ألترا صوت – فريق التحرير
لا تتوقف بيروت، منذ نحو قرنين من الزمن، عن تبديل صورتها. المدينة التي عُرفت بوصفها ميناءً صغيرًا زمن الفينيقيين، وبقيت على الهامش تقريبًا حتى قيام متصرفية جبل لبنان الذي كانت منفذه الوحيد على المتوسط، تبدو رهينة عملية إعادة صياغةٍ متواصلة، تفصل بين مراحلها، غالبًا، حروبٌ وأزماتٌ تمحو بعض ملامحها تمهيدًا لولادة أخرى لا تصمد طويلًا.
يحاول مروان رشماوي في معرضه تصنيف وفهرسة المباني والمنشآت غير المكتملة في بيروت، بهدف تشكيل خريطة لمعالمها المهددة بالزوال
وعلى مدار هذين القرنين، عرفت العاصمة اللبنانية قدرًا هائلًا من التغيُّرات العمرانية التي أنتجت، إلى جانب الملامح الجديدة للمدينة، شكلًا من أشكال الحنين المقيم أو المزمن لدى سكانها تجاه ما تعرض للمحو منها، وهو الحنين الذي يشكل المسارات التي يسلكها الفنان الفلسطيني – اللبناني مروان رشماوي لإنجاز أعماله الفنية، دون أن يكون هدفه منها إثارته عند المتفرج فقط.
اقرأ/ي أيضًا: معرض مروان رشماوي.. 22 مدينة في فلسطين
في معرضه الجديد "واستمرت الأشجار في التصويت للفأس"، الذي افتُتِحَ في "غاليري صفير زملر" في بيروت منتصف الشهر الفائت، والمستمر حتى الثاني عشر من آب/ أغسطس القادم، يواصل رشماوي اشتغاله على التقاط تفاصيل المدينة اللبنانية الزائلة، من خلال تجهيزاتٍ فنية ومنحوتات توسل في إنجازها مواد طبيعية مختلفة، مثل الاسمنت والمعدن والمطاط والزجاج والشمع والنسيج وغيره.
ويسعى رشماوي عبر أعماله هذه، إلى تصنيف وفهرسة المباني والشوارع والمواقع والمنشآت غير المكتملة في بيروت، بهدف تشكيل خريطة لمعالمها المهددة بالزوال من جهة، والإشارة إلى الأزمات التي تعيشها من جهةٍ أخرى. ومن خلال هذه الخرائط: "يثير أسئلة معقدة حول تشكل الهويات متعددة الثقافات، ويعكس الهيكليات الاجتماعية والسياسية من خلال قضايا التحضر والديموغرافية المعاصرة"، بحسب بيان المنظمين.
ويضيف البيان: "في أعقاب انفجار الرابع من آب/ أغسطس الماضي، بدأ رشماوي العمل في أنقاض مساحة غاليري (صفير زملر)، مصممًا على الحفاظ على اللحظات الزائلة والمتلاشية من خلال دمجها مع مواد صلبة. كانت النتيجة أعمالًا تتأمل في النظام السياس الفاسد والمتحلل، وفي يأس آلاف اللبنانيين المربكين والهائمين في شوارع المدينة".
يضم المعرض الذي كان من المفترض أن يُفتَتَح في آب/ أغسطس من العام الفائت، منحوتات على شكل أعمدة ومباني مدمرة ومهجورة، استوحاها مروان رشماوي مما حدث ويحدث في لبنان وسوريا. وتشير هذه المنحوتات إلى الأُسس البالية التي تنهض فوقها المدن العربية، والبُنى المتحللة والمهجرة التي تُفرزها ممارسات الأنظمة السياسية الفاسدة.
ويعمد الفنان الفلسطيني – اللبناني إلى التخفيف من خشونة هذه المنحوتات، من خلال مدِّها بلمساتٍ فكاهية وشاعرية غير متوقعة، ولا تؤثر على مضمونها وما تنطوي عليه من رسائل مختلفة، تحيل جميعها إلى الحروب التي تعيد تشكيل المدن بشكلٍ تفقد روحها عندها.
يواصل مروان رشماوي في معرضه "واستمرت الأشجار في التصويت للفأس"، اشتغاله على التقاط تفاصيل مدينة بيروت المهددة بالزوال
ويشتمل المعرض أيضًا، على تجهيزاتٍ تحتفي بأعمال المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نيماير، مصمم بناء "معرض طرابلس الدولي" الذي يعاني منذ انتهاء الحرب الأهلية من الإهمال المتواصل، رغم التحذيرات المحلية والعالمية من احتمالية انهياره. بالإضافة إلى تجهيز بعنوان "التعاونية"، يسعى رشماوي من خلاله إلى إعادة إنتاج ما يُعرف بـ "سوق الروشة"، الذي تشارك نحو 575 بائع في بنائه بعد تدمير بسطاتهم وأكشاكهم الممتدة على طول الواجهة البحرية، خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
اقرأ/ي أيضًا: ريبال ملاعب.. الموسيقى والرسم وما بينهما
وإلى جانب الأعمال السابقة، يتضمن المعرض منحوتة بعنوان "بيروت والبحر"، وزعها مروان رشماوي على 13 قطعة، تمثل كل قطعة منها إحدى المناطق الساحلية الثلاثة عشر، وتشكل جميعها خريطة للخط الساحلي لبيروت، تعكس: "شكل المدينة الذي لا ينفك يتسع ويتسلل ببطء إلى مياه البحر. تمثِّل الخريطة أيضًا مدينة سُلبت منها مساحاتها العامة، إذ تم احتلال الغالبية العظمى لأراضي الواجهة البحرية بمنتجعات خاصة باهظة الثمن، أو أنها تلوثت بفعل وجود مرادم النفايات وشبكات الصرف الصحي".
اقرأ/ي أيضًا: