السؤال الرئيسي عقب فوز دونالد ترامب في المجمع الانتخابي (رغم عدم حصوله على أغلبية التصويت الشعبي) هو التالي: هل يفعل ما قال إنه سوف يفعله خلال الحملة؟ أم سيفعل ما هو ذكي؟ تعني ذكي هنا ما قد يكون جيدًا لبلاده وأيضًا لشعبيته وإرثه التاريخي. بالنظر إلى تضخم الأنا لديه، من المحتمل أن ترامب لا يرغب أن يذهب إلى قبره عالمًا أنه انتزع لقب "أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة".
في مقالٍ له بمجلة فورين بوليسي، يستكشف ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، مسارًا قد تنجح معه إدارة ترامب للسياسة الخارجية الأمريكية في تحقيق مصالح بلاده وإرضاء ناخبيه.
السؤال الرئيسي عقب فوز دونالد ترامب في المجمع الانتخابي: هل يفعل ما قال إنه سوف يفعله خلال الحملة؟ أم سيفعل ما هو ذكي؟
يرى والت أن نهج ترامب تجاه السياسة الخارجية يقدم وعدًا ببعض التحسن لما سوف يرثه (وهو ما يعتبره معيًارًا منخفضًا). ويردف والت أن بعض الأشياء التي قالها ترامب خلال الحملة كانت منطقية، مثل الملاحظة البديهية أن حلفاء الولايات المتحدة يستغلونها، وإدراكه لحماقة ممارسات "بناء الدول"، واعتقاده بأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تضع مصلحتها القومية قبل أي اعتبار.
اقرأ/ي أيضًا: هل يتكرر سيناريو ترامب في النمسا؟
لو كان ترامب قد تمسك بتلك الأفكار الثلاث فلم يكن ليصبح مصدر قلق كقائدٍ أعلى للقوات المسلحة، لكنه خلط تلك الأفكار المنطقية بالكثير من الهراء الاستقطابي والجاهل والخطير. عند إضافة ذلك إلى العيوب العميقة في شخصيته والتزامٍ يبدو باهتًا بالدستور، فإن الكثيرين ممن يفضلون سياسة خارجية أقل تدخلية قد أداروا ظهورهم له.
لكن إذا تم سؤالي، يتابع والت، ما هي النصيحة التي قد أقدمها له الآن فسوف أبدأ بمبدأ بسيط للسياسة الخارجية ليقود قراراته وسياساته في الأسابيع والأعوام المقبلة، شيء أكثر تعقيدًا قليلًا من "بناء حائط" أو "تمزيق اتفاقية نافتا". يرى والت أن التحدي الذي يواجه ترامب، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والكثير غيرها، هو اكتشاف كيف يمكنه أن يصل مخلصًا لشخصيته خلال الحملة الانتخابية مع فعل ما هو في صالح البلاد ككل.
إنها ليست مهمة سهلة. أولًا، هناك العقبات السياسية. أراد أكثر من نصف الناخبين شخصًا آخر في منصب الرئيس، وصوت أمريكيون أكثر لصالح هيلاري كلينتون من الذين صوتوا لصالحه. وبالتالي من البديهي أن الديمقراطيين سوف يعارضون الكثير مما يحاول تحقيقه خاصةً إذا كان يبدو ما يفعله خطيرًا أو غبيًا. لكن خصومه يضمون أيضًا الكثيرين من داخل الحزب الجمهوري، والذي هو منقسم بشدة بشأن السياسة الخارجية. هناك الصقور التدخليين مثل لينزي جراهام وجون ماكين، إلى جانب أعضاء حركة حزب الشاي أنصار الحكومة الصغيرة الذين يميلون إلى الانعزالية. يحتاج ترامب إلى دعم كلا الجناحين.
إضافةً إلى ذلك، هناك عقباتٌ اقتصادية. يمكن لترامب تحدي الكثيرين من خصومه الداخليين والأعراف الراسخة، لكنه لا يمكنه تحدي قوانين الاقتصاد وقوة سوق السندات. إذا أشعل ترامب حربًا اقتصادية عالمية وتسبب في حدوث عجزٍ كبير في الميزانية ولم يستطع إعادة الوظائف التي فقدتها الولايات المتحدة في العقود الماضية (وهو ما لن يستطيع القيام به)، فإنه سوف يكتشف أن أياديه الصغيرة لا علاقة لها بأيادي السوق الخفية. وإذا تضرر الاقتصاد، سوف يخسر شعبيته، ما سيجعل زملاءه في الحزب الجمهوري ينؤون بأنفسهم عنه أكثر، لتكون تلك بداية دوامة سقوطه السياسي.
اقرأ/ي أيضًا: ما الذي يعنيه فوز ترامب بالنسبة للشرق الأوسط؟
وأخيرًا هناك العقبات التي يفرضها النظام العالمي الحالي. حتى إذا كان المرء يعتقد أن على الولايات المتحدة إعادة التفكير في استراتيجيتها الكبيرة، فإن الانتقال إلى استراتيجيةٍ أخرى يجب أن يتم بمهارة ودقة وانتباهٍ إلى التفاصيل. الانتقال إلى استراتيجيةٍ جديدة دون التسبب في عدم استقرارٍ خطيرٍ وغير ضروري ليست مهمة للهواة. وبالنظر إلى أن أغلب مؤسسة السياسة الخارجية الجمهورية قالت علنًا إن ترامب غير مناسب للمنصب، فإنه قد لا يكون لديه الكثير من الأشخاص ذوي الخبرة والكفاءة للاختيار فيما بينهم (وهو ما جعل وكيل دعاية مثل نويت جنجريتش يصبح مرشحًا لمنصب وزير الخارجية).
إذًا فهل هناك صيغة للسياسة الخارجية تتفق مع الترامبية دون أن تكون مدمرة بالكامل للنظام العالمي؟
يعتقد والت أن هناك واحدة. إنها فكرة قديمة وليست لامعة على نحوٍ خاص في الوسط الأكاديمي أو عالم مراكز الأبحاث أو مؤسسة السياسة الخارجية الحالية. لكنها، يتابع والت، فكرة تحظى بالتوقير وتتفق تمامًا مع الرسالة التي يبشر ترامب بها منذ أعلن ترشحه للرئاسة.
هذه الفكرة القديمة هي "السيادة الوستفالية". إذا كان ترامب يبحث عن مبدأٍ موحد لنهجه تجاه السياسة الخارجية، فإن فكرة أن الدول مسؤولة عن أراضيها ومواطنيها وأنه لا ينبغي على الدول الأخرى التدخل في شؤون أيهما. تتفق هذه الفكرة مع عقلية "أمريكا أولًا" التي يتبناها ترامب، وتجد صدى لدى عاطفة القومية الشعبوية التي تقف وراء كل شيء بدايةً من البريكسيت إلى الطوائف المتعددة من الأوروبيين المعادين للأجانب الذين تحمسوا للغاية لنجاح ترامب. إنه ليس مبدأً مثار جدل، بل إنه يشكل أغلب أساسات القانون الدولي الحالي.
إذا كان ترامب يبحث عن مبدأ لسياسته الخارجية، فإنها فكرة أن الدول مسؤولة عن أراضيها ومواطنيها وأنه لا ينبغي التدخل في شؤون الآخرين
حسب ذلك التصور، سوف ترفض الولايات المتحدة بالطبع تدخل أي حكومة في الشؤون الأمريكية. لا تستطيع الولايات المتحدة بالطبع تجنب أغلب القانون الدولي، لكن كأساسٍ خطابي، فِإن "السيادة القومية" هي ما يرغب مؤيدوه في سماعه. تحت ذلك الوشاح، سوف تتوقف الولايات المتحدة عن محاولة نشر الديمقراطية (سواء بالقوة أو عبر وسائل أقل قسرًا)، لتتبع بدلًا من ذلك نهجًا يقوم على "عِش ودع غيرك يعيش" تجاه الحكومات التي تختلف عنها.
في ذات الوقت، تعتبر السيادة الوستفالية الحدود القائمة مقدسة، وتعترف بقيمة درجةٍ ما من الاعتمادية والجدارة بالثقة. وبالتالي فإن ذلك النهج يسمح لترامب بالتقيد بالتزامات الولايات المتحدة التي تمليها عليها التحالفات القائمة. إذا تعرض أي من شركاء الولايات المتحدة المرتبطين معها بمعاهدات لهجوم، فإن النهج الوستفالي سوف يسمح لترامب بالتحرك لمساعدتهم. إذا كان هناك حاجة إلى تعديل تلك الالتزامات (أو التخلص منها في الحالات القصوى)، فإن ذلك يجب أن يتم على نحوٍ حذر ودقيق.
عبر ترامب عن شكوكه بشأن الكثير من الالتزامات التي تمليها التحالفات القائمة خلال الحملة، لكن طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الحاليين على المدى القصير هي فكرة جيدة. حتى إذا كنت تعتقد أنه يجب إعادة التفكير بتلك العلاقات مع الوقت، فإن ذلك يجب أن يتم ببطء وعقب الكثير من المحادثات المشتركة حتى لا تواجه الولايات المتحدة سلسلة من ردود الفعل المذعورة في جميع أنحاء العالم.
سوف يساعد ذلك النهج أيضًا إلى حد كبير في حل بعض التوترات الحالية مع روسيا، وهو الأمر الذي تعهد ترامب بالقيام به. سوف يتم التخلي نهائيًا عن فكرة توسيع حلف الناتو، سوف يوضح ترامب أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى إصلاح الحكومة الروسية وأنه لا يهتم بتاتًا بكيفية إدارة فلاديمير بوتين لبلاده (أو إساءة إدارتها). سوف تقلل تلك الخطوة من دوافع روسيا إلى الرد عبر التدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة (وهو ما يقف وراء عمليات القرصنة الروسية)، وسوف يفتح الباب للمزيد من التعاون في المجالات التي تلتقي فيها مصالح البلدين.
التوقف عن ترويج الديمقراطية واحترام معيار السيادة هما أسهل الطرق ليحافظ ترامب على سعادة قاعدته الجماهيرية شبه الانعزالية
هنا يثور السؤال: وماذا عن القرم؟ كيف يمكن أن يتسق ما قامت به روسيا مع الالتزام بالسيادة القومية وسلامة أراضي الدول؟ ينبغي أن يكون ذلك سهلًا على رجل أعمال مراوغ مثل الرئيس المستقبلي. كل ما عليه فعله هو تذكير الجميع بأن 1) أوكرانيا ليست حليفًا رسميًا للولايات المتحدة، 2) لم تعد الولايات المتحدة مطلقًا بالدفاع عنها، 3) كل الفوضى هناك هي خطأ باراك أوباما على أي حال.
باختصار، التوقف عن ترويج الديمقراطية واحترام معيار السيادة هما أسهل الطرق ليحافظ ترامب على سعادة قاعدته الجماهيرية شبه الانعزالية مع طمأنة حلفاء الولايات المتحدة شديدي القلق. كما أن ذلك يسمح له أيضًا بلعب دور الرجل القوي عند التعامل مع الدول التي تقرصن المواقع الإلكترونية للولايات المتحدة أو تسرق الملكية الفكرية الخاصة بها أو تحاول أن تملي على الولايات المتحدة كيف تتصرف بالداخل.
لكن هل سيتبع ترامب ذلك المسار العقلاني؟ يجيب والت بأنه من المستحيل أن يعرف الإجابة، مردفًا بأن القيام بذلك يتطلب درجة كبيرة من المهارة الدبلوماسية، وليس هناك حتى الآن أي دليل إلى أنه سوف يجمع فريقًا يمكنه بالفعل التحرك على نحوٍ دقيق وحذر. من المرجح أن يكون هذا وقت الهواة في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية، ومن شبه المؤكد أن المحترفين في البلدان الأخرى سوف يكونون مستعدين لاستغلال أخطاء المبتدئين التي سيقوم بها ترامب وشركاؤه.
أخيرًا يقول والت إنه لا يعتقد ولو لدقيقة أن الانتخابات الأخيرة كانت بشأن السياسة الخارجية، رغم أن ترامب قد استغل تصوراتٍ واسعة الانتشار بفشلها. على العكس، كانت الانتخابات رد فعل على ظروفٍ داخلية وخاصةً غضب وسخط الأمريكيين البيض من الطبقة الوسطى والدنيا الذين شعروا بتجاهلهم من قِبل النخب في كلا الحزبين. ورغم اعتقاده بأن سياسة ترامب الخارجية سوف تضعف الولايات المتحدة بالخارج، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون محل قلقٍ كبير.
ما يجب أن يقلق الأمريكيون بشأنه، يختتم والت، هو احتمالية أن يشكل ترامب تهديدًا طويل المدى للنظام الدستوري التقليدي للولايات المتحدة. بالنسبة لوالت السؤال هو ليس ما إذا كان ترامب مخاطرًا مولعًا بالقتال مثل هتلر أو موسوليني، ولكن ما إذا كان مختطفًا ذكيًا للسلطة مثل برلسكوني أو أردوغان أو بوتين ومستعدًا لانتهاك الدستور للمضي قدمًا والاستمرار في منصبه، وهو الخطر الذي يرى أن بعض أنصاره، الأكثر حماسًا في المعسكر المعادي للتدخلية، قد تجاهلوه تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا: