمار، ولا يخص ذلك الجزائر، وإنما مستعمرات أفريقية سابقة أخرى".
ولفت ستورا النظر إلى أن عمل الفريقين يتعلق قبل كل شيء بالغزو الاستعماري، وتغلغله في أرض الجزائر خلال القرن الـ19، مبينًا بأنه "عمل دقيق، الهدف منه وضع إرساء تسلسل زمني للمجازر التي ارتكبت، وتنقلات السكان وممتلكات الأراضي خلال الفترة الاستعمارية الأولى".