الترا صوت- فريق التحرير
في تطور مفاجئ على موقف رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو المتمسك بالسلطة لولاية سادسة على التوالي، نقلت وكالة بلتا الرسمية في البلاد على لسان لوكاشينكو قوله إن العمل جار على تعديلات دستورية محتملة يمكن أن تعيد توزيع السلطة في البلاد، مجددًا في الوقت عينه رفضه إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وذلك على خلفية المظاهرة الحاشدة التي شارك فيها عشرات الآلاف وسط العاصمة مينسك تطالبه بالتنحي عن السلطة التي يحتفظ بها منذ عام 1994.
أوضح لوكاشينكو أن العمل جار على تعديلات دستورية محتملة من شأنها أن تعيد توزيع السلطة في البلاد
وخرج الآلاف من البيلاروسيين إلى شوارع العاصمة مينسك على خلفية تصريحات للوكاشينكو اتهم فيها المحتجين الرافضين لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنهم "فئران، قمامة، وقطاع طرق"، وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن التقديرات الأولية للأعداد التي تظاهرت يوم أمس الأحد وصل لمئتي ألف متظاهر، في تناقض مع التقديرات الحكومية التي تقول إن الأعداد لم تتجاوز 65 ألف شخص.
وتصف الصحيفة الأمريكية في تقرير يغطي الاحتجاجات الأكبر في تاريخ بيلاروسيا الحديث، فرحة المحتجين برفعهم الأعلام المصبوغة باللونين الأحمر والأبيض، كتلك الأعلام التي كانت ترفع في مينسك للمطالبة بالانفصال عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، قبل أن يعيد لوكاشينكو النسخة السوفيتية من العلم بعد ذلك بأربع سنوات.
وعلى عكس حملات القمع العنيفة والممنهجة التي نفذتها قوات الأمن ضد التجمعات الصغيرة خلال الأسبوع الماضي، وأسفرت وفقًا لعديد التقارير عن سقوط قتيلين على الأقل، بالإضافة لاعتقال ما لا يقل على ستة آلاف شخص، فإن احتجاجات أمس الأحد صاحبتها أجواء احتفالية، بعدما سمح للبيلاروس لأول مرة السير في وسط المدينة ملفوفين بأعلام المعارضة، ويهتفون بشعارات مناهضة للحكومة بدون أن تتعرض لهم قوات الأمن.
وتدل أعداد الحشود الكبيرة التي تجمعت في وسط العاصمة على عدم توقعها من قبل قوات الأمن، واستخدام البيلاروس تكتيكًا جديدًا لمواجهة العنف المفرط الذي مورس خلال احتجاجات الأسبوع الماضي، بعدما نقلت نيويورك تايمز على لسان عديد المحتجين قولهم إن خروجهم بهذه الأعداد كان بسبب توقعهم عدم إمكانية تفريقهم بالقوة.
في حين قال قسم آخر إنهم انضموا للاحتجاجات بعد سماعهم بالتقارير التي تحدثت عن تعرض المتظاهرين للتعذيب بعد اعتقالهم، وهو ما يؤكد تقرير لشبكة BBC البريطانية تتضمن شهادات لمعتقلين أفرج عنهم لاحقًا، وهو ما وضع الاتحاد الأوروبي في دائرة فرض عقوبات جديدة على مينسيك ردًا على حملة القمع العنيفة، والتي وصفها وزير الخارجية الدنماركي ييبا كوفود، بأنها "غير مقبولة البتة، وممارسات بمثابة عار على أوروبا".
وتدفق الآلاف من البيلاروس إلى الشوارع في أنحاء بيلاروسيا منذ يوم الإثنين الماضي، للاحتجاج على إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية تصدر لوكاشينكو النتائج الأولية بحصوله على 80 بالمئة في مقابل حصول مرشحة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا على قرابة 10 بالمئة، وهو ما دفعها لإعلان رفضها الاعتراف بالنتائج، مبديةً استعدادها لمظاهرات طويلة الأمد.
وساهمت الكلمة التي ألقاها لوكاشينكو أمام أنصاره أول أمس السبت بتأجيج غضب البيلاروس، بعدما ربط وجوده في السلطة ببقاء بيلاروسيا آمنة، مشيرًا إلى أن تنحيته عن الرئاسة يعني "بداية النهاية" للبلد الذي تريد موسكو أن يكون تابعًا لسياستها المعادية للغرب، قبل أن يقدم الوعود لأنصاره في خطاب بعدم "خيانتهم" في إشارة لرفضه التنحي عن السلطة.
وتشير نيويورك تايمز إلى أنه فيما كان قسم من المحتجين يحتفل بالتقاط الصور أمام مبنى الأمن الرئيسي، الذي لا يزال يحتفظ باسم جهاز الأمن السري في حقبة الاتحاد السوفيتي باختصاره المعروف KGB، نظرًا لعدم إمكانية التقاط الصور أمامه سابقًا، فإن هذه المظاهر لا تعني شيئًا بالنسبة لمحتجين آخرين، ما دام لوكاشينكو لا يزال في السلطة.
وكانت زعيمة المعارضة تيخانوفسكايا قد دعت في وقت سابق أنصارها لتنظيم احتجاج ضخم تحت مسمى "مسيرة من أجل الحرية" في وسط العاصمة، وذلك من مكان إقامتها في ليتوانيا المجاورة التي غادرت إليها يوم الثلاثاء الماضي، بعد وقت قصير من زيارتها للجنة الانتخابات تطالب فيها بإعادة فرز الأصوات مرةً أخرى.
وتقول الصحيفة الأمريكية إن الاحتجاجات الأخيرة تدل على فشل استراتيجية لوكاشينكو المستخدمة لترهيب المحتجين سابقًا، حتى أن تصريحاته التي وصف فيها المحتجين بأنهم "خونه" ومجموعة من "الدمى" تحركها القوى الغربية، مضيفًا بأنهم "سيزحفون ليخرجوا مثل الجرذان من جحورهم" إذا لم يتم قمعهم، لم تستطع أن تمنع المحتجين من الخروج بالآلاف للشوارع.
وتضيف الصحيفة الأمريكية بأن السياسي الشيوعي الذي يُطلق عليه "آخر ديكتاتور في أوروبا"، اتجه لإثارة المزيد من المخاوف بين البيلاروس عبر زعمه بأن حلف شمال الأطلسي بدأ يحشد قواته للتدخل عسكريًا في بيلاروسيا، وهو الأمر الذي نفى الناتو حصوله لاحقًا، لتعود الصحيفة مستدركة بالقول إن لوكاشينكو هاتف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يومي السبت والأحد الماضيين على التوالي.
وكان بيان صادر عن الكرملين قد أشار إلى أن بوتين تعهد خلال مكالمة هاتفية مع لوكاشينكو بتقديم موسكو الدعم لمينسيك طبقًا لاتفاق عسكري إذا لزم الأمر، مضيفًا بأن مينسيك تتعرض لضغوط خارجية، دون أن يصف البيان طبيعة الضغوط أو الجهات التي تقف خلفها، لكنه يبدو إشارة لدول التكتل الأوروبي التي بدأت بالتحرك لاحتواء أزمة سياسية قد تغير في موازين قوى الخارطة السياسية في شرق أوروبا إذا ما تمكنت موسكو من ضم مينسك إلى حلفها.
ويعطي تقرير نيويورك تايمز صورةً واضحة عن التناقض في تصريحات لوكاشينكو المرتبطة بالعلاقات الدبلوماسية مع موسكو، بعدما كان حتى وقت سابق يتهم الكرملين بالوقوف وراء محاولة الإطاحة به، بلغت ذروتها عندما أعلنت سلطات بيلاروسيا اعتقالها 33 عنصرًا من مرتزقة شركة فاغنر الروسية للخدمات السرية، كانوا يحضرون لزعزعة الأمن والاستقرار خلال انتخابات الرئاسة التي أجريت الأسبوع الماضي، وفقًا لبيان رسمي.
وتضيف الصحيفة في إشارتها لموقف لوكاشينكو المتناقض من موسكو، أنه بعد الاحتجاجات الأخيرة بدأ لوكاشينكو ينظر إلى موسكو على أنها أفضل حليف يكفل له البقاء في السلطة، لكنه من غير المعروف إن كان بوتين يريد بالفعل بقاءه في السلطة، مشيرةً إلى أن الرئيس الروسي سئم من مواقف لوكاشينكو المتقلبة في علاقته مع الغرب.
إذ أنه على الرغم من تقديم بوتين التهاني للوكاشينكو على فوزه بانتخابات الرئاسة، التي وصفتها الدول الأوروبية وواشنطن بأنها "مزورة"، فإن بيان الكرملين بشأن المكالمتين الهاتفيتين بين الرئيسيين لم يتطرق لحصول الأخير على تأييد موسكو بقائه في السلطة، والتي رأت نيويورك تايمز أنها تنعكس في تصريحات السياسي المؤيد للكرملين قسطنطين زاتولين، والذي وصف لوكاشينكو بأنه "مختل عقليًا"، وأن عملية إعادة انتخابه رئيسًا كانت "مزورة".
يصف محللون مؤيديون للكرملين لوكاشينكو بأنه "مختل عقليًا"، وأن عملية إعادة انتخابه رئيسًا كانت "مزورة"
ويرى تقرير الصحيفة الأمريكية أن خيبة الأمل من لوكاشينكو وصلت إلى الموظفين الحكوميين البيلاروس، تمثلت بنشر سفير بيلاروسيا لدى سلوفاكيا إيغور ليشونيا مقطعًا مصورًا يعلن تضامنه مع المحتجين، معربًا عن صدمته من الصور التي أظهرت تعرض المعتقلين للتعذيب، فيما انضم عمال المصانع التي تديرها الدولة للمشاركة في الاحتجاجات، والتي كانت تعتبر من أهم المؤسسات المؤيدة للوكاشينكو سابقًا.
وتختم نيويورك تايمز تقريرها بالقول إن الاحتجاجات الضخمة التي خرجت أمس الأحد، سلطت الضوء على تراجع شعبية لوكاشينكو، حتى أنه اضطر لإحضار العديد من الأشخاص من البلدات والقرى في محيط العاصمة لحضور التجمع الذي نظمه مناصروه، وبينما أعرب قسم من الحضور عن دعمه فعليًا للرئيس البيلاروسي، فإن آخرين لا يزالون يرون فيه زعيمًا قادرًا على منع حصول أي تدخل خارجي في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا:
من بيروت إلى مينسك.. خارطة الاحتجاج العالمية تتوسع من جديد
فيروس كورونا: روسيا تبدأ عمليات إنتاج لقاح "سبوتنيك"