المغربي نور الدين الغماري بطل ألعاب القوى، وعازف غيتار موهوب، ترك كلّ شيء خلفه وانطلق نحو الفوتوغرافيا، ليؤسس تجربة مثيرة للاهتمام والإعجاب بتنوّعها وثرائها. أخرج فيلم "اتفاقية زواج" واختير كأفضل مصوّر عربيّ لثلاث مرّات. يعمل أستاذاً في "the MRC academy" لندن. "الترا صوت" التقت الغماري، وكان هذا الحوار عن الصورة والمغرب ومشاريعه المقبلة.
هل تصر على أن تكون البورتريهات ذات التأثير الدرامي التي تلتقطها خالية من أي مؤشر للمدنيّة الحديثة؟
نحن بحاجة إلى تعزيز بيئة إيجابية للناس ليكونوا قادرين على التعلم، والتعبير عن أنفسهم
أختلف معك تماماً، المصورون في العصر الحديث حققوا أكثر ما حققت المدارس القديمة في المئة سنة الماضية، فهم لديهم الكثير من المهارات المطلوبة في كل من الغرفة المظلمة، وبرامج "فوتوشوب" أو "لايترووم". قواعد التصوير لم تتغير كثيراً، وإعدادات الكاميرا بقيت هي نفسها باستثناء بعض التحسينات البسيطة، إضافة إلى قياس الضوء وتقسيمه إلى وحدات. وبالمناسبة، لم يكن كل شيء عظيماً في الأيام الخوالي، كما نجعله نحن اليوم. الوجوه لا تخذلنا ولا تخادع كما قد يطرح البعض. إذا كانت الوجوه التي نعرضها للناس العاديين، فعلينا أن نُخلص لها ونعرضها بشكلها الحقيقي قدر المستطاع، أما إذا كنا نعمل على فكرة فنية معينة، ويتطلب منا ذلك تغيير ملامح الشخص موضوع العمل، فتلك ضرورة فنية.
كيف هو المغرب الفوتوغرافي؟ ماذا عن معاناتك مع ردود الفعل السلبية للنّاس عندما تريد تصويرهم؟
المغربُ الفوتوغرافي في 2015 ليس المغربُ الفوتوغرافي في 2000، هذا هو شعوري الصادق. أصبح المغاربة يمتلكون إحساساً أكثر ثراءاً، بل صاروا أكثر حرصاً على التعلم والتجربة وتمكين الفوتوغرافيا إبداعيّاً. لا أنكر أن حظ المغاربة جيد مع وجود المعلمين المتخصصين الذين يمكنهم أن يشكلوا ذاك الكمّ الهائل من المواهب، بل ويقودوهم نحو مستقبل الفوتوغرافيا بكل ما يحمل ذلك من تحديات، لكنّ طاقة الصراع بين المصورين في المغرب، وإصرارهم على استئصال الجميل في تجاربهم، عبر خلق شائعات كاذبة، من أجل تشويه سمعة بعضهم البعض بدون وجه حقّ ولا إبداع. نحن بحاجة إلى تعزيز بيئة إيجابية للناس ليكونوا قادرين على التعلم، والتعبير عن أنفسهم.
هل تخلّيت عن الإرث الفوتوغرافيّ المغربي؟
أعمل على مجموعة متنوعة من الأساليب والموضوعات. البعض منها يتطلب استخدام الأفلام القديمة وكذلك الكاميرات القديمة. البعض الآخر قد تم إنجازه بواسطة الكاميرات الرقمية الحديثة، فضلاً عن استخدام برنامج الفوتوشوب لمرحلة ما بعد المعالجة. لا أحب الاشتغال على نفس النسق، ولا أريد أن يتذكر الناس فقط أسلوبي الأول كمصور شارع يركز بشكل أساسي على وجوه كبار السن والشباب والفقراء. أعمل بجد على تحسين مهاراتي، وإيجاد طرق أفضل للتعبير عن نفسي وترجمة ما أشعر به. أعمل على نوعية جديدة من الصور، يمتزج فيها النمط التقليدي والرقمي والخط العربي، وكذلك تأثير الرسم.
