تنطلق في الثاني من آب/ أغسطس القادم فعاليات "مهرجان ليالي قلعة دمشق" الذي يتواصل حتى السادس من الشهر نفسه، بمشاركة مجموعة من الفنانين العرب، أبرزهم التونسي صابر الرباعي الذي يعود إلى سوريا بعد غياب دام 12 عامًا، ما يجعل من المهرجان، وبحسب المنظمين، حدثًا استثنائيًا.
وهو بالفعل كذلك، ولكن ليس بسبب مشاركة صابر الرباعي، وإنما لأنه يُقام، على الأرجح، في "سوريا" أخرى غير التي نعرفها ويعرفها أهلها ويمكن للآخرين التعرّف عليها في تعليقات السوريين الساخرة والمؤلمة، في آن معًا، على أخبار المهرجان الذي كتب أحدهم متسائلًا عما إذا كان سيُقام بوجود الكهرباء أم بدونها، في إشارة إلى غيابها عن بيوت السوريين مثل أشياء أخرى كثيرة؛ بينما علّق آخر: "الشمس مشرقة والعصافير تزقزق وما معنا نأكل بس في مهرجانات!". هؤلاء، والكثير غيرهم، هم سكان سوريا التي نعرف.
يُقام مهرجان ليالي قلعة دمشق في وقت يُعاني فيه معظم السوريين من أزمات معيشية خانقة
يُروِّج إعلام النظام ودول أخرى للمهرجان في الوقت الذي تواصل فيه الليرة السورية انهيارها أمام الدولار الأمريكي، وترتفع فيه مخاوف السوريين لا من الفقر الذي تجاوزوه نزولًا، وإنما من تفاقمه أكثر وأكثر. لكن هذا، في كل الأحوال، لا يعني المنظمين ولا الفنانين المشاركين ولا حتى الحضور. ما يعني هؤلاء لا يعني السوريين الذين لا يستطيع الكثير منهم تأمين قوت يومه.
يشارك في المهرجان زياد برجي، ومحمد المجذوب، وجوزف عطية، وكارول سماحة، ومروان خوري، وصابر الرباعي. وتتراوح أسعار تذاكر حفلاته بين 75 إلى 400 ألف ليرة سورية. أرقام مخيفة في بلد تكفي رواتب موظفيه ليوم واحد فقط، فيما لا يحصل آخرون حتى على ما يكفيهم ليوم واحد. ومع ذلك، يرى المنظمون أن الأسعار معقولة، لكنهم يؤكدون بأن المهرجان غير مخصص للفقراء وذوي الدخل المحدود لعلهم يضعون بذلك حدًا للانتقادات التي يتعرضون لها في مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي ليس نقدًا بقدر ما هو سخرية من جهة، ومحاولة للتعبير عن وجود "بلدين" في البلد نفسه من جهةٍ أخرى. ففي اعتقاد السوريين، هناك "سوريا" التي يعيشون فيها ونعرفها جميعًا، و"Syria" التي يعيش فيها رأس النظام وعائلته ورجاله على اختلاف أشكالهم ومسمياتهم ووظائفهم. في الأولى بشرٌ يعيشون في فقرٍ مدقع لا سبيل للخلاص منه، وفي الثانية زمرة تقضي أيامها بالتجول بسياراتها الفارهة واستعراض الأموال التي نهبتها خلال سنوات الحرب.
يَعرف الفقراء وذوي الدخل المحدود أن المهرجان لا يُقام لهم، لكنهم في انتقادهم لإقامته وسخريتهم منه، يذكّرون بوجودهم وبوجود سوريا التي يُحاول النظام استبدال صورتها بأخرى يمكنه تصديرها إلى الخارج. ولذلك لا يتعدى المهرجان الذي "سيضيئ سماء دمشق"، الغارقة في العتمة، كونه جزءًا من سعي النظام للترويج لصورته المشتهاة كمخلّص للبلاد من الإرهاب الذي لم يكن من الممكن إقامة هكذا مهرجان في ظل وجوده.
يأتي هذا المهرجان، وغيره من المهرجانات، بعد تهجير أهالي الغوطة الشرقية والغربية، وبعد تدمير البنية التحتية، وبعد إفقار البشر وإظلام البلاد، وبعد إقامة "المجتمع المتجانس" الذي بناه النظام من خلال قتل السوريين واعتقالهم وتهجيرهم.