(بعد أنسيلم كيفر)
إلى إيلينا ليديا شيبيوني
نجَتْ أفعى عسليةُ العينين ورَوَتْ ما جرى:
في حقولنا المحترقة رسمني الأمسُ بزبدِ فمه، على جدارٍ تفحّم كسبُّورة سوداء أمام تلامذةٍ خائفين، فرأيتُموني صورةً عن أبي، ألقي إلى نافورة الموت قروشي الأخيرة، أخيط أزرارَ معطفه الزيتيّ إلى الأثلام التي رتَّبتُمِ البذورَ في وُحُولها، منضودةً على شكل كلمات، ثم نمتْ وأزهرت حين أمطرتْ ضوءًا دافئًا كالندم، وسال دمٌ آخر على راحةِ الأرض. سمقتِ العكاكيز كشجر الحور فسقَفْنا بها مأوانا، وقفزْنا فوق جداولَ كانت عروقَنا لنسبحَ في سمائنا الأولى. سمّدنا لُغتَنا ببقايانا. استحالتِ الجبالُ رؤوسًا أينعتْ تحت قبضاتِ السماء، والمنعطفاتُ خدودًا سِلْنا عليها كجليدٍ ذائب، وحيث سقطَ كلُّ مَنِ اختفى سارعتْ إلى الظهور زهرةٌ لا يطالها أحد، أو لمعَ عودُ ثقاب مشتعل سرعانَ ما يطبق عليه تلميذٌ فمَه ليطفئ الشعلة- مستعجلًا التمرينَ على نسيان الخوف.
سنتذكّرُ طويلًا كم لبثنا قبل هذا الحصاد. سيزورُ كلٌّ منا قبرَه، على كتفهِ سوط، وخلف ظهره منجلٌ أو سكّين. لعبةً كان الزمنُ. ودَّعنا أسرَّتنا التي حطّمتها أحلامُنا. وهَبَنا المُقامِرون قمرًا تفتّتَ بين أصابعنا. وهبتنا الجرذانُ عيونها نجومًا. أوقدَ الجوعُ شموسَه وراء جباهنا. رفرفتْ كتبٌ لم نقرأها وحطّتْ على قروحنا. نزَّ من الضمادات صمتٌ كثير. لم ينبسْ أحدٌ بحرف. النقاط التي اختتمنا بها السطور قفزتْ نحو الكلمات وتبعثرتْ فوقها وحوّرتْ كلَّ المعاني.
- القصيدة من "كتاب بنغوين لقصيدة النثر" الصادر في لندن في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بتحرير جيرمي نويل-تود. نُشِرتْ القصيدة بالإنجليزية أولًا منتصف العام الماضي. يحتوي الكتاب قصيدتين أخريين كتبتا باللغة العربية، إحداهما لأمجد ناصر والأخرى لعبد اللطيف اللعبي.
اقرأ/ي أيضًا: