يشهد التوتر بين إسرائيل وإيران ذروته في الأيام الأخيرة. ومع تعطل مسار المفاوضات النووية ولو مؤقتًا، تحاول إسرائيل حشد دعم دولي لمعركتها ضد إيران، وزيادة حدة الاستقطاب، من خلال رفع مستوى التوتر العسكري ودفعه إلى حده الأقصى. في ظل كل هذا تظهر في إسرائيل نبرةً متزايدة الحدة ضد إيران، وتحضر إيران بشكلٍ يومي في المشهد السياسي الإسرائيلي، من سلسلة عمليات الاغتيال وصولًا إلى إيقاف مطار دمشق عن العمل، والذي حصل على تغطية إعلامية واسعة دون تبني أو نفي إسرائيلي رسمي، ودون رد فعل إيراني ملموس. إلى جانب ذلك شهد الشهر الماضي مناورة "عربات النار" التي أشير فيها إلى محاكاة هجوم على إيران، عطفًا على تصريحات شبه يومية صادرة عن المستوى السياسي الإسرائيلي، سواء من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تفككت حكومته، نفتالي بينيت، أو وزير الخارجية الذي سيكون رئيس الحكومة الجديد يائير لابيد. لكن واحدة من أبرز التصريحات التي صدرت في هذا السياق كان تصريح بينيت، الذي كان مختلفًا عن التعامل الإسرائيلي السائد مع إيران عمومًا ومع النشاط الإسرائيلي الخارجي.
التقليل من حدة سياسة الغموض الاستراتيجية المتبعة، هو ما يبدو أنه ميز التعامل الإسرائيلي مع الملف الإيراني في الفترة الماضية
تصريح بينيت الأبرز جاء أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوم 8 يونيو/ حزيران، وأشار فيه إلى أن "العام الماضي شهد نقطة تحول استراتيجية حيال إيران، حيث قامت إسرائيل بتغيير مسارها وأصبحت تنشط في مواجهة رأس الأخطبوط الإيراني لا ضد أذرعه فحسب، كما كانت تفعل خلال الأعوام العشر الماضية"، متحدثًا عن أن "أيام الحصانة التي كانت خلالها إيران تهاجم إسرائيل من خلال أتباعها وتبقى هي سليمةً من دون أي ضرر قد ولّت إلى غير رجعة".
وفي تلميح بدا بينيت فيه وكأنه يتبنى عمليات الاغتيال التي جرت في إيران، قال "نعمل كل الوقت وفي كل مكان وسنواصل ذلك، في الأعوام الأخيرة تجاوزت إيران سلسلة من الخطوط الحمر. ففي نيسان/أبريل تجاوزت خط الـ60% في تخصيب اليورانيوم من دون أي رد مضاد، وإسرائيل لا يمكنها تقبّل هذا الوضع ولن تتقبله، وسنحتفظ لأنفسنا بحرية العمل ضد البرنامج النووي الإيراني مع اتفاق ومن دون اتفاق، ولن يكبل أيدينا أي شيء".
تصريح بينيت السابق، الذي تبنى فيه عمليات الاغتيال والهجمات المستمرة في سوريا، بالإضافة إلى إعلانه عن استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران، دفع المؤسسة الأمنية لانتقاده من خلال تصريحات نقلتها صحيفة يديعوت أحرنوت عن مسؤولين أمنيين، حيث قال أحدهم "إن تصريحات بينت تنطوي على محاولة لا داعي لها لاستفزاز الإيرانيين، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من دوافعهم لتدفيع إسرائيل الثمن". فيما أشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين أمنيين اعتبروا أن المطلوب في هذه الفترة هو التزام الصمت، خاصةً أن بينيت كسر حالة الضبابية التي تنتهجها إسرائيل في التعامل مع الاغتيالات في إيران تحديدًا.
