قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الإثنين، إن الحكومة الإسرائيلية لم تمتثل لإجراء واحد على الأقل، في الأمر الملزم قانونًا الصادر عن محكمة العدل الدولية، في قضية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، المرفوعة من قبل جنوب إفريقيا.
وأضافت المنظمة الحقوقية: "بعد مرور شهر على قرار المحكمة، تواصل إسرائيل عرقلة توفير الخدمات الأساسية ودخول وتوزيع الوقود والمساعدات المنقذة للحياة داخل غزة، وأعمال العنف والانتهاكات ضد المدنيين، والعقاب الجماعي، والتي ترقى إلى جرائم حرب بما يشمل استخدام تجويع المدنيين كسلاح من أسلحة الحرب. وقد دخل عدد أقل من الشاحنات إلى غزة، وتم السماح لعدد أقل من بعثات الإغاثة بالوصول إلى شمال غزة في الأسابيع العديدة التي تلت صدور الحكم مقارنة بالأسابيع التي سبقته"، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
قالت هيومن رايتس ووتش، إن على الدول استخدام جميع أشكال الضغط، بما في ذلك العقوبات والحظر، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتثال لأوامر المحكمة الملزمة في قضية الإبادة الجماعية
وقال عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: "إن الحكومة الإسرائيلية تقوم بتجويع 2.3 مليون فلسطيني في غزة، مما يعرضهم لخطر أكبر مما كانوا عليه قبل قرار المحكمة الدولية الملزم. لقد تجاهلت الحكومة الإسرائيلية ببساطة حكم المحكمة، بل إنها في بعض النواحي كثفت قمعها، بما في ذلك عرقلة المساعدات المنقذة للحياة".
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الدول استخدام جميع أشكال الضغط، بما في ذلك العقوبات والحظر، للضغط على الحكومة الإسرائيلية للامتثال لأوامر المحكمة الملزمة في قضية الإبادة الجماعية.
ووجدت هيومن رايتس ووتش، في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن السلطات الإسرائيلية تستخدم التجويع كسلاح حرب. وعملًا بسياسة وضعها المسؤولون الإسرائيليون ونفذتها القوات الإسرائيلية، تمنع السلطات الإسرائيلية عمدًا توصيل المياه والغذاء والوقود، وتعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، وتدمر المناطق الزراعية على ما يبدو، وتحرم السكان المدنيين من الأشياء التي لا غنى عنها لعيشهم.
وأبقت السلطات الإسرائيلية إمدادات الكهرباء لغزة مقطوعة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد أن قطعت إسرائيل في البداية كامل إمدادات المياه التي توفرها إسرائيل لغزة عبر ثلاثة خطوط أنابيب، استأنفت إسرائيل مد المياه عبر اثنين من خطوطها الثلاثة. لكن بسبب الانقطاعات والتدمير الواسع النطاق للبنية التحتية للمياه وسط العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية المتواصلة، ظل خط واحد فقط من هذه الخطوط يعمل بسعة 47% فقط حتى 20 شباط/فبراير.
قال مسؤولون في مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة لـ "هيومن رايتس ووتش": إن "السلطات الإسرائيلية أعاقت الجهود المبذولة لإصلاح البنية التحتية للمياه".
ووفقًا للبيانات التي نشرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، انخفض المتوسط اليومي للعدد اليومي للشاحنات التي تدخل غزة محملة بالأغذية والمساعدات والأدوية بأكثر من الثلث في الأسابيع التي تلت حكم محكمة العدل الدولية: 93 شاحنة بين 27 كانون الثاني/يناير و21 شباط/فبراير 2024، مقارنة بـ 147 شاحنة بين 1 و26 كانون الثاني/يناير، و 57 فقط بين 9 و21 شباط/فبراير.
كما تواجه 24 منظمة إنسانية عاملة في غزة، في الفترة ما بين 26 كانون الثاني/يناير و15 شباط/فبراير، نقص الشفافية حول كيفية دخول شاحنات المساعدات إلى غزة، والتأخير والرفض عند المعابر ونقاط التفتيش الإسرائيلية، والمخاوف بشأن سلامة الشاحنات.
وبالمقارنة، دخل ما معدله 500 شاحنة من المواد الغذائية والسلع إلى غزة كل يوم قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وخلال هذه الفترة كان يقدر أن 1.2 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، وكان 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية وسط الحصار الإسرائيلي غير القانوني المستمر منذ أكثر من 16 عامًا.
وقد صاغ مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى سياسة لحرمان المدنيين من الغذاء والماء والوقود، كما وثقت هيومن رايتس ووتش. فيما يلقي بعض المسؤولين الإسرائيليين اللوم على الأمم المتحدة في تأخير التوزيع ويتهمون حماس بتحويل المساعدات أو شرطة غزة بالفشل في تأمين القوافل.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها تحويل اللوم للتهرب من المسؤولية، وباعتبارها القوة المحتلة، فإن إسرائيل ملزمة بتوفير الرعاية للسكان الخاضعين للاحتلال وضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة.
وقد طعنت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "جيشا"، في ادعاءات الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تعرقل دخول المساعدات أو توزيعها، كما وجدت أنها لا تمتثل لأمر محكمة العدل الدولية.
كما منعت السلطات الإسرائيلية المساعدات التي تدخل غزة من الوصول إلى مناطق الشمال. وخلص المسح الذي أجرته المنظمات الإنسانية إلى أنه "لا يتم توزيع أي مساعدات تقريبًا خارج مدينة رفح"، وهي المحافظة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة. وفي 20 شباط/فبراير، أوقف برنامج الأغذية العالمي تسليمات المواد الغذائية المنقذة للحياة إلى الشمال مؤقتًا، بسبب انعدام السلامة والأمن. قالت الأمم المتحدة ووثقت شبكة "سي إن إن"، إن القوات الإسرائيلية قصفت قافلة غذائية في 5 شباط/فبراير رغم حصولها على تنسيق للمرور.
وفي الفترة ما بين 1 و15 شباط/فبراير، قامت السلطات الإسرائيلية بتسهيل اثنتين فقط من أصل 21 مهمة مخطط لها لتوصيل الوقود إلى شمال منطقة وادي غزة. وتم تسهيل أقل من 20% من البعثات المخطط لها لتوصيل الوقود وإجراء التقييمات شمال وادي غزة في الفترة ما بين 1 كانون الثاني/يناير و15 شباط/فبراير، مقارنة بـ 86% من البعثات المخطط لها بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
وقال عمر شاكر: "إن القوات البرية الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى جميع أنحاء غزة، لذلك من الواضح أن السلطات الإسرائيلية لديها القدرة على ضمان وصول المساعدات إلى جميع أنحاء غزة".
ومنذ أمر محكمة العدل الدولية، يبدو أن السلطات الإسرائيلية دمرت أيضًا مكاتب اثنتين من المنظمات الإنسانية على الأقل في غزة واتخذت خطوات لتقويض عمل الأونروا.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في 13 فبراير/شباط، إنه منع شحنة دقيق بتمويل أمريكي إلى غزة، لأنها كانت متوجهة إلى الأونروا. وزعمت إسرائيل أن 12 موظفًا من الوكالة البالغ عددهم 30 ألف موظف شاركوا في هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر، خلص التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، إلى أن أكثر من 90% من سكان غزة يعيشون في مستوى أزمة الغذاء الحاد، وانعدام الأمن الغذائي أو ما هو أسوأ.
وقالت المجموعة: "هذه هي أعلى نسبة من الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد التي صنفتها مبادرة التصنيف، على الإطلاق في أي منطقة أو بلد معين".
وفي 19 شباط/فبراير، وجدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أن 90% من الأطفال تحت سن الثانية و95% من النساء الحوامل والمرضعات يواجهون "فقرًا غذائيًا حادًا". في 22 شباط/فبراير، قالت منظمة إنقاذ الطفولة إن العائلات في غزة "تضطر إلى البحث عن بقايا الطعام التي خلفتها الفئران وأكل أوراق الشجر بسبب اليأس من أجل البقاء"، مشيرةً إلى أن "جميع الأطفال في غزة البالغ عددهم 1.1 مليون طفل يواجهون المجاعة".
وردًا على طلب جنوب إفريقيا، باتخاذ تدابير مؤقتة إضافية في أعقاب الأمر الذي أصدره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسلطات الإسرائيلية بدراسة خطة محتملة لإخلاء رفح قبل التوغل البري، قالت محكمة العدل الدولية إن "الوضع الخطير يتطلب تنفيذًا فوريًا وفعالًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وكون التدابير المؤقتة تنطبق على جميع أنحاء غزة".
وبالإضافة إلى تمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات، فإن التدابير الواردة في الأمر الملزم لمحكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة ومنع التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه.
قال عمر شاكر: "إن القوات البرية الإسرائيلية قادرة على الوصول إلى جميع أنحاء غزة، لذلك من الواضح أن السلطات الإسرائيلية لديها القدرة على ضمان وصول المساعدات إلى جميع أنحاء غزة"
وأصدرت محكمة العدل الدولية هذه الإجراءات "لحماية الحقوق التي تطالب بها جنوب إفريقيا والتي وجدت المحكمة أنها معقولة"، بما في ذلك "حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية".
وفي الفترة ما بين 26 كانون الثاني/يناير و23 شباط/فبراير، استشهد أكثر من 3400 فلسطيني في غزة، وفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في غزة والتي جمعها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
وقال شاكر: "إن تجاهل إسرائيل الصارخ لأمر المحكمة الدولية يشكل تحديًا مباشرًا للنظام الدولي القائم على القواعد. إن الفشل في ضمان امتثال إسرائيل يعرض حياة ملايين الفلسطينيين للخطر ويهدد بتقويض المؤسسات المكلفة بضمان احترام القانون الدولي والنظام الذي يضمن حماية المدنيين في جميع أنحاء العالم".