الترا صوت- فريق التحرير
أدّى الانفجار الذي هزّ لبنان ووصل صداه إلى العالم بأسره يوم أمس إلى تدمير جزءٍ حيويّ من مدينة بيروت كما ألحق أضرارًا بالغة بالمباني والبيوت المحيطة بالمرفأ، وأدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة الآلاف، وهي أرقام ما تزال مرشحة للارتفاع، حيث البحث ما يزال جاريًا عن المفقودين تحت الأنقاض، وما تزال المستشفيات في العاصمة وما حولها تحاول استيعاب الأعداد الهائلة من المصابين في ظل أوضاع صعبة يعاني منها القطاع الصحي المنهك في البلاد.
هذا الانفجار الذي أدّى إلى إعلان السلطات اللبنانية بيروت مدينة منكوبة، عزاه العديد من المحللين والمعلقين إلى إهمال مريب في التعامل مع كميات ضخمة من موادّ قابلة للانفجار مثل نترات الأمونيوم، والتي تبلغ الكميات المخزنة منها حوالي 2700 طن بحسب تصريحات رسميّة، وقد تركت مهملة في أحد المستودعات القديمة لأغراض بيعها أو إتلافها منذ أكثر من أربع سنوات.
وقد شهد العالم منذ مطلع القرن العشرين العديد من حوادث الانفجارات المتعلقة باحتراق بالأسمدة الصناعية، وخاصة نترات الأمونيوم ذات القوة الانفجارية العالية، حيث سجّل أكثر من 30 حادثًا مروّعًا لانفجارات نترات الأمونيوم منذ العام 1916، ابتداءً من حادثة تعرف باسم "الانفجار العظيم" في أحد المصانع في المملكة المتحدة عام 1916، والتي تعدّ أسوأ حادثة انفجار في تاريخ مصانع المتفجرات في بريطانيا، وانتهاء بكارثة انفجار مرفأ بيروت يوم الثلاثاء 4 آب/أغسطس.
ما الذي يجعل الأسمدة النتروجينية شديدة الانفجار؟
تحتاج المزروعات إلى النتروجين لبناء الأحماض الأمينية والبروتينات، ومن الصعب الحصول على القدر الكافي من النتروجين من الطبيعة، بالرغم من أن النتروجين يشكل حوالي 80 بالمئة من الغلاف الجوي من حولنا. وبحسب ما تنقل مجلة نيويوركر فإن نترات الأمونيوم تعد من أكثر الأسمدة الصناعية استخدامًا في العالم، وهي تساعد في تزويد المزروعات بما يكفي من النتروجين لنموها، فنترات الأمونيوم تتكون من النتروجين والهيدروجين والأكسجين. ولأن الرابط الكيميائي بين هذه العناصر أقل ثباتًا مقارنة بروابط النتروجين في الغلاف الجوي، فهذا يساعد المزروعات على الحصول على النتروجين بشكل أسرع، أما النترات (NO3) فهي موجودة أصلًا بشكل يمكن للمزروعات الاستفادة منه، بينما يتحول الأمونيوم (NH4) إلى نترات مفيدة عبر البكتيريا الموجودة في التربة، ويكون مفيدًا للمزروعات على مدى أطول.
لكن لو نظرنا إلى جزيء النتروجين N2، فإنه بحاجة إلى قدر هائل من الطاقة لفصل ذرتي النتروجين عن بعضها وكسر الرابط بينهما، وفي المقابل سيكون هنالك قدر هائل من الطاقة الصادرة في حال اندماج الذرتين معًا من أجل تشكيل الرابطة. ومن المعروف أن ذرات النتروجين تنتقل من حالة أقل ثباتًا ذات إمكانات طاقوية عالية (كما هي في NO3 أو NH4)، إلى حالة أكثر ثباتًا وطاقة أقل (كما هي الحال في N2)، بحيث يتم إطلاق الطاقة الزائدة بشكل سريع جدًا، بل حتى بشكل انفجاري، ولهذا السبب نرى أن العديد من العناصر الكيميائية المستخدمة في المتفجرات، مثل النتروجليسرين والنتروسيليلوز وثلاثي نيتروتولوين (TNT)، هي مركبات يدخل النتروجين في تركيبها.
لماذا لا تنفجر نترات الأمونيوم تلقائيًا؟
وبحسب نيويوركر فإن السبب الذي يجعل نترات الأمونيوم لا تنفجر بشكل تلقائي هو ما يعرف باسم "طاقة التفعيل"، وهي الحد الأدنى من الطاقة الضرورية لبدء تفاعل كيميائي. فطاقة التفعيل الخاصة بانفجار نترات الأمونيوم عالية بالحد الكافي لجعلها غير قابلة للانفجار في الظروف الاعتيادية اليومية. لكن في حال وجود قدر كاف من الطاقة، مثل حريق أو شعلة تفجيرية، فإن الآثار قد تكون مدمّرة. فنترات الأمونيوم تشتمل على وقود ذاتي، وهو الأمونيوم، وعامل الأكسدة الذاتي، وهو النترات، ما يجعل عملية الاحتراق قادرة على الاستمرار بذاتها وبشكل قويّ ومكثّف. وهذا ما يجعل السلطات المختصة في العديد من الدول في العالم تفرض إجراءات خاصة فيما يتعلق بتخزين نترات الأمونيوم ونقلها وكميات شرائها وتوزيعها.
اقرأ/ي أيضًا:
مستشفيات بيروت تفقد قدرتها الاستيعابية ومخاوف من كارثة
بيروت مدينة منكوبة: انفجار "رهيب"
ما هي نترات الأمونيوم التي سببت انفجار بيروت المدمّر؟