أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس الثلاثاء، الميزانية المتوقعة للمملكة العربية السعودية لعام 2018، بعد إقرارها من مجلس الوزراء السعودي. وتركزت الدعاية الرئيسية في تسويق الميزانية، على أنّها "الأكبر في تاريخ السعودية".
أعلنت السعودية عن إقرار ميزانية عام 2018، كأكبر ميزانية في تاريخها بحجم إنفاق يصل لـ978 مليار ريال
يمكن اختصار ما تم عرضه من ميزانية في عدة نقاط رئيسية، هي حجم الإنفاق في الميزانية المتوقعة للعام 2018، والذي يصل لنحو 978 مليار ريال، بزيادة تصل لنحو 5.6% عن عام 2017 الذي تم خلاله إنفاق 926 مليار ريال.
اقرأ/ي أيضًا: دليل ابن سلمان للاستفزاز: يأمر بالتقشف ثم يشتري قصرًا بـ300 مليون دولار!
وهناك بند الإيرادات المتوقع أن يصل في العام المقبل إلى نحو 783 مليار ريال، بارتفاع نسبته 12.5%، مقابل إيرادات بـ696 مليار ريال في عام 2017. وفيما يخص العجز، فمن المتوقع أن يصل في ميزانية 2018 إلى 195 مليار ريال، مقابل عجز بنحو 230 مليار ريال في ميزانية 2017، وفقًا لتقرير الميزانية.
الميزانية الأكبر في تاريخ السعودية
ركز الإعلام السعودي في تسويق الميزانية الجديدة على كونها الأكبر في تاريخ السعودية، بأسعار نفط متدنية، وفقًا لبيان تلاه العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، أمس الثلاثاء، أشار فيه إلى إطلاق 12 برنامجًا لتحقيق أهداف ما يُعرف بـ"رؤية 2030" التي قالت تقارير إنّها تدفع نحو تدني النمو الاقتصادي للبلاد، ما يُؤكد على فشلها عمليًا.
ورغم ما قيل في بيان سلمان من أنّ البرامج الـ12 تهدف لتخفيف العبء عن المواطنين، إلا أنّها في الحقيقة تزيد الأعباء على المواطن السعودي وإلى جانبه العمالة الأجنبية الوافدة، كما أنّها تُكرّس لما تشتهي السعودية من التسليح المُفرط، لدرجة جعلت التسليح يُمثّل 31.8% من حجم الميزانية، في مقابل 35% لكل من قطاعي التعليم والصحة معًا!
ومع الطموحات الوهمية التي يروج لها الإعلام السعودي، تبقى حقيقة توقع انكماش الاقتصاد السعودي بنسبة 0.5% على الأقل، وفقًا لوزارة المالية السعودية نفسها. وهو أمر لم يسبق له مثيل منذ 2009، ما يُشير لصعوبات تحول الاقتصاد السعودي إلى الاعتماد على موارد غير نفطية. من جهة أخرى ارتفع الدين العام بنسبة 38% ليصل إلى 116.8 مليار دولار. ولأجل ذلك قالت وزارة المالية إنه تمت مراجعة الجدول الزمني لبرنامج تحقيق التوازن المالي، ليكون العمل على تحقيق هذا التوازن في العام 2023 بدلًا من 2020.
وعند إعلان ميزانية 2017، قدرت السعودية حينها الإيرادات بـ692 مليار ريال والمصروفات بـ890 مليار على أن يكون العجز 198 مليار ريال. لكن ذلك لم يحدث، وخالف العجز التوقعات بوصوله لـ230 مليار ريال، رغم البدء في إجراءات تنفيذ رؤية محمد بن سلمان الاقتصادية.
ويأتي إعلان ميزانية 2018 في وقت عصيب على السعودية على عدة مستويات، بسبب سياسات ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، التي كثيرًا ما توصف بالتهور والاندفاع.
ولعل أبرز ما يمت لصلة بالميزانية، هو البذخ في الإنفاق الشخصي لابن سلمان وآل سلمان عمومًا، فقد اشترى ابن سلمان مُؤخرًا أغلى منزل في العالم بقيمة 300 مليار دولار، وقبلها اشترى لوحة بنحو 450 مليون دولار.
في مقابل ذلك متوقع أن تصل حصيلة الضرائب على السلع والخدمات في عام 2018 إلى 85 مليار ريال، في مقابل 2.5 مليار ريال شهريًا ستنفق على برنامج لدعم المواطن السعودي أمام زيادات الأسعار. وهو ما يعني بشكل واضح أن بذخ إنفاق آل سعود سيحاسب عليه المواطن السعودي.
السلاح قبل التعليم دائمًا
القطاع العسكري هو الأعلى ضمن بنود ميزانية 2018، ويعتبر أمرًا متوقعًا في السعودية. ووفقًا لوزارة المالية، خُصص نحو 210 مليارات ريال للقطاع العسكري، وهي نسبة تصل لنحو 20,1% فقط من الموازنة. ولكنها ليست البند الوحيد المرتبط بالأمن والتسليح، فحقيقة الأمر أن هناك بندًا آخر داخل الميزانية، تحت اسم "قطاع الأمن والمناطق الإدارية" أو ما يمكن اعتباره الأمن الداخلي، وبلغ ما تم تخصيصه له في ميزانية 2018، نحو 101 مليار ريال، وبذلك يصل مجموعة البندين 311 مليار ريال، بنسبة 31.8% من الميزانية.
يقتطع التسليح النسبة الأكبر من ميزانية السعودية، مع تقليل لنسبة الإنفاق على التعليم عما كانت عليه في 2017
وقبل عام 2017، كان كلا البندين (القطاع الأمني والعسكري) بندًا واحدًا في الميزانية. وتشير تلك الأرقام في الميزانية الجديدة إلى تصاعد الهوس السعودي بالتسليح. وبشكل عام، فإن السنوات الأخيرة تكشف عن ضخامة زيادة الإنفاق السعودي على التسليح، ففي ميزانية 2017 زاد الإنفاق على التسليح لأكثر 6.7% بالمقارنة بميزانية 2016.
اقرأ/ي أيضًا: سباق التسلح العالمي.. خطة أمريكية لخلق فرص عمل وهوَس سعودي متزايد
وفي مقابل تلك الميزانية الضخمة للقطاع العسكري والتسليح، يظهر تدني الاهتمام بكل من قطاعي التعليم والصحة، فما خصص للتعليم في ميزانية 2018 كان 192 مليار ريال بنسبة 19.6% من الميزانية، علمًا بأنّ المخصص للتعليم في 2017 كان 200 مليار ريال.
وخصص للصحة 146 مليار ريال، ليصبح مجموع الصحة والتعليم ما نسبته 35% من الميزانية المتوقعة لعام 2018. ويبدو ذلك متناسبًا مع سياسات ابن سلمان التي تجعل من السعودية، منذ 2015، في حالة استعداد دائمٍ للحرب، انطلاقًا على ما يبدو من اندفاع وطيش الأمير الشاب قليل الخبرة بشكل عام.
المواطنون والوافدون.. مورد مالي رئيسي!
رغم الوعود الرسمية بتخفيف العبء عن المواطنين، فالعالم المقبل ينتظر المواطن المزيد من الأعباء المالية، بداية من زيادة أسعار المواد البترولية والمواد والخدمات الأساسية، ومن المفترض أن يكون ذلك مع بداية العام المقبل.
بالإضافة للمواطن الذي تنتظره زيادة في الضرائب، هناك أيضًا العمالة الوافدة التي بالإضافة إلى الاتجاه نحو تسريحها عن العمل دون أية ضمانات أو حقوق، فهناك أيضًا البنود الخاصة بزيادة تكلفة الإقامة عليها.
وتعتبر السعودية، وفقًا للميزانية المنشورة، المواطنين والوافدين جزءًا من زيادة الإيرادات للحكومة. واعتبرت بعض التقارير الصحفية، أن ما تم تحصيله من الرسوم والضرائب المفروضة على المواطنين والوافدين الأجانب على حد سواء، قد أنقذ السعودية من عجز أكثر مما سُجّل.
ومنذ عام 2016، بدأت السعودية في زيادة الرسوم على إقامات الوافدين، وزيادة الضرائب على المواطنين. تصاعد الأمر في 2017، وسيزداد أكثر في 2018. ووفقًا لبلومبيرغ، نقلًا عن مسؤولين سعوديين، فمن المتوقع أن تزيد أسعار المحروقات لـ80% بدايةً من كانون الثاني/يناير المقبل!
ووفقًا للبيان المنشور من وزارة المالية حول الميزانية، فإنه من المتوقع أن يشهد الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ارتفاعًا بنسبة 5.7% في 2018. ورغم أنها أشارت إلى التوقع بتراجع هذه الزيادة لنحو 2% عام 2020، إلا أنّه ليست هناك أي دلائل على ذلك.
ومن المقرر أيضًا استمرار زيادة الرسوم المقررة على الوافدين خلال 2018، والتي تعتبرها الموازنة جزءًا جوهريًا من الموارد المتوقعة للسعودية، سواء زيادة الرسوم على استقدام العمالة أو مرافقي العمالة، ورسوم الخروج والعودة. ومن المتوقع ان تصل نسبة الرسوم من العمالة لنحو 24 مليار ريال في العام القادم.
يمثل المواطنون والوافدون موردًا أساسيًا للسعودية في ميزانية 2018، بزيادة الأعباء المالية على كاهلهم، ما يكشف جوهر رؤية 2030!
بشكل عام، من المتوقع أن يكون 2018، عامًا لم تشهد السعودية مثيلًا له من قبل على مستوى التضخم وزيادة الأسعار وانكماش الاقتصاد، والأعباء المتراكمة على المواطن، لينكشف بذلك جوهر "رؤية 2030" ومجمل سياسات محمد بن سلمان، وليكون ذلك دليلًا آخر على تأسيس ابن سلمان لـ"مملكة متهوّرة".
اقرأ/ي أيضًا:
تباطؤ النمو الاقتصادي في السعودية.. "رؤية 2030" في مهب رياح الواقع