وما يدلل على اهتمام بينيت بالملف الإيراني، هو حمله مسؤولية الملف رغم حل الحكومة والذي يعني تولي يائير لابيد رئاسة الوزراء، حيث احتفظ بملف إيران، الذي كان مهتمًا به منذ يومه الأول في الحكومة، وضغط كثيرًا على واشنطن من أجل عدم إزالة الحرس الثوري من لائحة العقوبات الأمريكية، وأرسل مستشارته السياسية السابقة مئريت شمير قبل استقالتها بعدة أيام من أجل الضغط في أمريكا لإبقاء الحرس الثوري على قائمة العقوبات، والذي كان ملفه واحدًا من أسباب تعطيل المفاوضات النووية.
"رأس الأخطبوط"
ولفهم ما يقوله نفتالي بينيت يمكن العودة إلى خطابه أمام معهد الأمن القومي الإسرائيلي INSS في عام 2018، عندما كان وزيرًا للتعليم، حيث قدم في حينه طرحه حول الطريقة الأمثل للتعامل مع إيران، ساردًا حكايةً دراميةً حولها. افتتح بينيت الكلمة بقصة فلاح تعرض للدغة بعوضة خلال عمله في الحقل، وقام بمسح اللدغة وعاد للعمل.في اليوم التالي جاء المزيد من البعوض، مما دفعه للحصول على مضرب لضرب البعوض، وكان في أحيان ينجح وأخرى يتعرض للدغ، مما دفعه إلى إقامة شبكة كاملة تغطي مكان تواجده في المزرعة، ولم تنجح أيضًا، ووجد البعوض طريقه. قاده ذلك للتعاقد مع شركة تكنولوجيا طورت جهازًا لاعتراض البعوض، لكن البعوض استمر بالقدوم.
استكمل بينيت سرد القصة، قائلًا: "بينما كان المزارع جالسًا مع والده، يحدثه عن المشكلة، رد عليه بأن يقوم بتجفيف المستنقع القريب"، أي أنه يتوجب على إسرائيل أن تتوقف عن ملاحقة حزب الله وحماس لوحدهم وتوجيه الضربات نحو إيران. وهو ما عاد وعبر عنه عندما وصف إيران باعتبارها رأس الأخطبوط وهو ما يتوجب على تل أبيب ملاحقته، وليس ملاحقة أيدي الأخطبوط.
استراتيجية جديدة؟
يشكك الصحفي في صحيفة معاريف طال ليف رام في وجود استراتيجية إسرائيلية تجاه إيران، معتبرًا أن عمل المؤسسة الأمنية في الأحداث الأخيرة هو جزء من عملية مستمرة منذ سنوات، مشيرًا إلى أن تصريحات بينيت تصب في ما أسماه الرأسمال السياسي وتهدف إلى رفع مستوى الإنجاز، وهو تصرف فعله رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والذي سبق وأن جعل سياسة الغموض الإسرائيلي تجاه العمل ضد إيران أكثر وضوحًا خلال جولات الانتخابات المتتالية. وأوضح رام أن سياسة الغموض الإسرائيلية لا تنبع من تصورات سرية لدى إسرائيل، فعندما تحصل غارة في دمشق فإن من خلفها واضح ولا أحد يعتقد أن الجيش البلجيكي هو من نفذ القصف بحسبه، غير أن سياسة الغموض تهدف إلى عدم استفزاز إيران ورفع مستوى التوتر.
التقليل من حدة سياسة الغموض الاستراتيجية المتبعة، هو ما يبدو أنه ميز التعامل الإسرائيلي مع الملف الإيراني في الفترة الماضية. في هذا السياق، يقول المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل إنه يتعين أن "نسأل مرة أخرى ما إذا كانت المعركة بين الحروب، لم تفقد الصلة بأهدافها الأصلية، فعندما تمت صياغة مبادئ المعركة بين الحروب منذ حوالي عقد من الزمن، تم تحديد أن النشاطات التي سيتم القيام بها ستكون لغرض مهم، وأن المخاطر الناتجة عنها ستُقلل من خلال الصمت (سياسة الغموض) والمسافة الزمنية بين الهجمات".
من جهته، يشير المحلل في صحيفة هآرتس يوسي ميلمان إلى أن سلسلة العمليات الأخيرة في إيران، هي نتاج استراتيجية فوضى إسرائيلية، تهدف إلى تحقيق اضطرابات في إيران، مشيرًا إلى أنها ظهرت مع رئيس الموساد ديفيد برينع الذي تسلم منصبه قبل عام، وحظيت بتأييد رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الوزراء نفتالي بينيت. وما يدلل عليها هو الهجوم على منصة الطائرات المسيرة في كرمنشاه في شهر شباط/ فبراير وصولًا إلى سلسلة الاغتيالات.
الجديد في الاستراتيجية بحسب ميلمان، هو تعبير بينت "الموت من ألف جرح" من خلال استهداف مشاريع إيران المرتبطة بالصواريخ والمسيرات وغيرها دون الاقتصار على المشروع النووي. لكنه يشكك في قدرة هذه الاستراتيجية على قتل النظام والوصول إلى عملية تغيير بطيء للنظام.
يتوافق هذا الرأي مع افتتاحية هآرتس في يوم 6 حزيران/ يونيو، التي اعتبرت أن "الاغتيالات الجراحية" لن توقف المشروع النووي الإيراني ولن تردع إيران، معتبرةً أن الترويج لذلك كذب على الإسرائيليين. مشيرةً إلى أن محاولة إسرائيل إظهار قوة استخبارية من خلال هكذا عمليات مثير للاستغراب، خاصةً أن القوة الاستخبارية لا تكفي لتحقيق هدف تكتيكي أو استراتيجي. معتبرةً أن هذه الاغتيالات مؤذية ولن تساهم في تغيير النظام أو ترك أثر في المفاوضات النووية، وأن الحكومة تريد منها صرف النظر عن الانتقادات الموجهة لها.
ويوافق جنرال الاحتياط والباحث عاموس جلعاد وكذاالباحث ميخائيل ميلشتاين على أن الاستراتيجية الإسرائيلية ضد إيران لم تحقق نتائج حاسمة ضد إيران، بل إن سيطرة إيران في سوريا تتعزز، ويخلصان إلى استنتاج صعوبة التأثير في التمركز الإيراني في سوريا عسكريًا، بقولهم: "على إسرائيل الاعتراف أن لـ"المعركة بين الحروب" التي تديرها بنجاح في الجبهة الشمالية منذ أكثر من عشرة أعوام، سقفًاًازجاجيًا سميكًا جدًا. وهذه الجهود التي يُفضَّل إدارتها بضبابية، تضر بتعاظم قوة طهران وحلفائها، ولاسيما حزب الله، لكنها غير قادرة على زعزعة الحلف الاستراتيجي القديم بين طهران ودمشق. ولتحقيق هذا الأمر، ولو بشكلٍ جزئي، يجب الدمج بين العمل العسكري والسياسي- وخصوصًا الدولي الجاد من طرف روسيا والولايات المتحدة، لكن هذين اللاعبين الأساسيين يعيشان اليوم مواجهة فيما بينهما وينحصر تركيزهما على ما يجري في أوكرانيا. وفي المدى المنظور، يبدو أن الهدف الذي وضعته إسرائيل لذاتها في كل ما يخص العلاقات بين إيران وروسيا غير قابل للتطبيق، والأكيد ليس بأدوات عسكرية.
ويعتقد الباحثان أن التوترات القائمة يمكن أن تتسبب في اندلاع مواجهة إسرائيلية إيرانية خاصةً أن حدة الهجمات الإسرائيلية مرتفعة، "ومن شأن هذه الديناميكية في حال استمرت أن تتطور في المنظور القريب إلى مواجهة متصاعدة بين إسرائيل وطهران يمكن أن تتجلى في خطوات إيرانية حادة تتمثل في استهداف إسرائيليين بمناصب رفيعة، أو في جهود لإطلاق مسيرات، أو قذائف تجاه إسرائيل".
أما المحلل العسكري رونين بيرغمان المقرب من الأوساط الأمنية، فقد أشار إلى انفجار بواسطة طائرات مسيرة في داخل منشأة عسكرية في مدينة بارشين القريبة من طهران، مشيرًا إلى أن التطور الأخير بدأ منذ شهر شباط/ فبراير بعد اعتراض الجيش الأمريكي مسيرات إيرانية متجهة إلى إسرائيل، مما فتح سلسلة هجمات إسرائيلية على قاعدة كرمنشاه وسلسلة هجمات الاغتيالات, كما اعتبر أن ما سبق يعكس تغيرًا في الاستراتيجية الإسرائيلية، على الأقل بصورةٍ جزئية، كما يظهر عقيدةً قتاليةً إسرائيليةً أكثر شراسةً حيال إيران.
وأضاف برغمان "منذ أعوام، تقود إسرائيل المعركة بين الحروب التي تهدف إلى تقويض محاولات إيران بناء جبهة ثانية ضد إسرائيل في سوريا، وضرب برنامج حزب الله المتعلق بالصواريخ الدقيقة. وبحسب رأي كثيرين في المؤسسة الأمنية، من أجل حماية هذا الجهد، يجب المحافظة على الكثير من الحذر، بحيث لا تؤدي هذه العمليات إلى التدهور نحو حرب شاملة". وهو ما يعبر عنه في المؤسسة الأمنية بتعبير "لا نريد أن نضع إصبعًا في العين". وتدليلًا على ذلك، يشير برغمان إلى تجنب إسرائيل قتل عناصر من حزب الله، حتى لا يحصل تدهور نحو حرب. مؤكدًا أن هناك تحول عن الاستراتيجية المشار إليها وهي المعركة بين الحرب أو "مبام" كما تختصر بالعبرية.
ولا يظهر أن هناك تعاملًا جديًا مع طرح بينيت حول الاستراتيجية الجديدة، والنقاشات في معظمها تدور حول الاستراتيجية القائمة. فيما يظهر أن الغالب على التعامل معها هو التشكيك في جدواها حاليًا وبعد عشر سنوات من استخدامها، كما يظهر لدى المحلل العسكري عاموس هرئيل بإشارته: "لكن المعركة بين الحروب مستمرة منذ عقد ومن المحتمل ألّا تكون نتائجها عالية كما كانت في الماضي. ويتعين، على المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية، أن يُعاد دراسة ما إذا كان استمرار الهجمات هو نتيجة قصور ذاتي، وما إذا كان المطلوب إعادة نظر بهذه السياسة والتعقيدات المحتملة التي تنطوي عليها".
وكان الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين قال خلال مقابلة مع القناة الـ12، أوصي بشدة العودة إلى سياسة الغموض البناء الذي يقلل من دوافع الإيرانيين من الانتقام، مشيرًا إلى أن "هناك توازن دقيق للغاية بين الحاجة إلى القيام بعمليات، وإمكانات التصعيد. في مثل هذه الحالة من الأفضل أن نكون مثل الإيرانيين، فالهدف ليس نشرة الأخبار المسائية، بل هدفنا الاستراتيجي الذي يجب ألّا تحيد عنه أبصارنا. وهو قبل كل شيء، وقف البرنامج النووي الإيراني، ثم منع التمركز الإيراني في سوريا. من المهم أن نرى إذا ما كانت الإنجازات التي نحققها في العمليات توازي المخاطر التي نتعرض لها والتي يمكن أن تؤدي إلى التصعيد".
وتدرك إسرائيل الفرق بين المشروع النووي الإيراني المشروع السوري والعراقي سابقًا، والذي كان من الممكن إنهاء العمل عليه من خلال ضربات عسكرية تستهدف العاملين فيه ومنشآته مباشرةً. باعتبار أن مشروع إيران النووي وصل إلى مراحل متقدمة، وأن التقنية لا يمتلكها عالم واحد فقط أو يتركز في مكان واحد، والواقع أن إيران امتلكت التقنية وأن الضربات الجوية أو الاغتيالات يمكن أن تساهم في تأخير المشروع النووي دون إحباطه، وهذا ما سبق وعبر عنه وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس.
ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن مصادر أمنية واستخباراتية إسرائيلية، أن عدم وجود اتفاق نووي مع إيران أسوأ بكثير من وجود اتفاق سيئ، معتبرين أن عدم وجود الاتفاق يمكن أن يجعل الخطر النووي الإيراني وشيكًا، خاصةً أن عدم التوصل إلى اتفاق قد يرفع من كمية اليورانيوم المخصب، معتبرين أن أي تأجيل للمشروع النووي الإيراني يجب استغلاله حتى لو كان مؤقتًا.
ويبدو أن هذا الموقف يعبر عن النخب الإسرائيلية التقليدية الأكثر ميلًا للهدوء والتسوية في ما يخص الملف النووي الإيراني. ففي مقال أجرتها صحيفة يسرائيل هيوم مع الرئيس السابق للمخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي والمدير العام لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تامير هايمان، قال إن التوصل إلى اتفاق نووي هو الشيء الصحيح في هذه الفترة، وسيكسب إسرائيل الوقت من أجل تحسين قدراتها العسكرية وبناء التحالفات الدولية، معتبرًا أن اتخاذ خطوة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية يجب أن يكون الخطوة الأخيرة وليس الأولى.
ومن المهم الإشارة إلى أن تجربة بينيت مع التواجد الإيراني في سوريا لم تكن الأولى، فعندما تولى منصب وزير الأمن الإسرائيلي لفترة 6 أشهر سابقًا، تعهد بإخراج إيران من سوريا خلال عام، ولم ينجح بالطبع في هذه الخطة.
إسرائيل تبني التحالفات ضد إيران
واحدة من أدوات ونتائج التحرك الإسرائيلي ضد إيران، كانت المساهمة في دفع علاقات التطبيع للتطور بشكلٍ أكبر، والاتجاه نحو تحالف إقليمي في المنطقة تقوده الإمارات مع تل أبيب. يظهر ذلك، من خلال تقديم أعضاء في مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين ومن الحزبين الديمقراطي والجمهوري مشروع قانون، يهدف إلى إقامة محور بين إسرائيل والدول التي وقعت على اتفاقيات التطبيع، من خلال تطوير آليات دفاعية عسكرية ضد إيران. فيما يبدو أن الوضع على الأرض متقدم بشكل كبير، فقد نشرت إسرائيل منظومة رادارات في البحرين، عقب زيارة سريعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي للإمارات، جاءت في ظل التوتر الكبير الحالي، رغم عدم الإشارة إلى إيران في البيانات الصادرة عن الزيارة.
وهذه الإشارات المرتبطة في تعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة بدأت عقب الهجوم على منشأة كرمنشاه للطائرات المسيّرة غرب إيران، ومنذ ذلك الحين عقدت القيادة المركزية للجيش الأمريكي في المنطقة نقاشات جمعت إسرائيل والإمارات والبحرين، من أجل إقامة تحالف لمواجهة ما وصف بخطر الطائرات المسيّرة، مع الحديث عن أن هذا الخطر يشمل السعودية أيضًا، مما يعني تواجدها ضمنًا ضمن هذه الاجتماعات، بالإضافة إلى إقليم كردستان العراق. كما كانت هذه القضية، ضمن ملفات قمة النقب التي عقدت في نهاية شهر آذار/ مارس من العام الحالي.
ورغم حل الحكومة الإسرائيلية، إلّا أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بقيت في موعدها، وهي التي يعول عليها سياسيًا، إلّا أن وزير الأمن بيني غانتس يعول عليها عسكريًا، بقوله إن إسرائيل تبني تحالفًا دفاعيًا جويًا إقليميًا برعاية الولايات المتحدة، وتمكنت من إحباط عدة هجمات إيرانية، فيما يتوقع أن تعززه زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل. وبيّن غانتس أن التعاون في ما أسماه "تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط" جارٍ وفعال وتمكن من تحقيق اعتراضات ناجحة، ويهدف إلى التصدي للصواريخ والطائرة المُسيّرة. وأشار غانتس إلى أن المشروع يقوده مع وزارة الدفاع الأمريكية، دون أن يسمي الأعضاء في التحالف.
ومع الكم الهائل من التحذيرات الإسرائيلية من السفر إلى تركيا، نتيجة الخوف من حدوث عمليات انتقامية إيرانية، أشار الصحفي تسفي برئيل، إلى أن المحاولة الإيرانية لاستهداف إسرائيليين في تركيا تؤسس جبهة مشتركة بين إسرائيل وتركيا، بعدما عادت العلاقات الدبلوماسية للتحسن بين أنقرة وتل أبيب مؤخرًا، رغم أن الكثير من ما ينشر إسرائيليًا حول محاولات الاستهداف الإيرانية لإسرائيليين في تركيا مبالغ فيه، إلّا أنه يكشف عن تعاون أمني كبير بين تركيا وإسرائيل.
يأتي ما سبق مع الكشف عن تنسيق يجري بين إسرائيل وأمريكا عبر القيادة المركزية للمنطقة، يتم خلاله الإبلاغ عن بعض الغارات ومراجعتها أمريكيًا. ومع ذلك لا يظهر الصحفي الإسرائيلي تسفي برئيل تفاؤلًا في إمكانية تحالف عسكري في الشرق الأوسط، خاصةً مع المصالح المتضاربة للدول التي يمكن أن تشكل ما أسماه "حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط"، متوقعًا أن تحمل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتفاقيات اقتصادية بالأساس.
تدفيع النظام السوري "الثمن"
فيما يخص سوريا، يمكن القول إن جزءًا كبيرًا من الضربات الإسرائيلية عليها هو نشاط روتيني تنفذه ضد النظام السوري وحزب الله منذ سنوات، فعملية ضرب قوافل ومخازن الأسلحة هي عملية إسرائيلية واسعة وتنفذ من سنوات، ولا يمكن أن نقول إن هناك شيء استجد فيها سوى أن كثافة العمليات ارتفعت، وأصبحت توقع عددًا من القتلى المرتبطين بالقوات الإيرانية أو النظام السوري مع استمرار تجنب مقاتلي حزب الله.
غير أن الغارات أصبحت أكثر جرأةً ومؤثرةً بشكلٍ واضح، خاصةً مع استهداف مطار دمشق، الذي مر في عملية طويلة من التهديد بدأت بغارات منذ تشرين أول/ أكتوبر 2021، استهدفت النقل الجوي للأسلحة الإيرانية، مع التهديد بضرب المرافئ أيضًا، وذلك يعود لتوسع إيراني واضح خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، بعد بداية الحرب الروسية على أوكرانيا التي فرضت إعادة تمركز على القوات الروسية الداعمة لنظام الأسد. وتأتي الضربات في سياق قناعة إسرائيلية أن التراجع الروسي في سوريا يعني تمددًا إيرانيًا، لا تريده إسرائيل، ويصعب التعامل مع الواقع في سوريا، خاصةً أن التنسيق مع روسيا كان مفيدًا طوال السنوات الماضية، كما أن إيران سوف تعمل بحرية أكبر على الأرض ويصبح من الصعب تتبع كل النشاطات الخاصة بها، ولن تعود الضربات الموضعية مفيدةً في الحد من نقل الأسلحة. خاصةً مع الدعاء الإسرائيلي بأن إيران تنقل معدات تساهم في تطوير دقة صواريخ حزب الله، كما أنها تحاول أن تحقق منجزات سريعة في ظل انشغال روسي في أوكرانيا.
ويمكن التدليل على زيادة حدة الغارات الإسرائيلية في سوريا، من خلال معرفة أنه تم تنفيذ 15 غارةً جوية وبصواريخ أرض- أرض، بالإضافة إلى توغل بري محدود، وإلقاء إشعارات على المناطق الحدودية مع المناطق المحتلة، تحذر جنود النظام السوري من التعامل مع العناصر الإيرانية وحزب الله، فيما يعتقد في إسرائيل أن الهجمات استهدفت 70% من عمليات نقل الأسلحة مؤخرًا. ويشير صحفي الشؤون العسكرية في القناة الـ12 الإسرائيلية نير ديفوري أن الغارات جرت بالتنسيق مع روسيا، رغم إدانة روسيا للقصف. في الوقت نفسه، وجه رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي تهديدًا للبنان، باعتبار أن الحرب القادمة ستكون شديدةً بشكلٍ كبير، وفي الوقت ذاته أن الحرب لن تكون هينة على إسرائيل التي ستستقبل أكثر من 300 صاروخ بكثير وقد تستمر الحرب طويلًا، كما قال كوخافي.
ويعتقد المحلل العسكري في صحيفة يسرائيل هيوم يؤاف ليمور، أن المعركة بين الحروب واستهداف الوجود الإيراني في سوريا، لم يحقق المطلوب طوال السنوات الماضية، والتغير الذي يحصل من خلال ضرب منشآت مرتبطة بالبنية التحتية للنظام السوري، هو عملية إسرائيلية تهدف إلى تحويل الضغط على الوجود الإيراني في سوريا، من إيران إلى النظام السوري، الذي سيحاول أن يحافظ على ما تبقى من بنيته التحتية، خاصةً أن النظام سوف يدفع ثمن النشاط الإيراني في سوريا، بحسب ليمور، الذي يعتقد أن عدم العودة للاتفاق النووي واستمرار العقوبات على إيران في صالح إسرائيل، حيث تبقى إيران معزولةً عن العالم وتبقى لإسرائيل حرية العمل في سوريا ضد إيران. مع تأكيده على أن العمل العسكري ضد إيران سيبقى مقتصرًا على إسرائيل وأن أمريكا غير مهتمة به.
ما تقوم به إسرائيل يأتي بسبب أن نظرتها للنشاط الإيراني لا يقتصر فقط على المشروع النووي، بل نتيجة النشاط العسكري الإيراني في المنطقة. ومن هذه الجزئية تنطلق للتعامل مع إيران، وعلى هذا الأساس يبنى النشاط العسكري. هذا على الرغم من أن كثافة هذه التحركات مرتبطة بالاتفاق النووي الذي تعثر في مرحلته الأخيرة. وتحاول تل أبيب خلال هذه الفترة، تصدير إيران باعتبارها مشكلةً عالميةً. فمثلًا نشرت صحف إسرائيلية أن إيران تعمل على تهريب أطقم الصواريخ لحزب الله من خلال تمريرها عبر مطارات أوروبية، من أجل إثارة المخاوف من إيران على المستوى العسكري دون حصره في الملف النووي.
تصريحات بينيت تصب في ما أسماه الرأسمال السياسي وتهدف إلى رفع مستوى الإنجاز، وهو تصرف فعله رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو
أما الأكيد في كل ما يحدث أن النشاط العسكري الإسرائيلي ضد إيران، شهد ارتفاعًا كبيرًا خلال الشهر الماضي، تخللته مبالغات إعلامية، من خلال إثارة الشكوك حول كل حدث يحصل في إيران ومحاولة ربطه بإسرائيل. رغم ذلك لا يشي ذلك كله بالضرورة باتباع استراتيجية جديدة ضد إيران، فالمعركة بين الحروب هي أسلوب يقوم على ضربات موضعية ويستهدف جزئيات محددة، ويدور حول التقليل من التنامي الإيراني في المنطقة، ونمط الاستهدافات الأخيرة لا يتجاوز هذا السقف. وفي حال نظرنا بشكلٍ أوسع للحملة الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات، فهي لم تحقق نجاحًا حقيقيًا ولم تساهم في الحد من التمدد الإيراني، خاصةً في سوريا، التي شهدت نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا توسعًا واضحًا، بينما يقتصر الجديد على اتباع سياسة إعلامية أكثر وضوحًا نسبيًا رغم التحفظات الأمنية، وهي حالة تكررت على فترات متباعدة.