تصاعدت وتيرة انتقادات الديمقراطيين لمرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، على خلفية "مشروع 2025" الذي يدعو لتغيير شكل ونهج الحكومة الأميركية في المستقبل. وأمام ضراوة الانتقادات الديمقراطية، لم يجد ترامب من وسيلة للدفاع عن نفسه سوى نفي علاقته بالمشروع، وذلك على الرغم من أنّ أسماء كبيرةً في حملته أشرفت وشاركت في إعداده وبلورته.
وكان الكشف عن "مشروع 2025" قد تمّ في نيسان/أبريل من العام الماضي من طرف مؤسسة التراث المحافظة، وهي مؤسسة اعتادت على اقتراح مخططات سياسية للإدارات الجمهورية المستقبلية منذ انتخاب رونالد ريغان في عام 1980.
ركزت حملة الديمقراطيين على ربط ترامب بـ"مشروع 2025 كجزء من استراتيجيتها الهجومية. وفي أحدث هجومٍ ديمقراطي، قالت حملة كامالا هاريس إن: "مشروع 2025 لا يزال مرتبطًا بأجندة ترامب، التي كتبها حلفاؤه له لإلحاق الضرر بالبلاد".
وترى حملة هاريس أنه حتى لو اختفى هذا المخطط، فإنه "لا يجعله أقل واقعيةً"، معتبرةً أنه: "يجب أن يجعل الناخبين أكثر قلقًا بشأن ما يخفيه ترامب وحلفاؤه".
ركزت حملة الديمقراطيين المساندة لكامالا هاريس على ربط ترامب بـ"مشروع 2025 كجزء من استراتيجيتها الهجومية
وتصاعد الجدل مؤخرًا بشأن الخطة بالتزامن مع تصريحات أدلى بها ترامب الجمعة الماضي أمام تجمع لمسيحيين محافظين قال فيها إنهم "لن يضطروا أبدًا إلى التصويت مرةً أخرى إذا أدلوا بأصواتهم لصالحه في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم" موعد الاستحقاق الرئاسي الأميركي.
واعتبر الديمقراطيون هذا التصريح دليلًا على أن الرئيس السابق سيسعى إلى إنهاء الانتخابات، وأنه يهدد الديمقراطية في الولايات المتحدة، فقد كرر ترامب ما قاله في لقاء على قناة فوكس نيوز مساء الإثنين، رافضًا التراجع عنه.
لكن ترامب وجد نفسه مضطرًّا إلى نفي علاقته بوثيقة مشروع 2025، قائلًا إنه: "لم يقرأها ولا يعرف شيئًا عنها وأنّ فيها بعض الأشياء المتطرفة".
ورغم نفي حملة ترامب علاقتها بالخطة، فإن السيناتور جيه دي فانس الذي اختاره ترامب نائبًا له، كتب مقدمةً لكتاب قادم لروبرتس يشيد فيه بعمل مؤسسة "التراث".
وفي تصدير الكتاب يقول دي فانس، حسب وكالة "أسوشييتد برس" التي حصلت على نسخة من الكتاب، إن: "مؤسسة التراث كانت ولا تزال المحرك الأكثر تأثيرًا للأفكار بالنسبة للجمهوريين من رونالد ريغان إلى دونالد ترامب".
ويضيف فانس: "نحن ندرك الآن جميعًا أنه حان الوقت لتجميع العربات وتحميل البنادق. في المعارك التي تنتظرنا، تعد هذه الأفكار سلاحًا أساسيا".
طال تأثير النقد الديمقراطي مؤسسة هاريتيج نفسها التي قدمت الخطة، حيث اضطرت إلى إعلان استقالة مدير رؤية "مشروع 2025" بول دانز، الثلاثاء الماضي.
إلا أنّ رئيس المؤسسة كيف روبرتس، خرج ليؤكد: "استمرار الجهود لبناء جهاز موظفين لصناع سياسات على جميع المستويات الفيدرالية والولايات والمحليات". كما أكدت المؤسسة أنّ مشروع 2025: "لا يمثل خطة ترامب، ولكنها خطة وضعت من أجل رئاسته في حال فوزه في الانتخابات".
وأضافت أنّ "مشروع 2025" على الإنترنت سيظل نشطًا وستواصل المجموعة فحص السير الذاتية لقاعدة بياناتها التي تضم ما يقرب من 20 ألف شخص من المسؤولين المحتملين الحريصين على تنفيذ رؤيتها للحكومة، مؤكدةً أن دانز، الذي بدأ المشروع من الصفر منذ أكثر من عامين، سيترك منصبه في آب/أغسطس الجاري، وأن روبرتس سيدير عمليات "مشروع 2025".
مضامين خطة 2025
جاء في مقدمة خطة 2025 ما نصّه: "لا يكفي أن يفوز المحافظون في الانتخابات، إذا أردنا إنقاذ البلاد من قبضة اليسار الراديكالي، فنحن بحاجة إلى أجندة حاكمة وأشخاص مناسبين في مكانهم، وعلى استعداد لتنفيذ هذه الأجندة في اليوم الأول من الإدارة المحافظة القادمة. هذا هو هدف مشروع الانتقال الرئاسي لعام 2025".
