هذه قصيدة للشاعر بابلو نيرودا، لم يسبق أن ترجمت إلى العربية من قبل. ننشرها اليوم في ذكرى وفاته.
"ها قد أزفت نهايتك"، أخبرني الموت
وعلى حد ما رأيت
فقد كان الموت يحدق بي.
حدث هذا في المستشفى
في الردهات النظيفة المعقمة
وكان الطبيب ينظر إليّ
بأعينه الثاقبة.
أدخل رأسه في فمي،
كشط شيئًا عن حنجرتي
ربما نواة صغيرة
زرعها الموت هناك.
في البداية تحولت إلى دخان
كي يتجاوزني ذلك الموت الرمادي
دون أن يلحظني.
مثلت دور الأحمق، حاولت الاختفاء
تظاهرت بأني هلامي،
أردت أن أركب دراجة هوائية
كي أتحرك بها بعيدًا عن نطاق الموت.
ثم تملكني الغضب
وصرخت: "أيها الموت، أيا عاهر،
ألا كففت عن الإزعاج؟
ألم تكفيك كل تلك العظام؟
سأخبرك برأيي بكل صراحة:
أنت لا تملك أي قدرة على التمييز،
لقد نال منك الصمم، وبلغت من الحمق
حدًا يتجاوز كل معقول.
لم تتبعني؟
ما الذي تريده من هيكلي العظمي؟
لم لا تأخذ البائس، أو المتصلب،
الأنيق، أو الحانق، الغدار، أو القاسي،
القتلة أو الأزواج الخائنين،
القاضي ذا الوجهين،
أو الصحفي الكاذب،
أو المستبدين في جزرهم،
أولئك الذين يضرمون النيران في الجبال،
ضباط المخافر،
السجانين واللصوص؟
ألم تجد غيري أنا؟
ما شأني والسماء؟
الجحيم مكان لا يناسبني
أنا راض بحالي على الأرض.
بهذي الهمهمات الصامتة،
مضيت ولم أرضخ،
أما الطبيب المرتبك
فراح يعبث برئتي
من قصبة إلى أخرى
كعصفور يطير من غصن إلى غصن.
فقدت الشعور بحلقي،
كان فمي مشرعًا كأن
الفكّين من حديدٍ في قناع محارب
وغار الطبيب عميقًا في حنجرتي
إلى أن بلغ من الحزم
واليقين، أن نظر إليّ عبر مرقابه
وحررني من قبضة الموت.
لم يكن الأمر كما بدا لهم.
لم يكن دوري قد حان بعد.
لكن لو أخبرتك أنني عانيت الكثير،
وحدثتك عن فرط حبي للغامض المجهول،
وأن القدير كان ينتظرني
في واحته،
لو تحدثت عن الوهم الذي انقشع،
وكيف نال منّي جهد البلاء
لأني لست على موعدٍ مع الموت،
لو قلت لك مثل دجاجة خرقاء
إنني أموت بعدم الموت،
فأرجوك.. اركلني على مؤخرتي،
فهذا هو جزاء الكاذبين.
اقرأ/ي أيضًا: