ويلبور روس، وزير التجارة الأمريكي، والرجل الداهية في حكومة دونالد ترامب، الذي سطع اسمه في وثائق برادايس من جهة علاقات شركاته الخاصة بالدائرة الضيقة حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي تسبب بدوره في جدل واسع في الأوساط الأمريكية.
ورد اسم وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس، في وثائق برادايس من جهة علاقات شركاته الخاصة بالدائرة المقربة من الرئيس الروسي بوتين
ويلبور روس.. كل ما يلمسه يتحول ذهبًا
قبل ما يقرب من ثلاثة عقود، أنقذ ويلبور روس زميله في عالم البزنس، ترامب، من الإفلاس على إثر القرض الذي أخذه ليكون جزءًا من مشروع تمويله للكازينو الكبير الذي يملكه والمسمى بـ"تاج محل". وضع ويلبور روس استراتيجية مالية أنقذت ترامب من الوقوع في فخ الإفلاس، لتستمر أعماله في النمو، وصولًا لأن يُصبح ترامب المرشح الرئاسي الأوفر حظًا، ثُم الرئيس. ولم ينس ترامب هذا الجميل من ويلبور روس.
اقرأ/ي أيضًا: وثائق برادايس.. ترامب وبوتين وملكة بريطانيا في عمق تسريبات الملاذات الضريبية
مع توليه الرئاسة، جاء ترامب بفريق رئاسي معظمه من أثرياء الولايات المتحدة، أو زملائه في عالم الأعمال. وكان ويلبور روس من بينهم. ورغم أن اختيار روس أثار عدة انتقادات من جهة أنه ليس الرجل الأنسب من وجهة نظر البعض، إلا أن ترامب وقف حينها ليقول أمام الملأ في سيناسيتي بإحدى التجمعات الجماهيرية المعقدة في أوهايو بُعيد انتخابه رئيسًا: "هذا الرجل يعرف كيف يجني المال"، مُضيفًا: "لقد وظفت قاتلًا"، يقصد من فرط مهارته على جمع المال. هكذا يُفكر ترامب على أية حال.
وتخصص ويلبور روس في تحويل الشركات المتعثرة إلى كيانات تدر أرباحًا بالملايين. البداية المهنية لهذه الموهبة لم تكن في إنقاذ ترامب من أزمة تاج محل عام 1990، وإنما تحديدًا حين أسس شركته المتخصصة في جمع الأموال من المستثمرين لإنشاء صناديق استثمارية في الشركات التي تعاني من الأزمات المالية بهدف إعادة هيكلتها وتحويلها لكيانات رابحة، ومن ثمّ بيعها بأسعار فلكية.
الضربة المؤسسة كانت عام 2002، عندما اشترت شركته شركة حديد وصلب تعاني تعثرًا ماليًا، ثم شرع ويلبور روس في إعادة هيكلتها لتحقق أرباحًا طائلة، بالتزامن مع فرض إدارة جورج بوش الابن، ضريبة على استيراد الحديد والصلب بلغت 30%.
استثمرت شركة ويلبور روس أيضًا في الأقمشة والفحم وعدة مجالات أخرى. لكنه اتُهم لاحقًا بالتأثير سلبًا على العمالة المحلية، لأن الشركات التي كان يستحوذ عليها، سرعان ما كان ينقلها للخارج، لدول العمالة الرخيصة، كالمكسيك والصين ونيكاراغوا.
علاقاته التجارية مع صهر بوتين
ما يشغل الرأي العام الأمريكي الآن بدرجة كبيرة، هو ما كشفت عنه وثائق برادايس، من روابط تجارية في شركات الأوف شور بين ويلبور روس وصهر بوتين. فحين انضم ويلبور روس في شباط/فبراير الماضي إلى فريق ترامب الرئاسي، باع معظم الأصول التي يملكها في استثماراته الخارجية، لكنه حافظ في المقابل على حصته في شركة "نافيجيتور - Navigator"، والتي تبلغ 31% من رأس مال الشركة.
أحد المستثمرين الجدد في تلك الشركة، والذي ساهم فيها بحوالي 68 مليون دولار، هي شركة "سايبور"، وهي شركة بتروكيمياويات، مقرها موسكو، وأهم المستثمرين فيها هو كيريل شامالوف، زوج ابنة بوتين الصغرى، إضافةً إلى غينادي تيموشينكو، وهو أحد المتنفذين في روسيا بعلاقة مباشرة مع بوتين. هذا بالإضافة إلى العلاقة التي تجمع روس بليونيد ميكليسون الذي يستحوذ على إحدى شركات الطاقة الروسية المشمولة ضمن لائحة العقوبات الأمريكية ضد روسيا.
يمتلك روس حصة أساسية في شركة بإحدى الملاذات الضريبية، تتعامل مع شركة روسية يملكها صهر بوتين
وقبيل انضمامه للحكومة الأمريكية، نفى , ويلبور روس أي علاقات تجمعه بروسيا، حتى اتضح بما لا يدع مجالًا للشك، أن نفيه كان كاذبًا، فقد كشف وثائق برادايس عن شركة آبلبي علاقة ويلبور روس بروسيا عبر شركته نافيجيتور.
اقرأ/ي أيضًا: من أمريكا للشرق الأوسط.. أثرياء يديرون دفة السياسة؟
وجدير بالذكر، أن التسريبات كشفت أن شركة سايبور الروسية تضررت كثيرًا بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا، عقب سيطرة الأخيرة عسكريًا على القرم. لكن الدولة الروسية تدخلت لدعم سايبرو وجعلت منها الجهة الحصرية لتصدير النفط السائل الروسي. وتُفيد وثائق برادايس أن شركة سايبور الروسية باتت أحد أهم عملاء شركة نافيجيتور التي يمتلك ويبلور روس ثلثها تقريبًا.
ردود الأفعال
وسائل الإعلام والصحف الأمريكية كتبت عن الموضوع الذي أثار جدلًا واسعًا وامتعاضًا كبيرًا في الأوساط السياسية والإعلامية، على أساس أن العلاقة التجارية مع شركة طاقة روسية، تعني علاقة مع الدولة الروسية، وهو ما عبر عنه أموس هوسشتاين المسؤول السابق في إدارة ملف الطاقة بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي قال: "عندما تبدأ بالقيام بأعمال في روسيا مع شركات طاقة روسية مثل غازبروم أو سايبور، فهذه ليست مجرد علاقة مع هذه الشركات، أنت في علاقة مع الدولة الروسية".
وكما سبق ذكره، فسايبور تمثل علاقة مباشرة بالدولة الروسية، من جهة أن أحد أهم مستثمريها هو صهر بوتين، ومن أخرى كونها باتت المصدر الحصري للنفط السائل الروسي، وهو ما يعد في الأوساط السياسية الأمريكية أمرًا "مشبوهًا"، لذا قال دانيال فرايد الخبير في الشؤون الروسية، وممن شغلوا مناصب عدة في إدارات أمريكية سابقة: "لماذا قد يكون هناك أي علاقة بين مسؤول أمريكي وبين شركة مشبوهة لها علاقة ببوتين؟!".
أما ريتشارد بلومنتال، عضو لجنة التجارة والنقل في مجلس الشيوخ، فقد قال لشبكة "إن بي سي نيوز" التي اطلعت أيضًا على وثائق برادايس، وفقًا لما نقلته واشنطن بوست: "لقد تم تضليل لجنتنا، وتم تضليل الشعب الأمريكى، بإخفاء تلك الشركات". ثم تساءل في إحدى تغريداته: "لماذا يوجد الكثير من زملاء ترامب لديهم مشكلات في الكشف عن علاقاتهم بروسيا؟!"، واصفًا الأمر بـ"غير المحتمل" والذي "لا يمكن التسامح فيه"، مُضيفًا في تغريدة أخرى: "فيما يتعلق بعلاقته التجارية مع روسيا في دعم الأوليغاركيين الروس. ويبلور روس ضللني وضلل الشعب الأمريكي".
يتبين من وثائق برادايس أن رجال ترامب الذي وعد باستعادة تريليونات الدولارات بجهودهم، هم أنفسهم متورطون في إخفاء أموال طائلة
الجدير بالإشارة، هو أن يكون رجال الحكومة الأمريكية الذين اختارهم ترامب وأعلن أنه بهم سيأتي للولايات المتحدة لترليونات الدولارات من الخارج، هم أنفسهم متورطون في إخفاء أموال طائلة، ما سيضاف إلى جملة الأزمات التي يتعرض لها ترامب في الداخل الأمريكي، خاصة على خلفية العلاقات مع روسيا بدءًا من الاتهامات بتدخل الأخيرة لصالح ترامب من الانتخابات الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا:
البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط