في مقاله بصحيفة نيوزيك يشرح ألكسندر نازارين بعض تفضيلات ستيف بانون ومعاركه في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت في كانون الأول/ديسمبر الماضي. مسرح الأحداث إحدى التجمعات الانتخابية في دوناثان بألاباما، حيث امتزج الدين بحرية مع السياسة، وافتتح التجمع قراءة نص غاضب من المزمور الخامس عن أعداء الرب، تلك التي تقول: "لأنه ليس في أفواههم صدق. في جوفهم هُوة. حلقهم كقبر مفتوح".
رغم أن بانون كاثوليكي مُؤمن، لكن دينه الحقيقي هو "القومية الاقتصادية" التي يُروّج لها دائمًا باعتبارها سببًا في فوز ترامب
أعداء الرب في هذا المشهد هم الصحف ووسائل الإعلام التي نشرت عدة روايات عن السيد المتحرش "روي إس مور" رئيس العدل السابق للمحكمة العليا في ولاية ألاباما، والذي ترشح لمجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري. الروايات التي سردتها عدة نساء عن تحرش مور كانت وحشية وعنيفة، آخرها سيدة اتهمت مور بالتحرش بها بعنف عندما كانت لا تزال فتاة في الـ16 من عمرها، بعد انتهاء دوامها كنادلةٍ في إحدى المطاعم. كان ذلك عام 1982، وكانت تلك التهمة الخامسة في سجله.
اقرأ/ي أيضًا: صراع ترامب و"ديك" الفاشية الحمائية.. ما مصير "البانونية" بدون بانون؟
وفي التجمع الانتخابي، أُعطي صبي الميكروفون ليقول: "نشكر الرب الذي أعطانا في الماضي القاضي مور، ليحمي معتقداتنا. واليوم نقف لانتخابه تمجيدًا ليسوع المسيح". لاحقًا خسر روي الانتخابات في ضربة موجهة أمام المرشح الديمقراطي دوغ جونز.
القومية الاقتصادية
حين صعد بانون إلى المسرح ليلقي خطابًا تأييديًا لمور في إحدى مؤتمراته الانتخابية، لم يتحدث عن المثلية أو الإجهاض كموضوعات مثيرة للاهتمام بالنسبة لجمهوره الأبيض المتحفظ، رغم أنه يعرف تفضيلاتهم، وإنما جعل القضية ومحور حديثه أن هناك معركة بين من يريدون لمعجزة ترامب الأفول، ولمن يريدون لها تنويرًا بلا نهاية.
استطرد بانون في حديثه وقتها عن "طبقة العمال ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية"، فزعم أنّهم سيستفيدون من سياسات ترامب الصارمة تجاه الهجرة. ثم تحدث عن الاقتصاد الوطني باعتباره محايدًا أمام الاعتبارات العرقية أو الدينية أو الجنسية! لا يبدو هذا خطابًا بانونيًا أصيلًا.
بانون كاثوليكي مُؤمن، لكن دينه الحقيقي كما يقول نازارين هو "القومية الاقتصادية"، التي يعتقد أنها السبب الحقيقي وراء وصول ترامب للبيت الأبيض، بل إنه يعتقد أنها تضمن للجمهوريين المكوث في البيت الأبيض لعقودة آتية، في حين أن الكثير من الجمهوريين يرون أن بانون نفسه "خاسر كبير".
وفي محاولة لفهم ماهيّة "القومية الاقتصادية" المعني بها بانون، أوضح أحد العاملين في فريقه، أنها سياسة اقتصادية تقوم على ثلاث دعائم، الأولى يتمثل في الدعم المنتظم لرجال الأعمال والثانية تخفيض الضرائب على الطبقة المتوسطة، والثالثة برنامج لدعم البنية التحتية للفقراء.
وبتعبير ألكسندر نازارين، فإنّ الدعامتين الأولى والثانية هي من صلب عقيدة الحزب الجمهوري، أما الثالثة فليست إلا "مجرد تقليد مستعار من إدارة الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت".
في حديث آخر له، استخدم بانون مصطلح "القومية الاقتصادية" بإشارته إلى المليارات التي أنفقت على الغزو العسكري في أفغانستان والعراق، مُطالبًا الجماهير بتصور ما إذا كانت تلك الأموال الطائلة قد خُصصت لمدن وولايات محتاجة مثل بالتيمور وديترويت وسانت لويس. "هل فقدنا الإحساس بأولوياتنا؟"، يتساءل بانون.
ستيف بانون وإستراتيجيات لورانس العرب
عام 1916 وصل ضابط المخابرات الإنجليزي توماس إدوارد لورانس إلى الجزيرة العربية لتحريض العرب في المنطقة للثورة ضد الأتراك الحاكمين للإمبراطورية العثمانية، الذين كانوا هناك منذ القرن الـ16. سرعان ما اكتسب لورانس شهرة، وذلك "لفهمه ما من شأنه أن يجعل الثورة العربية ناجحة"، بعدها بعام واحد، نشر لورانس 27 تقريرًا قدمها للحكومة البريطانية لفهم طبيعة أبناء تلك المنطقة.
يعتقد بانون أن إستراتيجيات لورانس لتوحيد القبائل العربية على هدف واحد يتمثل في الثورة على الدولة العثمانية، دون تغيير هويتها؛ هو أمرٌ مثالي ويمكن استعارته مع الجناح اليميني في الحزب الجمهوري.
وتمثل خطة بانون في دفع المرشحين المبتدئين من أعضاء الحزب الأصغر سنًا، ضد كل جمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي، ما عدا بالطبع تيد كروز، كونه من جهة أصغر أعضاء مجلس الشيوخ، ولأنه يميني متشدد، قريب جدًا من أفكار بانون، سواءً في معارضته الشديدة للمثليين وقوانين حرية الإجهاض، ومتشدد إزاء الهجرة، وغير ذلك، كدعمه القوي لإسرائيل، ومعارضته الشديدة للاتفاق النووي الإيراني.
إنّ الفكرة الأساسية فيما يحاول بانون أن يفعله هو دعم وتقوية جناح اليمين المتشدد في الحزب الجمهوري، بأفكاره وأيديولوجيته. ويعمل على ذلك جاهدًا منذ خروجه من البيت الأبيض، ولعله مستمر وبقوة أكبر كفرصة أخيرة للبقاء في المشهد، بعد الحرب التي شنها ترامب عليه علنًا.
يحاول بانون أن يعيد إنتاج نسخٍ مكررة من ترامب داخل الحزب الجمهوري، على أن يبقوا على ولائهم لأفكاره، وهو أمر فشل في إنجازه
يحاول بانون أن يعيد إنتاج ترامب بكل تصريحاته ومواقفه خلال الحملة الانتخابية في كل مرشح جمهوري. لكنه حتى الآن لم يحقق النجاح الذي يرجوه، بل ويتم إقصاؤه وبقوة، ويتحالف حلفاؤه السابقون مع ترامب، لاستبعاده من المشهد السياسي للولايات المتحدة.
اقرأ/ي أيضًا:
بالوثائق.. ستيف بانون عميل الإمارات في البيت الأبيض للتحريض ضد قطر
إرث أمريكا "البيضاء".. ترامب المخلص لرسالة البلطجة الإمبريالية