تسعى "الإدارة الذاتية" ـ وهي الذراع الإدارية والمدنية لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارًا بـ"قسد" ـ إلى لعب دورٍ سياسي حاسم في سوريا. ولكي تحصل على مثل هذا الدور يبدو أنها مستعدة للقيام بأي شيء، بما في ذلك استغلال ملفات إنسانية تخص اللاجئين السوريين، لا سيما منهم أولئك الموجودين في أوروبا، فهؤلاء قد يكونون البطاقة الرابحة لنيل الاعتراف الدولي بها.
وكانت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" إلهام أحمد، قد أبدت في تصريحات لموقع "إن تي في" الألماني، عن استعداد "الإدارة الذاتية" لاستقبال اللاجئين السوريين الراغبين في العودة الطوعية إلى مناطق شمال وشرق سوريا.
وزعمت إلهام أحمد أنّ الإدارة الذاتية "بنت نظامًا تعليميًا ومستشفيات، وجهازًا إداريا من الصفر تقريباً"، منوّهةً إلى أن ما أسمته بـ"جهاز الأمن الداخلي والخارجي يضم نحو 100 ألف فرد"، مضيفةً في ذات الصدد أنّ الإدارة "بنت 4500 مدرسة"، مؤكدةً أنّ هذه الإدارة "تساوي بين الجنسين وحرية الدين منصوص عليها في القانون". وطالبت المسؤولة في الإدارة الذاتية في المقابلة نفسها بـ"إنشاء بنية تحتية وتحسين الوضع الاقتصادي، والمساعدة في إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية"، كما اقترحت "البدء ببناء وحدات سكنية صغيرة، قبل تجهيز البنية التحتية اللازمة للوحدات الأكبر حجمًا"، على حدّ تعبيرها.
وبسبب الجدل الذي أثارته هذا التصريحات ـ المعبرة عن رغبة واضحة في اعتماد أوراق الإدارة الذاتية أوروبيًا ـ دفعت دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية"، ببيان "توضيحي" حول ما فُهم من تصريحات إلهام أحمد من أن الإدارة الذاتية مستعدة لاستقبال اللاجئين بما فيهم السوريين المدانين بارتكاب جرائم في ألمانيا، من دون قيود أو شروط، قائلةً إنّ ذلك "غير دقيق".
تتصرف الإدارة الذاتية منذ انخراط قوات سوريا الديمقراطية في "التحالف الدولي ضد الإرهاب" وكأن المناطق الخاضعة لها دولة أو أشبه بالدولة
لكن بيان الإدارة الذاتية لم يُبد التحفظ ذاته على استعدادها لاستقبال اللاجئين بعد ترحيلهم من أوروبا، بل اعتبر ذلك متسقًا مع "الرغبة في التعاون وتحمل المسؤولية"، حيث قالت الإدارى في بيانها إنّ تصريحات إلهام أحمد حول اللاجئين السوريين "تأتي تماشيًا مع النداءات السابقة والعلنية للإدارة الذاتية، التي أبدت فيها استعدادها للتعاون والالتزام بجميع المسؤوليات الإنسانية الملقاة على عاتقها، فيما يخص ملف اللاجئين السوريين أينما كانوا".
يشار إلى أن تركيز "الإدارة الذاتية" على ملف اللاجئين ليس بالأمر الجديد، ففي الآونة الأخيرة فتحت معابرها "لدخول العائدين من لبنان، بغض النظر عن كون العائد ينحدر من شمال شرقي سوريا أم لا"، وفي هذا الصدد تؤكد بيانات "الإدارة الذاتية"، أنها "استقبلت آلاف السوريين العائدين من لبنان".
كما تؤكد بياناتها، أنها استقبلت "مرحّلين سوريين من العراق". ويقرأ المتابعون في هذه البيانات سعيًا واضحًا من الإدارة الذاتية إلى تأكيد "دورها في المشهد السوري من خلال ملفات إنسانية". علمًا بأن ما تسمى "الإدارة الذاتية" تفرض سيطرةً على جل الشمال الشرقي من سوريا في شرقي الفرات، ومناطق في غربه منها منبج وتل رفعت، فضلًا عن وجودها داخل مدينة حلب في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وأغلب سكانهما أكراد ينحدرون من منطقة عفرين شمال غربي حلب، حسب صحيفة "العربي الجديد".
ونقلت "الغربي الجديد عن المحلل السياسي السوري الكردي إبراهيم مسلم، قوله "إن العرض الذي قدمته إلهام أحمد للحكومة الألمانية محاولة للحصول على اعتراف برلين بهذه الإدارة"، مضيفًا أن تصريحات إلهام أحمد "تحمل الكثير من التناقض، فالإدارة الذاتية دائمة الإدانة لممارسات تركيا والنظام السوري وإيران في إحداث تغيير ديمغرافي في سوريا، وهي اليوم تعرض بناء وحدات سكنية لإسكان أناس هم من خارج الشمال الشرقي من سوريا، وهذا التوجه يخدم بشكل أو بآخر التغيير الديمغرافي الذي يحدث في سوريا، ناهيك عن خطورة المرحّلين الذين من الممكن وصولهم إلى شمال شرقي سوريا، كون الجانب الألماني سيرحّل الأشخاص الذين يشكلون خطرًا على أمنه" وفقًا لتعبيره.
ولأنّ النظام السوري، يُراهن هو الآخر على قضية اللاجئين ويستخدمها ورقة ضغط ومساومة سياسية، فقد تحركت أبواقه الإعلامية بسرعة، منتقدةً إعلان "الإدارة الذاتية"، حيث وصفت صحيفة "الوطن" ،شبه الرسمية، عرض "الإدارة الذاتية" استقبال اللاجئين السوريين بأنه "خطوة استفزازية ضد الحكومة السورية"، حسب قولها.
دولة في جوف الدولة:
تُتّهم "الإدارة الذاتية" من طرف النظام ومعارضته بأنها تخدم أجندةً غير سورية، في إشارة إلى ارتباطاتها بحزب العمال الكردستاني. وقد جعلها ذلك مستبعدةً من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفق القرار الدولي 2254. لكنّ "الإدارة الذاتية"، من منطلق حرصها على أن تكون لاعبًا سياسيًا رئيسيًا في الطبخة التي يتم إنضاجها لمستقبل سوريا، لا تفوت فرصةً لتحقيق ذلك الهدف.
ومن هذا المنطلق ترى أن عرض استقبال اللاجئين والمرحلين السوريين سيمنحها الاعتراف الدولي، خاصةً أن قضية اللاجئين باتت ضاغطةً في أوروبا مع صعود اليمين الشعبوي المتطرف. فضلًا عن ذلك يرى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع صحيفة العربي الجديد، أنّ "الإدارة الذاتية منذ انخراط قوات سوريا الديمقراطية في التحالف الدولي ضد الإرهاب، تتصرف وكأن المناطق الخاضعة لها دولة أو أشبه بالدولة".