هل تغشّ الواقع؟ أم أنّ الواقع في الحقيقة ليس واقعاً بلا فوتوشوب؟
الفوتوشوب مجرد أداة تساعدنا على تصحيح وتحسين الضوء واللون والتباين في الصور لدينا
لأنني مصور فوتوغرافي ومدرس فوتوشوب، يفترض الناس دوماً أن كل ما أفعله هو خداع. الفوتوشوب مجرد أداة تساعدنا على تصحيح وتحسين الضوء واللون والتباين في الصور لدينا. إذا تم استخدامها لأغراض فنية بهدف خلق بعض العالم الخيالي الجديد، فذلك ببساطة أمر جيد، وأنا أؤيد ذلك وأشجع عليه. بالمناسبة، منذ بدء فن التصوير، وكلّ المصوّرين يحاولون دائماً استخدام تقنيات مختلفة في الغرفة مظلمة في محاولة منهم لتحسين صورهم، إما عن طريق استخدام الفلاتر، وتقنيات التهرب والحرق، وكذلك القص واللصق. البعض منهم قام باستبدال العيون، وتصحيح الجلد، وأعطى حتى سماء جديدة لمشاهد جديدة. كل ذلك جرى في غرفة مظلمة. أليس هذا خداعاً أيضا؟ لماذا يتمكّن منّا هاجس الفوتوشوب إلى هذا الحد، مع أن كل العالم يستخدمه ويتفنّن في ذلك؟
هل حقاً إن حروب اليوم صورة؟
كانت هناك دائما جبهتان للقتال، واحدة تنشط في ساحة المعركة، مع الجنود والدبابات والطائرات الحربية، والطائرات التي بدون طيار، والثانية، وهي الأكثر شراسة، يتكفّل بها الفن والمسرح والسينما والفوتوغرافيا. هوليوود مثلاً هي أكبر أداة للدعاية في العالم، حيث يحصل تشويه الحقيقة وتباع الأكاذيب للجماهير. الصور هي أداة قوية تجعلنا نفكر أو نشعر بطريقة معينة، أو حتى تدفعنا إلى شراء منتج ما وأسلوب حياة معين. في بعض البلدان، حيث الأمية أمر واقع، يمكن أن يكون هذا مدمراً. في كل صراع، تستخدم الأطراف المتحاربة الصور لتعزيز جبهتها. تماماً مثلما رأينا في الجولة الأخيرة بين حماس وإسرائيل. كانت حماس هذه المرة على استعداد جيد لكسب حرب الصورة. أثّرت تلك الصور المذهلة من الدمار، وقتل الأطفال العزل والنساء وكبار السن في جميع أنحاء العالم، فعلت وما تزال.
ماذا عن اشتغالك على الهجرة بين المغرب وأوروبا من زاوية فوتوغرافيّة؟
صارت حماس على استعداد جيد لكسب حرب الصورة مع إسرائيل
الكثير من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إيطاليا من ليبيا يموتون غرقاً، معظمهم من سوريا وأفغانستان وأفريقيا. وكانت هناك بالفعل أكثر من 500 حالة وفاة للمهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط من المغرب هذا العام أيضاً. يؤلمني أن أسمع عن هؤلاء الشباب اليائسين الذين يفضّلون الوصول، من خلال البحر وحده، إلى الحياة أو إلى الموت.
قبل بضع سنوات، اتصل بي الشاعر المغربي المقيم في لندن بن يونس ماجين بغرض التعاون بيننا، كان له إصدار شعري يتناول ثيمة "الهجرة السرية" وتبعاتها الإنسانية، وأراد أن أرفق قصائده بصور لي وهو ما كان.
بالإضافة إلى عملك في التصوير، أنت تكتب فيه، ولك عدة كتب أبرزها "الفوتوغرافية بالأبيض والأسود" 2007، و"الفوتوغرافية الرقمية" 2006، أين تكمن إضافتك إلى عالم الفوتوغرافيا حسب رأيك؟
أعمالي نشرت في المجلات والكتب وعلى مختلف المواقع، وأستقبل رسائل البريد الإلكتروني من جميع أنحاء العالم، وهناك الكثير من طلاب التصوير في الولايات المتحدة وأوروبا يستخدمون اسمي كفنانهم الرئيسي من أجل الدورات الدراسية الخاصة بهم. وقد تواصلوا معي مؤخراً مجلة دجيتال فوتو، وهي دار نشر عالميّة الشّهرة، أرادوا استكتابي لكنني اعتذرت لضيق وقتي. ورغم ذلك كله، أرى أن أكبر مساهماتي تكمن في توثيقي للوجوه والألبسة والعادات التي قد تختفي في الأعوام القادمة.
حدّثنا عن فيلمك "اتفاقية زواج"؟
للفيلم بعض المراجع السياسية حول الحرب في العراق، فضلاً عن القضايا الاجتماعية الخطيرة الناجمة عن تفكك الأسرة في المجتمع الإنجليزي. في الفيلم نرى 24 ساعة من حياة اثنين غريبين عن بعضهما جمعتهما شبكة الإنترنت. عبدو وهو نصف مغربي ونصف عراقي، وكريستين الشابة الإنجليزية. هذا الثنائي يقرر الزواج في أول يوم يلتقيان به، ويحصر خطته الرهيبة بنهاية اليوم، والانتهاء منه وفيه. أنا سعيد لاختيار الفيلم في زاوية الأفلام القصيرة في كل من مهرجانات كان وتكساس ونيويورك السينمائي ودبي السينمائي والفيلم الأندونيسي، وكذلك في عدد قليل من المهرجانات السينمائية المغربية، وقد فاز بجائزتين.
ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
سأعود للمغرب خلال سنة، وسأقوم بإنشاء وكالة للتصوير، ومجلة للصورة الرقمية. وسوف أنهي العمل على إنتاجات فوتوغرافية جديدة، وإكمال كتابة بعض الأفلام الجديدة، وتنشيط وإدارة مجموعات سفر للفوتوغرافيين الأوروبيين الهواة الذي يتمنون زيارة المغرب للتعرف على معالمه السياحية ولتعلم آليات التصوير، وكذلك سأساعد الفوتوغرافيين المغاربة الشباب في كل ربوع المغرب عبر ورشات تعليمية في التصوير والفوتوشوب.