وتختصر افتتاحية الخطة التي كتبها رئيس مؤسسة هيريتيج، كيفن دي روبرتس، هدف مشروع 2025 بجعل: "أميركا أمةً محافظة. وللقيام بذلك، يتعين على الإدارة الرئاسية المقبلة أن تركز على أربع جبهات واسعة ستقرر مستقبل أميركا"، وتتمثل هذه الجبهات حسب روبرتس في:
- استعادة الأسرة باعتبارها محور الحياة الأميركية وحماية أطفالنا.
- تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأميركي.
- الدفاع عن سيادة أمتنا وحدودها وخيراتها ضد التهديدات العالمية.
- تأمين حقوقنا الفردية التي منحها الله وضمنها الدستور للعيش بحرية.
وتوضح بقية الخطة بالتفصيل كيف يمكن للإدارة الجمهورية القادمة تنفيذ أهدافها على هذه المحاور الأربع، حيث تفصل الخطة ما يجب على إدارة الرئيس القادم أن تفعله، بالإضافة إلى تفاصيل عمل كل وكالة فيدرالية لإصلاح أهدافها وعملياتها اليومية، بما يستجيب لأكثر الأجندة محافظةً، من وزارة الزراعة إلى وزارة الدفاع، إلى إدارة هيئة التنمية الدولية، ووكالات التنظيم المالي.
ومن بين المقترحات العديدة المثيرة للقلق في المشروع: "تركيز السلطة في الرئاسة: بمنح الرئيس وطاقمه المزيد من السلطة على السلطات التنفيذية، بالإضافة لتحقيق أولويات المحافظين طويلة الأمد: مثل تقليص التشريعات، وتقليل الإنفاق الفيدرالي على الفقراء، والتخلي عن جهود مكافحة التغير المناخي، وزيادة الإنفاق العسكري، وما إلى ذلك، يضاف إلى ذلك تبني الأجندة الصارمة لليمين الديني، حيث يقدم المشروع مقترحات لاستخدام السلطة الفيدرالية في قضايا منع الإجهاض وتقييد تغطية نفقات بعض وسائل منع الحمل".
كما تتضمن الخطة "رؤيةً مفصلةً لتطهير جهاز الدولة الأميركية الإداري من عشرات الآلاف من الموظفين لصالح توظيف أولئك الذين سيلتزمون بالمبادئ المحافِظة لمشروع 2025، إلى جانب دعم نشر الجيش للمساعدة في عمليات الاعتقال على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك وعمليات ترحيل جماعية لملايين المهاجرين غير الشرعيين.
الجهات التي تقف وراء مشروع 2025
ورد مشروع 2025 في صيغته النهائية ضمن كتابٍ ضخم من 920 صفحةً، وقد تولت مؤسسة "هيريتيج"، التي توصف بأنها من بين المنظمات اليمينية الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة، رعايتَه وبلورتَه.
ومن المعروف أن مؤسسة هيريتيج التي تأسست عام 1973، تستخدم مواردها ونفوذها لدفع أجندتها المحافظة في كل جانب من جوانب الحياة الأميركية، خاصةً الدعوة المعارضة للإجهاض، وسياسات المناخ، والدعوة المناهضة للمثليين، والدعوات لتضخيم الميزانية العسكرية ودور واشنطن العسكري حول العالم.
يمكن اختصار مشروع 2025 في كلمة واحدة وهي جعل أميركا محافظة
وبحسب مجموعة "هريتيج"، فإن فصول خطة "مشروع 2025" ودليل الـ180 يومًا كتبها: "أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أطياف الحركة المحافظة من كل أرجاء الولايات المتحدة". ويشمل ذلك مسؤولين سابقين في إدارة ترامب وشخصيات يمينية بارزة، مثل القائم بأعمال وزير الدفاع السابق كريستوفر ميلر، ونائب، وزير الأمن الداخلي السابق كين كوتشينيلي، وبيتر نافارو، كبير المستشارين التجاريين السابق لترامب.
يشار إلى أن مؤسسة "هيريتج" برزت بقوة خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، الذي اعتمدت سياساتُه على دراسة سياسية أنجزتها تحت عنوان: "انتداب القيادة". ومن لحظتها بات للمؤسسة المحافظة تأثير واضح: "في صنع السياسة العامة الأميركية".
وجاء في الموقع الرسمي للمشروع أن: "تصرفات السياسيين الليبراليين في واشنطن خلقت حاجةً ماسة وفرصةً فريدة للمحافظين للبدء في إزالة الضرر الذي أحدثه اليسار وبناء بلد أفضل لجميع الأمريكيين في عام 2025".
وأضاف: "لا يكفي أن يفوز المحافظون في الانتخابات.. إذا أردنا إنقاذ البلاد من قبضة اليسار الراديكالي، فنحن بحاجة إلى أجندة حاكمة وإلى أشخاص مناسبين، على استعداد لتنفيذ هذه الأجندة في اليوم الأول من تولي الإدارة المحافظة المقبلة".