يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل لم تأت بالنتائج المرجوة منها، فرغم قوله للصحفيين أثناء عودته على متن الطائرة الرئاسية إنه راضٍ عما أنجزه في هذه الزيارة، لا سيما مسألة رفع الحظر عن المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفق ما كشفت عنه شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
لكن الزيارة أظهرت أن النفوذ الأمريكي في المنطقة معرض لانتكاسات على نطاق واسع، فقد اتخذ الرئيس الأمريكي لرحلته هدفًا رئيسيًا واحدًا هو التعبير عن تأييده المطلق لإسرائيل، وتأثره "بالمحنة التي أصابتها، والصدمة الناجمة عنها"، كما شبّه ما حدث بـ"المحرقة النازية"، متعهدًا بـ"الوقوف مع الشعب اليهودي إلى الأبد".
تشهد وزارة الخارجية الأمريكية توتر متصاعد بسبب سياسة الدعم المطلق وغير المشروط لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة
وتفاقمت الأزمة بعد تضارب في التصريحات حول قصف المستشفى الأهلي العربي في غزة، الذي أسفر عن مقتل مئات المرضى والنازحين، وأثار غضبًا في العالم العربي، فقد زعمت "إسرائيل" أن المجزرة التي وقعت هي نتيجة صاروخ أطلقته "حركة الجهاد الإسلامي" بالخطأ على المستشفى، وهو ما خالف كل الوقائع والأدلة على الأرض، ثم اعترف الجيش الإسرائيلي بقصف محيط المستشفى قبل أن يتراجع عن ذلك فيما بعد، في حين انحاز بايدن للادعاءات الإسرائيلية قائلًا إن انفجار المستشفى هو من "تنفيذ الطرف الآخر وليس إسرائيل"، زاعمًا أنه استند في ذلك إلى تحقيقات أولية للاستخبارات الأمريكية بشأن الحادث، دون أن يقدم دليلًا على كلامه.
وقبل هذا التصريح بأيام قليلة، قال الرئيس الأمريكي إنه شاهد صورًا للضحايا الذين قطعت رؤوسهم من قبل "حماس"، لكن البيت الأبيض سرعان ما اعترف بأن بايدن لم ير أيًا من هذه الصور، واعتمد على معلومات من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي المعلومات التي فشلت "إسرائيل" في تقديم أدلة عليها.
وكانت هذه التصريحات "تذكيرًا آخر بتصريحات بايدن المُحرجة التي يقول خصومه في الحزب الجمهوري إنها تؤكد صعوبة اضطلاعه بمهام منصبه في ولاية رئاسية أخرى، لا سيما أنه قد تجاوز الثمانين من عمره".
وقد طغى حادث قصف المستشفى على رحلة بايدن، وحال في الوقت نفسه دون أن تبلغ رحلته أهدافها، فجاءت زيارته متأخرة للغاية، كما تم إلغاء محطة مهمة في الرحلة، وهي ذهابه إلى عمّان، إذ كان من المقرر أن يلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث كانت ستشهد العاصمة الأردنية عقد قمة رباعية لمناقشة التطورات في الأراضي المحتلة والعدوان على غزة.
وكان لاجتماع عمّان أهمية كبيرة لدعم مساعي بايدن في تحقيق توازن بين انحيازه المطلق لإسرائيل من جهة، وإشراك القادة العرب في احتواء الصراع، من جهة أخرى.
وبحسب شبكة "سي إن إن"، كان رفض القادة الثلاثة الذين يُعتبرون من أبرز حلفاء الولايات المتحدة، لقاء بايدن إشارة إلى فشل الزيارة، وإلى أن نفوذ واشنطن الإستراتيجي بالمنطقة في وضع خطير مع تزايد المخاوف من انتشار متصاعد للاضطرابات في أنحاء العالم العربي.
وفي سياق متصل، كشف موقع "هافينغتون بوست"، عن توتر متصاعد داخل وزارة الخارجية الأمريكية، بسبب سياسة الدعم المطلق وغير المشروط التي ينتهجها الرئيس جو بايدن لصالح "إسرائيل" في عدوانها على قطاع غزة.
وقال مسؤولون للموقع إن موظفي وزارة الخارجية يشعرون بأن بلينكن وفريقه غير مهتمين بنصائح خبرائهم، بينما يركزون على الدعم الكامل للعدوان الإسرائيلي على غزة.
وكشف مسؤولون دبلوماسيون أن موظفين بوزارة الخارجية يعدون "برقية"، وهي وثيقة تنتقد السياسة الأمريكية، تذهب إلى مسؤولين في الوزارة من خلال قناة داخلية محمية.
ويُنظر إلى مثل هذه البرقيات داخل وزارة الخارجية على أنها بيانات مترتبة عن خلاف خطير في لحظات تاريخية مهمة، وتم إنشاء هذه القناة حين كان هناك صراع داخلي عميق خلال حرب فيتنام، واستخدمها الدبلوماسيون منذ ذلك الحين للتحذير من أن الولايات المتحدة تتخذ خيارات خطيرة في الخارج.
وغالبًا ما تجع هذه البرقيات عشرات أو مئات التوقيعات، وينظر إلى هذه قناة كطريقة احتجاج حيوية لرفع وجهات النظر المعارضة دون خوف من المحاسبة.
ووفقًا لأحد المسؤولين، يضع بعض موظفي وزارة الخارجية اللوم على نائب رئيس موظفي بلينكن للسياسة، توم سوليفان، الذي "ألغى باستمرار" فكرة المزيد من التواصل من الوزير مع موظفي وزارة الخارجية.
واتصل موقع "هافينغتون بوست" بالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، الذي قال "واحدة من نقاط القوة في هذا القسم هي أن لدينا أشخاصًا ذوي آراء مختلفة"، وأضاف: "نحن نشجعهم على جعل آرائهم معروفة، بالطبع الرئيس هو الذي يحدد السياسة، لكننا نشجع الجميع، حتى عندما يختلفون مع سياستنا"، ومضى ميلر قائلًا: "تحدث الوزير بلينكن في هذا الموضوع في عدد من المناسبات، عندما قال إنه يرحب بالأشخاص الذين يمارسون قناة المعارضة"، وتابع ميلر "يجد أنه من المفيد الحصول على أصوات متضاربة قد تختلف عن رأيه. إنه يأخذ الأمر على محمل الجد، ويجعله يفكر بشكل خاص في العمل على صنع السياسات".
أظهرت زيارة بايدن إلى "إسرائيل" أن النفوذ الأمريكي في المنطقة معرض لانتكاسات على نطاق واسع
وأشار ميلر إن بايدن وبلينكن تحدثا علنًا عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وعن توقعهما بأنها "ستلتزم بالقانون الدولي".
يذكر أن مدير الشؤون العامة والكونغرس في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية جوش بول، قدم استقالته الأربعاء بسبب الخلاف بشأن المساعدات المستمرة المميتة لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة.
وقال عدد من موظفي وزارة الخارجية إنهم سمعوا زملاء يتحدثون عن الاستقالة كما فعل جوش بول، ووصف أحد مسؤولي الولايات المتحدة قرار بول بأنه "صدمة وخسارة كبيرة للوزارة".