كانت قضية الهجرة في تونس، الأبرز على مدار الأسابيع الماضية، بعد تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد التحريضية، وهي تصريحات مترافقة مع حملة من الاعتقالات السياسية وقمع الحريات انطلقت منذ انقلاب سعيّد في تموز/ يوليو 2021، ورغم ذلك فإن علاقة سعيّد مع أوروبا ما تزال مستقرة، وذلك نتيجة "قضية الهجرة"، كما جاء في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
بينما تريد الدول الأوروبية إدانة استبداد سعيد المتزايد، فإنها تريد أيضًا الحد من الهجرة من تونس
بحسب تقرير نيويورك تايمز، "لسنوات بشرت أوروبا والولايات المتحدة بتونس كنجاح وحيد بعد الربيع العربي حيث تحولت من الدكتاتورية إلى الديمقراطية. وحرصًا على أن يكون له جار موثوق في شمال أفريقيا، ضخ الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات في الحكومات الانتقالية في تونس".
ورغم ما سبق، أخرج قيس سعيّد "الديمقراطية الوليدة عن مسارها، وأسس لحكم الرجل الواحد"، أي منذ الانقلاب على البرلمان المنتخب في تموز/ يوليو 2021، فيما تتفاقم الآن الأزمة الاقتصادية في تونس.
وحول تناقض أوروبا، ما بين الديمقراطية وقضية المهاجرين، تقول الصحيفة الأمريكية: "بينما تريد الدول الأوروبية إدانة استبداد سعيد المتزايد، فإنها تريد أيضًا الحد من الهجرة من تونس، وقد تؤدي الأزمات المتصاعدة في تونس إلى إرسال المزيد من المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط ، وهي نتيجة تأمل دول الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا تجنبها".
من جانبها، قالت مديرة مكتب نيويورك تايمز في القاهرة فيفيان يي إن، الاستقرار هو المصلحة الأساسية للاتحاد الأوروبي "وهذا يعني إبعاد المهاجرين".
وتصف نيويورك تايمز، تونس باعتبارها من الدول التي تمتلك نفوذًا قويًا في أوروبا، وهي مثال على "النفوذ الدبلوماسي لدور العبور"، أي الدول التي تمثل الانطلاق الأخيرة للمهاجرين الذين يلتمسون اللجوء (هناك حالة قريبة في العلاقة بين المكسيك والولايات المتحدة).
بدورها، قالت الأستاذة في جامعة نيويورك والتي تبحث في تونس مونيكا ماركس: "كان سعيد في مسيرة ثابتة نحو توطيد الديكتاتورية، وفي شباط/ فبراير، بدأ مرحلة القمع القاسي". ونفذت السلطات التونسية حمالات اعتقال سياسي واسعة في تونس على مدار الأشهر الماضية، بالإضافة إلى حملة تحريض واسعة ضد المهاجرين، ساهمت في انطلاق موجة عنف ضدهم.
وتضيف ماركس: "تتمحور سياسة الاتحاد الأوروبي على نقطة ارتكاز واحدة، وهذه نقطة الارتكاز هي الهجرة". وتُعد تونس أقرب البلدان الأفريقية لإيطاليا ونقطة انطلاق رئيسي للعديد من المهاجرين تجاه إيطاليا، فيما يعتمد الاتحاد الأوروبي على تونس للحد من عدد الأشخاص الذين يصلون إلى أوروبا.
وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية طارق المجريسي، إن ضبط الهجرة تجاه أوروبا عملية تونسية بالكامل.
ويقوم خفر السواحل التونسي بدوريات في البحر واعترض عشرات الآلاف من المهاجرين العام الماضي، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. لكن خفر السواحل التونسي يفشل في الآونة الأخيرة، ووصل المزيد من الناس إلى إيطاليا، وحتى الشهر الحالي من هذا العام، وصل حوالي 16000 مهاجر إلى إيطاليا بعد مغادرة تونس، وفقًا للأمم المتحدة. أي ما يقارب 10 أضعاف الرقم في نفس الفترة من العام الماضي.
يتصاعد القلق الإيطالي، بعد انتخاب الحكومة اليمينية المتطرفة العام الماضي، بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، والتي اتخذت موقفًا أكثر صرامة بشأن الهجرة، وأشارت مصادر إيطالية إلى أن بلادهم قد تشهد وصول المزيد من المهاجرين إذا انهار الاقتصاد التونسي.
وبناءً على ذلك، تعمل إيطاليا على تجنب الانهيار الاقتصادي في تونس، حيث تضغط حكومة ميلوني على صندوق النقد الدولي للإفراج عن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لتونس، وهو قرض متوقف منذ شهور.
دبلوماسية الهجرة
قال خبير العلاقات الدولية في جامعة جلاسكو جيراسيموس تسوراباس: "إن دبلوماسية الهجرة ظاهرة تحدث أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة، وقد أصبحت قضيةً ملحةً بشكل متزايد بالنسبة لأوروبا، ولكن أيضًا لأجزاء أخرى من العالم"، وفق قوله.
وفي عام 2016 خلال موجات الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط ، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، تستقبل بموجبه تركيا الأشخاص المُعادين من أوروبا مقابل 6.6 مليار دولار من المساعدات، وقال تسوراباس إن دولًا أخرى رأت في هذا مخططًا للاستفادة من الهجرة من أجل المال.
وفي مثال آخر، في عام 2021 سمح المغرب للمهاجرين بدخول الأراضي الإسبانية. وبعد ساعات، وافقت إسبانيا على 37 مليون دولار كمساعدة للمغرب لحراسة الحدود. وفي وقت لاحق من العام نفسه، اتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بمحاولة تصنيع أزمة مهاجرين على حدود بيلاروسيا مع بولندا على أمل رفع العقوبات.
المختلف في حالة تونس، هي جزئية أساسية بحسب تقرير نيويورك تايمز، وهي الحصول على الشرعية، إلى جانب المال.
في الآونة الأخيرة، شهدت تونس نشاطًا دبلوماسيًا، حيث وصل وزير الخارجية الإيطالية إلى تونس من أجل مناقشة قضية الهجرة، كما تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في نظيره الإيطالي لمناقشة هذه القضية على وجه التحديد.
ويجمع الخبراء الذين تحدثت معهم نيويورك تايمز، على أنه "لا وجود لخطة كبرى وراء قرارات سعيّد"، ولكن قضية الهجرة تمثل رصيدًا استراتيجيًا لحكومة سعيّد، وتضيف الصحيفة الأمريكية: "شركاء تونس الغربيون حريصون على دعم اقتصادها بأي طريقة ممكنة، حتى لو كان ذلك يعني دعم خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي من شأنها أن تساعد رئيسًا سلطويًا بشكل متزايد على البقاء في السلطة".
في الآونة الأخيرة، شهدت تونس نشاطًا دبلوماسيًا، حيث وصل وزير الخارجية الإيطالية إلى تونس من أجل مناقشة قضية الهجرة
وتختتم الصحيفة الأمريكية، بالقول: "قد يمنح ذلك سعيد بعض النفوذ في المفاوضات، ويمكن أن يساعد ذلك على استعداد الغرب للتغاضي عن أي انتهاكات في ظل حكمه".